الجديدة: الفنان التشكيلي عبد الله بلعباس.. التمرد في الدم واليد

0

عبد الله بلعباس المزداد بالجديدة (مازكان) أحد الوجوه الفنية التشكيلية التي بصمت الساحة الثقافية المغربية بأعمالها بتكريس تجربته الممتدة تاريخيا عبر عقود وإبراز أسلوبه الفني.
يستغل عبد الله بلعباس انطلاقا من نزعته الفلسفية التي تتغلغل داخله ويتنفسها ويتفرد في تجربته بإخراجها عبر انفلاتات وتشكيلات وبورتريهات على ورق وملصقات الجرائد لشخصيات عالمية ووطنية أدبية وسياسية وفنية متميزة، واشتغاله على الصورة يلتقطها بكاميراه، مناظر طبيعية للبحر والنوارس من مدينته (مازكان) حد النخاع.
ابن القلعة، أحد أحياء المدينة القديمة، شب متدرجا في عتبات وردهات العراصي والدروب السفلية للمدينة متسكعا باحثا عن صدفات البحر وإضافات جديدة لمنحاه البحري والتشكيلي. تابع دراسته في الرباط ليحصل على الإجازة في الفلسفة وبعدها أستاذا لمادة الفلسفة في نفس المدينة، ولأن الإبداع يسكنه كما السياسة فقد قرر أخيرا أن يترك كل شيء ويحصل على المغادرة الطوعية لملامسة خيوط تجربته، تماسا مع الفن الجميل والإنصات والاشتغال اليومي وإنجاز أعماله الفنية داخل مرسمه وورشته في البادية ومنزله الهادئ.
أعماله تحفر في الذاكرة ومن رؤاه البصرية المتكاملة، مثيرا أسئلة دقيقة حول جدوى العمل الفني . منجزه يجمع ما بين المتعة والبحث انطلاقا من سؤال الفن للفن واشتغاله على المنجز والمختلف بصيغ متعددة. له كثير من المعارض الفردية والمشتركة في العديد من المدن المغربية في الرباط والبيضاء والجديدة ..
اتسمتْ بإبراز البحث الجمالي وفق أسئلة محددة لكي تناسب طرق تفكيره، واشتغاله الدؤوب كنخلة تتبع مسارا خاصا لقيم جمالية بيد تخدش أكثر.
ولأنه يرتدي جبة الصوفي المنعزل، العاشق للألوان، لوحاته ذات نسق فلسفي مثل أخبار النبوءة لا أحد يدري كيف يشقها بضربات ريشته.
أتساءل هل يستعمل الفنان عبد الله ريشته أم يديه ؟
وهو يعمل في صمت وفي سرية تامة وبدون بهرجة، دؤوب كنملة..
لوحاته تبقينا في حالة تلصص ونحتاج الى طهارة ووضوء لكي نلج مساربها وأتساءل كما طفل صغير هل تأتيه اللوحة كما القصيدة بعد حياء أم ترغمه على ترتيبها والذهاب اليها بعد معاناة ومكابدة ومجاهدة الكبار أو بعد تماسات الجسد مع الكأس والعين والرؤية..
عناصر لوحاته المشتتة في المرسم تتعدد بتعدد الماء وألوان التراب ونتوءات أوراق وأوجه جدران وتراب ..
أعماله تستنفر الحواس فنقوم بتتبعها الأشياء والوجوه والمنعرجات الجارفة تشكل الألوان والملامح التي تخفي أكثر ما تظهر، كثيرا ما نتعثر في الخطو ونحن نلمح المتتاليات مشكلة فضاءها وانعراجاتها في لحظات مختلفة
في جلسة رافقته فيها في ورشته الإبداعية، لم أستغرب وأنا أشاهده يطرحُ اللوحة أرضا يعتليها بحنو يخاطبها يهمس وتهمس له بلغة يفهمها، يحاذرها بغنج يرتبها كما حديقة يابانية، يرتبك حينما يدنو، يبتعد، يقف، يجلس، يدور.. يفكر..
يجلس ويقرفص بعيدا وقريبا بكثير من النظر والتحرك من زوايا متعددة ويشتغل بأنامله الصغيرة، وهاهي مكتملة أو في لحظات الاكتمال تصفو نفسه وتزهو وهو يعيد ترميم المسالك والمساحات والانغلاقات المحفورة بصبر الكبار.
يختار مواضيعه بعناية وبتأن من الجدار الأبيض والأصفر أو المبقع بالأحمر والأزرق ودمع الحبر المنهمر كشلال..
كاميرا متنقلة عيناه على جدران وحيطان مدينة تسكنه من خلال تنقله الشبه اليومي خصوصا في ساعات مبكرة من الصباح تصدمه الجدران المتهاوية المتهالكة والكتابات المتكررة عليها بنغمة الفقد وكأني به يتمرد عليها وتتمرد عليه كنورس بحر المدينة وبرج الحي البرتغالي الذي يتوغل داخله يتنسم سراديبه ويحكي تفاصيل ايام تمضي وأزمنة تنحدر، شلالاته في عبق الجغرافيا قادرا على معاندة التاريخ واستلهامه في لوحاته تأتي خربشاته كما الرؤيا بيده يخدش لحظات الازدحام والخيال أمكنة تختصر الكون في رسم كتاب فنان يمتلك موهبة الرسم .
رسام محظوظ بالانتساب الى أرض وتربة غنية وكأنه عاد للتو من تضاريس جغرافيا الانتماء، يصنع بيديه ممكنا ومستحيلا عالما كبيرا في أعيننا …
* *
مساء أمس الجمعة احتضن رواق الشعيبية طلال بالقلعة البرتغالية بالجديدة افتتاح معرض «حبرمائيات» للفنان عبد الله بلعباس، وهو المعرض الذي سيستمر إلى يوم 15 من الشهر الجاري.

إنجاز : عزالدين الماعزي