غليان بكلميمة إثر الترخيص لمستثمرين بإنشاء مشاريع فلاحية مُهدِّدة للواحات والأمن المائي بالاستنزاف

0
  • أحمد بيضي

تعيش مدينة كلميمة، بإقليم الرشيدية، غليانا واحتقانا غير مسبوقين، بعد ترخيص السلطات لمستثمرين بإنشاء مشاريع فلاحية، عبر استغلال أزيد من 900 هكتار، وحفر آبار وأحواض، على مستوى أعالي عيون مزودة لواحة تضم 3 جماعات، بالمياه، ما اعتبره الجميع تهديدا حقيقيا للفرشة المائية واستنزافا للعيون التي تمد الواحة بالماء، وكذا لعيش الساكنة التي ستصبح مجبرة على الهجرة الجماعية، إذا لم يتم نقل ما يرى في العملية تدميرا مباشرا للاستقرار الاجتماعي الذي تعرفه المنطقة على مر السنين، علما أن العديد من الشباب فات لهم أن تقدموا بطلبات للاستفادة من بعض الأراضي فتمت مواجهتهم بالرفض.

وتبرز جمعيات مدنية من المنطقة أن مستثمرين حصلوا على ترخيص بإنشاء مشاريع فلاحية بالأراضي الجماعية التي سلمتها الجماعة السلالية لتاديغوست، ولكون الوعاء العقاري الجماعي الكائن في المنطقة المسماة تاريخيا “أمغى”، بين تاديغوست وغريس العلوي، “يدخل ضمن المنطقة الحمراء التي تم منع حفر الآبار والأثقاب المائية بها منذ سنوات، وفق ما تؤكده ترسانة الأعراف القبلية التي نالت الوقار من لدن الساكنة التي لم يسبق لها أن تجرأت على حفر بئر واحدة”، وبينما تعتبر المنطقة ملجأ للرعي والانتجاع، فهي تعتمد تاريخيا على عيون تيفوناسين في ري المزارع وصون المحيط البيئي للواحة بما يضمن الاستقرار والاقتصاد الاجتماعيين.

وجاء ذلك في مستهل عريضة استنكارية، مذيلة بتوقيعات عدد لافت من الجمعيات والتعاونيات، تطالب من والي جهة درعة تافيلالت ب “التدخل الفوري لإيقاف أي مساس بالأمن المائي للواحة بعد الترخيص بحفر الأثقاب المائية في منطقة تحظى بقدسية كبرى لدى عموم ساكنة واحد كلميمة”، مع تعبيرها القوي عن رفضها القطعي لكل مساس بعالية تيفوناسين من طرف أي مستثمر”، مقابل الدعوة إلى “الاحتكام لصوت الحكمة في إيجاد بديل للاستثمار في مجالات تحتاج إلى الماء مثل التمر المجهول والبطيخ الأحمر – الدلاح”، وتشدد الجمعيات على اعتبار الترخيص بالحفر بعالية عيون بوخازم وتامدا نمسعود يشكل استهدافا لكل مكونات المجتمع الواحي.

وفي ذات السياق، أكدت الجمعيات المذكورة على أنها “ستواصل الترافع بكل الاشكال القانونية من أجل التعريف بالمخاطر التي تهدد الواحة، والتنديد بأي مساس بعالية تيفوناسين الحمراء”، وتتوجه بالمقابل إلى “كل من يود الاستثمار بمنطقة امغى بعالية تيفوناسين بطلب الانتصار لصوت الضمير في بناء فكر استثماري وطني مواطن لا يسيء لحقوق الجماعات من أجل حقوق الأفراد”، مع التأكيد للرأي العام أن لا أحد ضد سياسة الاستثمار، شريطة “ألا تكون على أشلاء ذوي الحقوق من المجتمع الواحي الذي يعتبر الماء الجماعي صمام أمان الاستقرار والعيش الهادئ على مجال إيكولوجي قوامه النذرة والكفاف”، وفق بيان الجمعيات.

ولم يفت ذات الجمعيات التعبير عن استنكارها ل “تواطؤ من أي كان من ممثلي الفخذات داخل الجماعات السلالية”، فيما أكدت إفراز لجن محلية لمواكبة ملف الواحة، والترافع لدى الجهات المختصة، إلى حين يتحقق الانتصار للواحة وحقوقها المائية المشروعة، وقد تم تشكيل تنسيقية من فعاليات المجتمع المدني بمختلف التوجهات والأطياف لأجل الترافع ضد ما تم وصفه ب “الهجمة على الأمن المائي لواحة غريس، عبر استثمارات مشبوهة على أراضي الجموع في المنطقة الحمراء المتواجدة بين تاديغوست وتيفوناسين”، ورغم محاولات لتهدئة الوضع، تواصل التنسيقية حملاتها الإعلامية في مواجهة ما اسماه فاعلون محليون ب “الجريمة البيئية”.  

ولم تتراجع بيانات المجتمع المدني عن رفض “احتلال” الواحة ب “الريع الجديد”، رغم ما انتشر من خرجات بعض الجهات المسؤولة حول ما يفيد بتوقيف أشغال المستثمر إلى حين إدلائه بما يؤكد بأن حفر الآبار والأثقاب لن يؤثر على الفرشة المائية بالمنطقة، حيث تشدد مكونات المجتمع المدني، ونواب أراضي الجموع، على عدم القبول بأي تطمينات أو تبريرات، بالنظر لكون المشاريع المخطط لها تقع فوق عيون “تيفوناسين”، وتنزيلها سيؤدي حتما إلى تكرار مثل ما حدث في تنجداد وزاكورة مثلا، بعد تعرض المنطقتين لأزمة العطش، وما أدى إليه ذلك من احتجاجات شعبية وأوضاع من الاحتقان الاجتماعي غير المسبوق.

 وفي بلاغ لإحدى لجن الدفاع عن الواحة الضاربة جذورها في التاريخ، أوضحت أن “ساكنة غريس اختارت النضال المواطن، والاحتجاج بطرق حضارية، دون إخلال بدور المؤسسات ودون خرق للإجراءات الاحترازية”، وأن الساكنة “ستواصل مدها ليد الحوار الرسمي مع كل المؤسسات، بما سيضمن حقوق الواحة في أمنها المائي، وتؤكد ثقتها في القرار الذي اتخذه وزير الداخلية”، ومؤكدة أن “جميع التنظيمات الجمعوية والحقوقية والسلالية، وكل القوى الحية، أفرادا وجماعات، سيواصلون الترافع المهني واليقظة المواطنة، وسيبقى الجميع على أهبة الاستعداد لمراقبة الوضع ومواكبة المستجدات، حرصا على حماية الواحة من كل استهداف مفاجئ”.