يستمر وضع مقبرة الغفران، التي يتواصل دفن أموات المسلمين في ترابها، في طرح العديد من علامات الاستفهام، وفي إثارة الكثير من الكلام الممزوج بالألم، بالنظر لوضعيتها المؤسفة، سواء تعلّق الأمر بالمساحات التي انتهى بها الدفن قبل مدة طويلة، ويحجّ إليها المواطنون لزيارة أقاربهم والترحم عليهم، والتي تعاني الإهمال وتحتضن عددا من الممارسات الشائنة، والسلوكات التي تنطوي على مخاطر تتهدد أمن الزوار في عدد من الحالات، أو تعلّق بـ «الامتداد الترابي» الأخير، الذي فسح المجال لاستقبال جثامين أخرى، قصد مواراتها الثرى. أ
«امتداد» سُرّ به الكثير من المواطنين بالنظر إلى أن دفن من يرحلون عن هذه الدنيا بات معضلة ومصدر قلق بالنسبة للكثيرين، في ظل الانكماش العمراني للدارالبيضاء مقابل اتساع رقعة إحداث التجمعات السكنية وتشييد الإقامات بوتيرة زحف تصاعدية، خاصة وأن الأمر يتعلق بـ «التخلي» عن شخص يشكّل قطعة من الوجدان في لحظة ألم عارمة، يكون فيها أقارب الراحل في غنى عن مضاعفة جراحهم، بعدم إيجاد قبر يحتضن فقيدهم، فيكرمونه، بفضل سخاء المتبرعين، بدفنه في ظل ظروف تحترم «قدسية» اللحظة ومشاعر اللوعة.
هذا «التوسّع» الذي يكون بفضل كرم مواطنين يتنازلون عن قطع أرضية هنا وهناك لكي تصبح مقابر للمسلمين، في ظل التخبط الذي يعتري في كثير من الحالات خطوات المنتخبين والمسؤولين من مختلف المستويات لتوفير مقابر جديدة، لا يواكبه وبكل أسف، حتى إعداد تلك المساحات وتهيئتها لكي تكون لحظة التشييع والدفن والوداع، لحظة للسكينة والهدوء وللتأمل واستخلاص العبر، وتعتبر مقبرة الغفران أحد هذه النماذج التي، ورغم كل ما كتب ونُشر وقيل عنها، فهي تصر، من خلال القائمين عليها، على أن تمتهن كرامة الأحياء والأموات على حد سواء؟
وضعية يمكن للجميع الوقوف عليها منذ ولوج الأرض المؤدية إلى باب المقبرة رقم 3، والذي لا يحمل من الباب إلا الإسم، فإذا كانت الطريق المتجهة صوبه، تعرف الكثير من المشاكل، على مستوى بنيتها، مرورا بمن فرضوا أنفسهم حراسا للسيارات وللدراجات، الذين يوجد عدد منهم في وضعيات مثيرة للتساؤل، في «غياب» منتمين لجهات موكول إليها الحفاظ على الأمن والنظام العام، فإن الشخص وبمجرد عبوره، سيجد نفسه في حيرة من أمره ويطرح أكثر من سؤال، إن كان الأمر يتعلق بمقبرة لدفن الأموات أم بمطرح للنفايات، بسبب الكمّ الكبير من المخلّفات الهامدة، والأزبال المرمية المتراكمة هنا وهناك، وسط وعلى جنبات القبور، شأنها في ذلك شأن الأشجار الجافة المقتلعة، دون الحديث عن متسولين من مختلف الأعمار، شيبا وشبابا، نساء ورجالا، وحتى الأطفال، من الذين يعانون إعاقات وغيرهم، في مشهد مثير للحزن الممزوج بالغضب، ليتضاعف الألم أضعافا مضاعفة!
مشاهد شائنة، أصوات صاخبة، وصراخ بعنوان التسول والمشاحنات، يزيد من قتامتها سوء تنظيم مسارات الدفن، وحالات العبث المستشرية في كل مكان، بشكل يجعل الحديث عنها يصبح القاسم/الموضوع المشترك بين مشيعي الجنائز، الذين يجمعون على فداحة وهول ما يقع في هذا المكان، معبّرين عن رفضهم لكل أشكال الإساءة لمن رحلوا عن هذه الدنيا ولمودعيهم، الذين يغادرون المقبرة لاحقا ومشاعر الغضب ترافقهم بسبب المتناقضات التي تستشري في مكان يجب أن يكون لائقا باحتضان كل من يلجونه، نظافة وسكينة وتنظيما، وأن يحرص من يدبرونه على ذلك؟