فاعلون في الحقل الديني والقضائي والجمعوي والجامعي، بخنيفرة، يلتئمون في يوم تحسيسي لمناهضة العنف ضد النساء

0
  • أحمد بيضي

في إطار الحملة الوطنية المتزامنة مع اليوم الدولي لتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1999، في دورتها الرابعة والخمسين، لقرار إعلان يوم 25 نونبر من كل سنة يوماً عالمياً  للقضاء على العنف ضد المرأة، نظمت مندوبية التعاون الوطني، في خنيفرة، صباح الخميس 9 دجنبر 2021، وبتعاون مع المدرسة العليا للتكنولوجيا والكلية المتعددة الاختصاصات، لقاءً تحسيسياً، في موضوع: “محاربة العنف ضد النساء والفتيات في الوسط التربوي والتكويني”، وذلك بغاية الحد من انتهاكات حقوق النساء في السلامة الجسدية والنفسية وعدم التمييز، وتشجيع ضحايا العنف على التبليغ من أجل استئصال مظاهر إفلات الفاعلين من العقاب.

اللقاء الذي احتضنته دار المواطن (مركب القرب)، بخنيفرة، جرى بمشاركة المندوب الإقليمي للتعاون الوطني، ذ. ياسين عفراني، حول “المرجعيات القانونية والأهداف”، ورئيس المجلس العلمي المحلي، د. المصطفى زمهنى، في موضوع: “أهمية التربية على القيم في مناهضة العنف ضد المرأة”، ثم نائب رئيس المحكمة الابتدائية، ذ. يونس مصباح، حول “الحماية القانونية والقضائية للنساء والفتيات من العنف”، وأستاذ علم الاجتماع، د. حوسى أزارو، بورقة في موضوع “البنيات الاجتماعية والثقافية الناظمة للعنف ضد المرأة في المجتمع المغربي”، فيما شاركت ذ. خديجة شراف بمداخلة حول تجربة جمعية واد سرو في حماية النساء ضحايا العنف.

وتميز اللقاء باختيار الجامعي ذ. حسن محداش مسيرا، والذي انطلق من اعتبار العنف النفسي والجسدي الممارس ضد النساء هو “الأكثر انتهاكات حقوق الإنسان، والمعيق الأبرز لنجاح مشاركة النساء في المجتمع”، ومن هنا “كان لابد من تكثيف الحملات والاجراءات للحد من هذه الظاهرة”، فيما ذكر بالاتفاقيات والتشريعات الدولية والقوانين الوطنية التي جاءت من أجل ترسيخ فعلية حقوق النساء في المساواة وعدم التمييز، والحماية من جميع أشكال العنف، كما لم يفت المسير التركيز على مدى انخراط المغرب في دينامية مناهضة العنف ضد المرأة، ومن ذلك قانون 103/13 بغاية تشديد احكام القانون أمام استفحال الظاهرة.

أما مندوب التعاون الوطني، ذ. ياسين عفراني، فافتتح اللقاء بالإشارة لما “توليه الدولة المغربية من اهتمام جدي بظاهرة العنف الممارس ضد النساء، لأجل تمكين المرأة من حقوقها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، في ظل مناخ يدفع تكلفة غالية باهضة جراء توغل وتغول مظاهر معاناة النساء مع العنف والتهميش”، بينما لم يفت ذ. عفراني التذكير ببعض الاتفاقيات والمواثيق التي تنص على تجريم العنف، ثم بأهمية انخراط المدرسة والجامعة في التوعية والتحسيس، فيما أشار أيضا لبعض الاحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، ومن ذلك ارتفاع نسبة العنف ضد النساء إلى نحو 57 بالمائة، فضلا عن العنف الالكتروني الذي تجاوز 14 بالمائة.       

ومن خلال مداخلته، انطلق ذ. ياسين عفراني من استعراض عدد من المرجعيات الأساسية والاتفاقيات الدولية المؤطرة لموضوع القضاء على أشكال العنف ضد المرأة، وكذا من أهداف الحملة الوطنية ومكوناتها، فيما ذكر بما جاء من مواثيق حول المرأة، بدء بالإعلان العالمي لحقوق الانسان، اتفاقيات سيداو، العهد الدولي، ليركز أكثر على عدد من الفصول الواردة ضمن دستور 2011، والتي تؤكد على المناصفة والمساواة وعدم التمييز، وعلى حق المرأة في المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيما تطرق بالتالي لظواهر اجتماعية، مثل التحرش الجنسي، والعنف الالكتروني، مقابل أهمية التحسيس بضرورة التبليغ عن ظاهرة العنف.

وبدوره، افتتح نائب رئيس المحكمة الابتدائية، ذ. يونس مصباح، مداخلته من “أشكال التمييز التي تمتد جذورها إلى فجر التاريخ البشري، بل منذ نزول القرآن الكريم بآياته التي كرمت بني آدم، وأنصفت المرأة من الظلم وأعطاها حقوقها بوصفها إنساناً”، قبل تركيز المتدخل على القانون 103/13 الذي جاء “لإنصاف النساء في مواجهة العنف الاجتماعي والاقتصادي، ولتعزيز الآليات القانونية الكفيلة بتقوية سبل التنسيق بين القطاعات والمصالح المتدخلة من أجل التكفل بالنساء المعنفات”، دون أن يفوته القول ب “أن القضاء لم يولد للزجر فقط بل لرأب الصدع، ولحماية الانسان من أفعال العنف”.  

