لقاء مفتوح بخنيفرة مع د. محمد أمحدوك حول “التراث اللامادي الزياني بين التوظيف والتثمين”

0
  • أحمد بيضي
حلَّ الباحث في التراث واللسانيات الأمازيغية، د. محمد أمحدوك، مساء السبت فاتح أبريل 2023، ضيفا على “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، في إطار برنامج “ضيف الشهر” الذي سطره هذا المركز، وذلك في لقاء مفتوح معه حول: “التراث اللامادي الزياني بين التوظيف الفولكلوري وحتمية التثمين”، وقد تميز اللقاء بحضور نوعي متفاعل، ومهتم بالموضوع، من مختلف الأطياف والمجالات، فيما تم فتح المجال للنقاش الذي أغنى اللقاء بإضافات وتساؤلات وتوصيات عميقة وعلمية.
وافتتح اللقاء كالعادة بكلمة للمسؤول على المركز الثقافي، الباحث في التراث، ذ. المصطفى فروقي، الذي وضع الحضور في دلالة “البرنامج الذي أخذه المركز على عاتقه بغاية تسليط ما يمكن من الضوء الثقافة المحلية، وكذا التراث المادي واللامادي، وعناصره والتعريف به”، مع إشراك الفعاليات الفكرية والعلمية في تشخيصه ومناقشته، باعتباره جزءً من تراثنا الثقافي، ورهاناً تنموياً وسياحياً، وما يتطلبه ذلك من مبادرات ترمي لصونه واستمراره احتراما للتنوع الثقافي والهوية المشتركة.
وتميز افتتاح اللقاء بعرض شريطين يندرجان في إطار اهتمامات “منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة” (اليونسكو) بالتراث الإنساني العالمي، وخصوصا منه التراث الثقافي غير المادي، المعترف به من قبل المنظمة، فيما أبرز الشريطان مدى حرص المنظمة المذكورة على دعم الجهود الرامية إلى حماية التراث، والتي فات لها، بالمناسبة، أن وقعت مع المغرب اتفاقية تهدف إلى حماية التراث المادي وغير المادي في إفريقيا، وذلك على هامش أشغال اللجنة الحكومية الدولية السابعة عشرة لصون التراث الثقافي غير المادي المنعقدة في المغرب.
من جهته، انطلق د. محمد أمحدوك، في محاضرته القيمة، من الوضعية العامة للتراث، والتذكير بما يهدده من مخاطر التلاشي والانقراض والتخريب وغياب العناية، ومعبرا عن تأسفه حيال “عدم حضور موضوع التراث إلا في اللحظات الفولكلورية الاحتفالية ليمر مرور الكرام ويبقى النقاش حوله يدور في حلقة مفرغة”، وخلال انتقال المحاضر لبعض الأعمال التراثية ذكر بقراءة عبدالفتاح كيليطو لمقامات الحريري كعمل تراثي، ومنها ل “حكاية امرأة جميلة ظلت نائمة لقرن من الزمن إلى أن قدم فارس الحياة الذي قبلها على جبينها فاستيقظت”.
وارتباطا بالحكاية، أخذها د. محمد أمحدوك رمزا للتراث الذي “ينتظر من “فرسان الحياة” إيقاظه، بشكل أو بآخر، ليتكيف مع العالم المتحول”، فيما تطرق المحاضر “للغات المهددة بالإبادة”، ومذكرا الجميع بمقالة قوية فات لمجلة “من أجل العلم” نشرها حول الموضوع، مع سؤال: “كيف أن البشرية تهتم بالتنوع النباتي والبيولوجي ولا تهتم بالتنوع اللساني؟”، علما أن “إبادة أية لغة من اللغات هي إبادة شعب بكامله، بتاريخه وأعرافه وتراثه”، يقول المحاضر الذي عرج بحديثه على الثقافات التي انقرضت باسم الحرب أو السياسة والاقتصاد.
وفي ذات السياق، توقف المحاضر، والباحث في اللسانيات، أمام “التحذيرات التي نبهت لانقراض 90 بالمائة من اللغات في العالم، خلال القرن 21، وجاءت منظمة اليونسكو بعد ذلك لتثبيت ما يؤكد أن اللغة الأمازيغية مدرجة بين هذه اللغات المهددة”، وفي هذا الصدد، لم يفت المحاضر إبراز “مدى حاجة اللغة الأمازيغية لما ينبغي من العناية والجهد والحماية، بعيدا عن الإيديولوجيات والحركات الارتجالية”، مع “البحث أكثر في ما يمكن استثمار هذه اللغة في البعد التراثي وحمايتها من كل خطر يتهددها”.
