قصيدة شعرية: مَـــرايـــَـــــا
- فتح الله بوعزة
أما أنا فأعرفُ القادمَ الغريبَ
أعرفُني من رذاذِ العامِ الماضي
على معْطفي
منِ اسْتداراتي السّريعةِ
ومن قلقٍ مبهمٍ بين أحمالي
أعرفني من ثرثرةِ الحمامِ
على مداخنِ المدنِ العتيقةِ
ومن غصةِ جاري
حين أرممُ آخر الأقفاصِ
وأمْرقُ منهُ إلى شتاءٍ بعيدٍ
أعرفُني كما يعرفُ نايٌ
أنفاسَ الخائفِ من الرّعاةِ
وكما يعرفُ جاري
حُبيباتِ الندى في نعالِ الحزانى
أعرفني، وأصْرفني عنّي
حين أقابلُني
لئلاّ يكْتظّ بنا الزحامُ
أعرفُ القادمَ الغريبَ
من بقايا نُباحٍ في كأْسهِ
و صرير بائت في عزلته الأخيرة
من ضجرٍ خفيفٍ
يَقْرُص سافل زهْرةٍ
ومن عثْرةِ طفلٍ
يعبرُ دكْنةَ الحربِ
من مكانٍ قَصِي في مديحِ الأجدادِ
إلى هرجِ الودْيانِ
دونما واقٍ من الظّنونِ
والْعمى
أعرفُه من ندمٍ طريٍ بيسرايَ
من نقشٍ غائرٍ في عزْلتي
ومن نسْوة مرحاتٍ
يهْرُشْن، بشهْقاتِهن، الغبارَ المُكدّسَ
بين أحْمالي
ويُسْرفْن في الدّورانِ
إلى أن يجْرحْن ساقَ الورْدةِ في يُمْنايَ
وتضيقَ العواصمُ بالمطرِ النّازفِ
من سُرّتي
كأنّي بهنّ يغْطِسنَ الأعالي
في رعافي الأبدِيّ
كأنّي بالقادمِ الغريب يصْلبنِي
كأنّي أمدّ إليهِ ذراعيّ
وأحْضنُني
فلا أمْسكُ بي
ولا يُدْنيني
من حبيباتِ الندى في حقيبتهِ
و أشْهقُ من عثْرتهِ بين خطايَ
وأسْندُني !
(°) شاعر من دواوينه: “طعم الغابة في الحلق”، “قاب كأسين من ريحه”، “أصابع آدم”، “حارس المدائح القديمة”