يسلط “دليل مواقع الفن الصخري بجهة كلميم واد نون” الصادر، حديثا، عن منشورات المحافظة الجهوية للثقافة بالجهة، الضوء على نماذج مختارة من النقوش الصخرية والرسوم الصباغية التي تزخر بها أقاليم الجهة (كلميم، طانطان، سيدي إفني وأسا الزاك).
ويضم هذا الدليل، الذي أشرف عليه الأساتذة، محمد حمو، محافظ التراث الثقافي بجهة كلميم واد نون ، ونور الدين ازديدات، مفتش المباني التاريخية والمواقع بالجهة، و عبد الهادي فك، أستاذ باحث بكلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، خلاصة نتائج سنوات من الأبحاث الميدانية المنجزة من قبل فريق متخصص في هذا المجال.
ويعطي الدليل فكرة عن نتيجة الانفتاح على الباحثين بالجامعة المغربية في مجال البحث الأثري الخاص بمواقع الرسوم والنقوش الصخرية، حيث جاء في تقديم هذا الإصدار التأكيد على أهمية إيلاء التوثيق والدراسة العلمية الأهمية اللائقة بهما، وذلك في أفق تكثيف عمليات تسجيل وترتيب مواقع الفن الصخري بجهة كلميم واد نون ضمن لائحة التراث الوطني.
واحتفى الدليل، بالفعل، بالبحث العلمي لما له من أثر كبير في الكشف عن كثير من خبايا التراث الثقافي الوطني، معتبرا أن نشر ما تحقق من منجزات علمية على مستوى البحث الأثري، له الأثر الفعلي في المساهمة في التعريف بهذا الموروث الثقافي الانساني وإعادة الاعتبار إليه.
ويقول المشرفون على هذا الإصدار، إنه وبالرغم من كونه ” لا يزال تمهيديا”، فإن ما يحتويه من اكتشافات جديدة ومن خلاصات لأبحاث حول هذا الموضوع، دليل على ما تزخر به جهة كلميم واد نون من التراث الصخري، وهو ما يستدعي مزيدا من الاهتمام العلمي، ل”كشف النقاب عن كثير من جوانبه التي لا تزال غامضة أو مجهولة”.
وسيمكن الاهتمام العلمي بهذا الموروث الجهات المختصة من التوفر على المعطيات الكاملة والدقيقة حول رصيد الجهة من هذا النوع من التراث الأثري ومن التحكم في آليات الحفاظ عليه.
وفي هذا السياق ، حذر الأساتذة من تعرض عدد من مواقع التراث الأثري لأخطار متنوعة، داعين الى ضرورة التدخل من أجل تحسيس الساكنة والمنتخبين ومختلف الفاعلين بأهمية صيانة هذا التراث وتثمينه باعتباره يمكن أن يشكل دعامة من دعامات التنمية الاقتصادية المحلية والجهوية.
وذكروا بأن النماذج التي تم وضعها بالدليل “مختارة”، وذلك على اعتبار أن المسوحات الميدانية لا زالت لم تكتمل ولائحة المواقع المجرودة ليست نهائية.
وتنتمي النماذج المختارة الواردة في الدليل لمراحل زمنية مختلفة تمتد من العصر الحجري الحديث الى الفترة المعاصرة.
وتنفرد جهة كلميم وادنون، كما جاء في الدليل، بكونها أول جهة بالمغرب تم فيها اكتشاف نقوش صخرية، (وادي صياد بإقليم كلميم و تاسكالا بإقليم أسا الزاك).
وأسفرت التحريات الميدانية التي شملت أقاليم الجهة (منذ 1875 ) عن جرد 142 موقعا منها 12 موقعا للرسوم الصباغية، و130 موقعا للنقوش الصخرية ، إلا أن الدليل يذكر بن هذا العدد ليس نهائيا وأن التحريات المستقبلية ستكشف عن مواقع أخرى.
وإيقونوغرافيا، قسمت المواضيع المرسومة والمنقوشة على الصخور بالجهة الى ثلاث فئات رئيسية أنجزت بأساليب وتقنيات مختلفة تنتمي الى مراحل كرونو – ثقافية متنوعة هي : الأشكال الحيوانية (تضم الوحيش الإثيوبي من فيلة ووحيد قرن وزرافات ى…) والحيوانات البرية والحيوانات المدجنة، ثم الأشكال الآدمية، مع تعدد السياقات ( القنص والرعي والمعارك)، وكذا الأشكال الهندسية وعلامات وكتابات ليبيبة أمازيغية وكتابات عربية.
وحدد الباحثون خمس سلاسل موضوعاتية كبرى للفن الصخري بجهة كلميم واد نون ، وذلك على ضوء تركيب الأبحاث المتوفرة خلال العشرية الأخيرة الحالي.
ويتعلق الأمر بموضوعات “قناصي العصر الحجري الحديث ” و ” رعاة العصر الحجري الحديث” و ” عصر المعادن” و ” نقوش الفرسان والكتابة الليبية الأمازيغية” و ” المرحلة الإسلامية” .
وحسب التقسيم الجغرافي يأتي إقليم أسا في المقدمة من حيث عدد مواقع الفن الصخري ب 70 موقعا (ترتكز، بالخصوص، على ضفاف الوديان التي تشكل روافد رئيسية لوادي درعة) ثم إقليم كلميم ب 55 موقعا تم جردها منها موقع واحد رسوم صباغية.
ويشير الدليل الى أنه وبالرغم من قلة عدد المواقع بإقليم سيدي إفني (ستة مواقع) ، إلا أن العديد منها يتميز بأهمية قصوى على المستوى الأثري .
أما إقليم طانطان (10 مواقع )، فلازالت الخريطة الأثرية غير مكتملة ولم تطل التحريات الميدانية العديد من المناطق .
وتبذل المحافظة الجهوية للتراث الثقافي ومفتشية المباني التاريخية في مجال حماية التراث الأثري بالجهة، جهودا كبيرة تتمثل، بالخصوص، في تشجيع ودعم عمليات البحث والتحري الميداني لجرد المواقع، وذلك في أفق إنشاء الخريطة الأثرية الجهوية ، وتنظيم حملات التوعية والتحسيس، وإعداد وتقديم ملفات ترتيب العديد من مواقع الفن الصخري الجهوية في عداد الآثار من أجل حمايتها .