وبعد تذكيره بقولة لعلي بن أبي طالب حول “أهمية تعلم الألسن”، وقولة لكارلوس الإسباني حول “إتقان اللغات”، وأخرى لابن خلدون حول “مفهوم اللسان”، ولج د. محمد أمحدوك بمداخلته للحديث عن التراث اللامادي الزياني، والمقصود منه، كموروث يتشكل من ممارسات وتقاليد ومعارف ومهارات وفنون، وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأشكال تعبيرية وأماكن ثقافية، قبل محاولة تفكيكه لمفهوم التعبير الشفاهي الأمازيغي، وكذا لمصطلح الأدب الأمازيغي وحاجته للكثير من النقاش ولمدى عكسه للهوية الأمازيغية.
وصلة بالموضوع، تطرق المحاضر للمنجز المكتوب والشفاهي، و”أيهما أفضل من الآخر في عملية التوثيق”، فيما رأى أن “كل ثقافتنا هي شفاهية والكتابة تحفظه، وأن الإبداعات الشفاهية أعمق وأبلغ لكونها لصيقة بالطبيعة، سواء كانت شعرا أو نثرا أو حكاية وغيرها”، مبرزا مدى “أهمية توثيق وتدوين التعبيرات الشفاهية بالحفظ والصون”، لكون “رهينة بعمر وحياة صاحبها وموتها مرتبط بموته”، علما أن مجموعة من الباحثين أخذوا في دراسة وجمع هذه التعبيرات في مختلف المنجز الثقافي.
ومن خلال مداخلته، انتقل المحاضر لتناول تاريخ وجغرافية بلاد زيان، وما قيل حول “انتمائها لاتحاديات آيت أومالو”، و”الامتداد الجغرافي لها على ضوء تصنيفات واختلافات الكتابات الأجنبية والاستشراقية والتاريخية”، وما “اتفق عليه بخصوص حدودها من بوحسوسن، آيت حركات وآيت كرات، واستبعاد آيت اسكوكو”، بينما توقف المحاضر أيضا لتفكيك اسم زيان، وتسمية الفرد بأزايي والجمع بإزيان، والخصوصيات التي تميز المنطقة، ومنها ما يتعلق بالمجال الفني، بالإشارة لفنون تاماوايت وأفرادي وأحيدوس نموذجا.
وعلى نفس المنوال، اقترح المحاضر السبل الناجعة للحفاظ على التراث، بينما تحدث عن “أهمية تربية الناشئة على حمايته التراث عبر النظام التعليمي ووسائل الإعلام”، فيما أشار ل “إكراهات البحث في التراث والتحولات الثقافية التي باتت تعرفها بلاد زيان، وكيف تحول الدفاع عن التراث “موضة” داخل الصالونات والندوات، وأضحى مجرد حديث عن المتاحف عوض البحث في مصادره ومفاهيمه وهوياته، وفي إبداعاته وتعبيراته التي لا تقل عن الحكاية الشعبية وغيرها من الأشكال المادية منها وغير المادية”.   
 وعلى شكل توصيات، وضع المحاضر، د. محمد أمحدوك، جملة من التصورات والمقترحات من قبيل ضرورة حضور التراث في السينما والرواية على غرار مجتمعي سوس والريف، وتكثيف المسابقات الثقافية، وتحفيز المبدعين المحليين، وتدوين المنجز بهدف صناعة تراكم مفيد، علاوة على تشجيع البحث في المواضيع المرتبطة بالتراث، وجمع شتاته بغاية توثيقه، وإعادة الاعتبار لمجال الجبل، فيما دعا لتوظيف التراث في الكتابة الروائية، دون أن يفوته التذكير هنا برواية “تيلوفا” لكاتبها المولودي سعيدي. 
وبعد فتح باب المناقشة أمام الحضور، تميزت التدخلات بالكثير من التصورات والإضافات الغنية، التي لا تقل عن الدعوة ل “التعريق أكثر بالأدب الأمازيغي”، و”الاتفاق على أدنى المعايير الممكنة في تحديد المجال الجغرافي لبلاد زيان”، فيما تم التأكيد على “أن التراث بات في حاجة ماسة لمرافعات قوية بكل اللغات، مقابل الاحتياط من مغبة تحوله لميراث أو إرث فقط، مع رعاية جعله طاقة خلاقة في الثقافة المغربية”، بينما جرى طرح الجانب المتعلق ب “عنصر الترجمة كقناة لإشعاع هذا التراث وتعريف الآخر به”.
ومن التدخلات الأخرى تم تناول ما يرتبط ب “زحف العولمة”، وب “إشكال المصطلح وعلاقته بمجال ثقافة التراث”، فيما حضر مصطلح الفولكلور باعتباره “المصطلح الذي بقي بكلمته الغربية، وكيف ينظر إليه البعض بنظرة قدحية”، فضلا عن نقاشات أخرى تحدثت عن “اللبس القائم في مفهوم التراث”، وعما “تحتوي عليه الأمازيغية من أمثال شفاهية ينظر إليه البعض بنظرة ازدراء”، فضلا عن إشارات لما تعرضت له الثقافة من “تخريب على يد المستعمر الأجنبي”، و”لمسؤولية الدولة وبعض النخب الفكرية في تهميش وتبخيس التراث”.