اللجنة الجهوية لحقوق الانسان تفتح، في لقاء بخنيفرة، واقع المناصفة والمساواة بالمغرب
- أحمد بيضي
موازاة مع النقاش المجتمعي الوطني الجاري حول المناصفة والمساواة، وفي إطار اللقاءات الجهوية التي أطلقها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في الفترة الممتدة بين 9 و27 مارس 2021، حول “مسار إعمال مبدأ المناصفة باعتباره من الأسس الدستورية لسياسات مناهضة التمييز بين الرجال والنساء”، نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عبر لجنته الجهوية – بني ملال خنيفرة، يوم الثلاثاء 16 مارس 2021، ندوة بمدينة خنيفرة في موضوع: “واقع المناصفة والمساواة في المغرب”.
أشغال الندوة التي احتضنتها الغرفة الفلاحية، بخنيفرة، في حضور فاعلات وفاعلين جمعويين ومهتمين بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، تمت بمشاركة فاعلات مدنيات في الحركة النسائية والاجتماعية، ذة. فتيحة حروش، ذة. فاطمة أگنوز، ذة. مالكة حبرشيد، إلى جانب الطالبتين فاطمة الزهراء الأنصاري، وفاطمة الزهراء عمراني التي قامت بالتسيير، ثم عضو اللجنة الجهوية، ذ. لطيفة معديني، التي تلت الأرضية المنجزة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالموازاة مع النقاش الجاري حول المناصفة وتعزيز ولوج النساء إلى مواقع القرار السياسي.
وبعد كلمة الافتتاح لرئيس اللجنة الجهوية، ذ. أحمد توفيق الزينبي، انطلقت ذة. فاطمة أكنوز من ماضي الجدل الدائر بالمغرب في مجال مكافحة التمييز والنهوض بالمناصفة والمساواة، ومن مسلسل التشريعات والاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، ومنها التي لم تعرف طريقها للنشر بالجريدة الرسمية، إلى التغيير الذي طال مدونة الأحوال الشخصية، ومنها إلى قانون مناهضة العنف ضد المرأة، والقانون 103-13، لتتساءل المتدخلة: “هل المرأة اليوم في وضع مريح حقوقيا، اقتصاديا واجتماعيا؟، ونحن ما نزال إلى اليوم نطالب بالمناصفة”.
ورأت ذة. أكنوز أن “وضعية المرأة ما تزال محتشمة، وتحت رحمة استمرار ظاهرة العنف”، متسائلة: “كيف يمكن تنزيل وتفعيل مضامين الدستور المتعلقة بالمرأة والمنصوص عليها بالمواثيق الدولية؟، وكيف يمكن تحويل هذه المضامين إلى وقائع سياسية وملموسة؟، ويمكن توفير مستلزمات التنمية المستدامة في ارتباطها بتحرير المرأة؟”، فيما نادت بالعمل على التفكير الجدي في تغيير حقيقي يستطيع الوقوف ضد كل التصورات النمطية والدونية تجاه النساء، إما دينية أو ثقافية واجتماعية.
أما ذة. فتيحة حروش فتناولت في مستهل ورقتها موضوع المناصفة والحضور النسائي في المشهد السياسي، وواقع المرأة المغربية التي ما تزال “تطالب بالمساواة ورفع كل أشكال التمييز والحيف ضدها”، قبل تطرق المتدخلة لما طبع الحياة المغربية من تشريعات بخصوص المرأة، ولما يشهده المغرب من دينامية وحركية نسائية في مواجهة الوضعية المختلة وغير المنصفة، دون أن يفوتها التأكيد على “أهمية تقوية قدرات الفاعلات السياسيات”، مع تسليط تصوراتها على بعض التحديات الرئيسية التي يعرفها المغرب في المجال.
ومن جهة أخرى، انتقلت ذة. حروش، ضمن مداخلتها حول “المناصفة بين المكتسب والفوز بالرهان”، إلى التحدث عما جاء به المشرع في شأن قانون الانتخابات بغاية “تعزيز موقع المرأة في خريطة العالم السياسي، سيما في الوقت الذي تنامى فيه الكثير من الجدل حيال الحضور المحتشم والمقزم للمرأة على مستوى المؤسسات المنتخبة”، وما يستدعيه ذلك من تشخيص الاكراهات وسبل الارتقاء بنسب التمثيل السياسي للمرأة، فضلا عن تحديد أهم التحديات التي “تعيق تقدم مشاركتها في الحياة السياسية وكسب رهان التنمية المستدامة”.