وفي ذات السياق، تطرق ذ. يونس مصباح، لدور الخلايا المعنية بالتكفل بالنساء، والمحدثة بمحاكم المملكة، في تلقي شكايات المعنفات، ولمدى تفاعل القضاء معها بالجدية المطلوبة، مبرزا أهمية هذه الخلايا في الاستقبال والاستماع والتوجيه والمساعدة الاجتماعية، كما أشار ذات المتدخل لبعض النصوص والمواد القانونية التي جاء بها القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، والمتعلقة أساسا بزجر أفعال العنف المبني على النوع الاجتماعي، فيما تطرق لموقف الدين الإسلامي من العنف الممارس على النساء، ولمضامين بعض المعاهدات والمواثيق الدولية، وللإصلاحات الهامة التي عرفتها مدونة الأسرة.

أما د. المصطفى زمهنى، رئيس المجلس العلمي المحلي، فانطلق في ورقته من “كون العنف ظاهرة مؤرقة في كل العالم، وكيف أنها ليست محلية أو متجهة لجنس بعينه بل هي ظاهرة معقدة تحتاج لكل المقاربات والجهود من أجل استئصالها”، كما أن العنف، يضيف د. زمهنى، “لا يرتبط بالكائن البشري بل بكل الكائنات المنتشرة على الأرض”، ومن هنا رأى المتدخل مدى “أهمية المدخل التربوي في أي حل للمشكلات”، إلى جانب “القيم المعنية بالتقييم والتقويم، والتي هي سبيل الإصلاح والعلاج وإرجاع الأمور إلى نصابها”، والتي تتكون نتيجة تفاعل الفرد والمجتمع مع الوقائع والمواقف الحياتية المختلفة، وبها يتمكّن الفرد من تحديد أهدافه وتوجهاته.

وعلى ضوء الآية الكريمة: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”، ركز د. زمهنى على مفهوم التعارف، و”ما يحمله من معان كثيرة تحيلنا على ما يؤكد أن الانسان في هذا الوجود يحتاج للتعارف والتواصل وتبادل المعرفة”، ليركز المتدخل أكثر على الذكر والأنثى في الآية، وحاجتهما للتعارف بالمفهوم الصحيح والمبني على المعروف والعدل والأمانة، قبل انتقاله لتفكيك “الخلط القائم بين مفهومي التدين والدين، وبين التفسير الخاطئ وسياق الآيات”، مشيرا لمثال كلمة “وَاضْرِبُوهُنَ” التي تم فهمها خطأ، من حيث أن تفسير الكلمة ليس معناها التعنيف، بل التجاهل والابتعاد مؤقتا إلى حين المصالحة التي لن تتأخر.

ومن جهته، تقدم الباحث السوسيولوجي ذ. حوسى أزارو بمداخلته التي انطلق فيها من سؤال العنف؟، “وماذا نقصد بالعنف، هل هو أسري أم جنسي أم اقتصادي؟، أم سببه سوء السلطة الذكورية وعدم الاحترام الواجب للمرأة داخل الأسرة والمجتمع”؟، إذ “أضحينا نتحول تدريجيا من العنف المعتاد إلى العنف ضد المرأة”، يقول المتدخل الذي استعرض البنيات المولدة لهذا العنف، من عادات وتقاليد ومفاهيم خاطئة ووضعيات اجتماعية ووظائف، وكذا من ضعف قائم في تحليل وتفكيك الرهانات، إلى أشكال العنف، اللفظي والجسدي والمعنوي والاقتصادي، كما تطرق المتدخل للعوامل المسهلة للظاهرة كالفقر والهشاشة والمسكرات والمستوى الثقافي المتدني وتفوق الرجل.

وبعد تناوله لتفاصيل أثار العنف على ضحاياه من النساء، جسديا ونفسيا، انتقل د. أزارو للحديث عن كلفة العنف على المرأة، ومن ذلك هدر الطاقات الانسانية للضحية والمس بكرامتها، فقدان التوازن الصحي وتراجع السلامة الصحية والعقلية والنفسية، ثم تفكك الأسرة واضطراب وتيرة الحياة، الشعور بغياب الأمن والأمان، وانعكاسات العنف السلبية على السلوك، تنامي ثقافة العدوانية والايذاء والاستغلال، علاوة على تراجع مردودية الضحية وأثر ذلك على الانتاجية (هناك ضياع من 8 إلى 14 يوم عمل سنويا)، مع تسجيل صروف ما يناهز ثلاث مليارات درهم من ميزانية الدولة لترميم نتائج العنف ضد النساء والفتيات.

وقد اختتمت أشغال اليوم التحسيسي بتلاوة التوصيات التي أكدت على ضرورة “دعم تقوية السياسات الوطنية في مجال مناهضة العنف ضد النساء”، و”تأسيس بنك المعلومات حول الظاهرة (تطوير مؤشرات التتبع وتقييم المخطط التنفيذي للاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف)، مع “تفعيل القيم الدينية الإسلامية السمحة من أجل صيانة حرمة المرأة وبناء الأسرة على قيم التعارف والإحسان”، و”العمل على تثمين ورصد المبادرات الفاعلة في مجال محاربة العنف ضد النساء، والتعريف بمشكلته”، و”التحسيس به وسط عموم الفاعلين وطنيا وجهويا ومحليا”، فضلا عن تنسيق كل المبادرات في مجال محاربته.