وبدورها، فضلت ذة. مالكة حبرشيد الانطلاق من “النظرة المتوارثة تجاه المرأة”، إلى درجة أن “العديد من الرجال المكونين للطبقة السياسية والثقافية الفاعلة في المجتمع، يتحفظون أو يرفضون، وربما يتجنبون، إرفاق زوجاتهم للندوات واللقاءات التي تدور حول مقاربة النوع، مكافحة التمييز والنهوض بالمناصفة والمساواة”، فيما تحدثت المتدخلة بمرارة حول ما وصفته ب “التراجع الذي نحياه في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن الحداثة والديمقراطية، كما لا وجود لبرامج قوية لدينا ونحن في قلب التحولات”.
وفي ذات السياق، تطرقت ذة. مالكة حبرشيد عما يطبع حياتنا من “مظاهر بشعة ووقائع خطيرة، لا تقل عن استغلال الفتيات، زواج القاصرات والاغتصاب”، و”عصر الحريم الذي لم ينته”، و”الدعارة المقننة”، مع مجموعة من التساؤلات الأخرى من قبيل: “إلى أي حد استطاع المشرع تحقيق المناصفة”؟، “ماهي الآليات التي ينبغي تنزيلها”؟، “هل المسار النضالي للمرأة هو سبب وصولها لقبة البرلمان”؟، فيما تحدثت عن مفهوم المساوة في ارتباطها بالواقع والموروث التاريخي والثقافي.
ولم يفت الطالبة فاطمة الزهراء الأنصاري المشاركة في أشغال الندوة بورقة حول “الشباب وتحديات 2030″، حيث استعرضت “مفهوم الشباب كثروة مجتمعية تعاني العديد من العوائق والاكراهات والتحديات”، فيما ربطت ذلك بالعنصر النسائي الشبابي، وما يتهدده من ظواهر مفزعة لا تقل عن عمل القاصرات، الهدر المدرسي، الزواج المبكر، الحمل المبكر، وغيرها من الأوضاع التي تنمو في التربة القائمة و”المنتعشة بالفوارق الطبقية والهشاشة الاجتماعية”، والتي تتطلب التشخيص والمعالجة السليمة.
وصلة بالموضوع، تناولت ذات المتدخلة ما يتعلق بعلاقة الشباب بالجهوية المتقدمة، مع ما يحتاجه الأمر من نقاشات لتحديد مفهوم وآليات هذه الجهوية والحكامة الترابية، وسبل إشراك الشباب في المناصفة، ومدى تطبيق الفصل 19 من الدستور الذي ينص على ضرورة تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، ودون تمييز، بالحقوق والحريات المدنية، الواردة في هذا الفصل، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، فيما دعت المتدخلة إلى “تكثيف الدورات التكوينية لفائدة الشباب من أجل تعميق فهم ما يجري حوله”.
وكانت الندوة مناسبة هامة للتفاعل بين المشاركين والحضور، حيث تميزت بعدد من التدخلات والنقاشات التي حملت الكثير من الآراء والتصورات والمقترحات، وتناولت في مجملها واقع المرأة والعقلية الذكورية، المخاض والمد والجزر الذي يعرفه المشهد السياسي بالمغرب، الفراغات التي تركها المشرع في شأن مطالب الحركة النسائية، إلى جانب تساؤلات من قبيل: كيف يُصنع القرار السياسي بالمغرب؟، لماذا كلما طالبت النساء بحقوقهن وحريتهن تتعقد التشريعات والقوانين؟، وكيف للمجتمع أن يتغير بمرسوم؟.
كما حملت تدخلات أخرى دعوات للمجلس الوطني لحقوق الانسان بالمساهمة في تجديد الفكر الديني وتحديث الفقه بقصد القطع مع تبريرات تهميش النساء، والعمل على تحديد مصطلح المناصفة؟، وسؤال معنى عدم تصويت المرأة على المرأة في الانتخابات؟، وحدود علاقة الفلسفة النسائية بالقيم الانسانية؟، وما العمل في حال عدم إيمان المشرع بالمساواة؟، بينما شددت إحدى المتدخلات على ضرورة الوقوف على وضعية المرأة باستمرار عوض الاقتصار على مناسبة الثامن من مارس فقط، مقابل دعوتها الجمعيات النسائية للتلاحم والتشبيك.
الندوة الناجحة على مستوى الحضور النوعي باحترام الإجراءات الاحترازية، تمت في حضور رئيس وبعض أعضاء اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، وكاميرا القناة الأمازيغية المغربية، وتميزت بعرض نماذج من لوحات الفنان التشكيلي المحجوب نجماوي، إلى جانب معرض لرسومات فنية على النسيج للفنانة نعطيط الباتول، وقراءات شعرية، ثم عرض مسرحية قصيرة، لتلاميذ مدرسة تسكارت، حول وضعية خادمات البيوت، في حضور مخرجها ذ. محمد حمراوي الذي شارك بها في عدة مسابقات إقليمية وجهوية.