خنيفرة تحتضن ندوة “تجليات وأبعاد المقاومة بالأطلس المتوسط” في ضيافة “مؤسسة روح أجدير”

0
  • أحمد بيضي

في إطار برنامج أنشطتها المنظمة تحت شعار: “الثقافة المحلية رافعة للتنمية الترابية”، والممتدة من 12 إلى 31 غشت 2023، نظمت “مؤسسة روح أجدير الأطلس”، عشية يوم الأحد 20 غشت 2023، بقاعة المحاضرات لجماعة خنيفرة، ندوة علمية تاريخية في موضوع: “تجليات المقاومة بالأطلس المتوسط وأبعادها التاريخية والوطنية”، بمشاركة فاعلين مدنيين وباحثين متخصصين، د. محمد بوكبوط (من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس)، ذة. حنان اقشيبل (طالبة باحثة بسلك الدكتوراه – جامعة سيدي محمد بن عبد الله)، ذ. نور الدين سكوكو (باحث في التاريخ المحلي)، وذة. فاطمة اكنوز (ناشطة مدنية وفاعلة تربوية وجمعوية).

وفي حضور نوعي متميز من مختلف الشرائح الاجتماعية وفعاليات المجتمع المدني، انطلقت الندوة بجلسة افتتاحية تميزت بتسييرها من طرف الفاعلة الجمعوية ذة. فطومة المنصوري، وسجلت مداخلات لكل من النائب الإقليمي لمندوبية قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ذ. عسو آيت علي محمد، نائب رئيس المجلس البلدي لخنيفرة، ذ. محمد العروصي، ذكرت في مجملها بما خاضه العرش والشعب من مقاومة في وجه الاستعمار الفرنسي، ومن نضال في سبيل الاستقلال، مع إبرازها لتضحيات وبطولات شهداء ومقاومي الأطلس المتوسط خلال عهد الحماية، إلى جانب ما يزخر به التاريخ المحلي من إرث رمزي وقيم الوفاء وحب الوطن وتمسك بالذاكرة التاريخية.

كما لم يفت رئيس “مؤسسة روح أجدير الأطلس”، د. محمد ياسين، في ذات الجلسة، وضع الحضور في رمزية وأبعاد ذكرى 20 غشت، ودلالاتها المتمثلة في تكريم الشرعية التاريخية والوطنية، وفي ما تحمله من نفحات تعيشها بلادنا اليوم من خلال المنحى الديمقراطي الحداثي وما يعرفه المجتمع من آليات وطنية ملموسة، ومن محور وطني تجمعه الوحدة والتنوع، دون أن يفوته توجيه تشكراته، باسم مؤسسته، لكل مكونات المجتمع المدني، من مثقفين وجمعويين وإعلاميين، ولكل الجهات المسؤولة، من سلطات ومنتخبين وشركاء، على دعمهم للمؤسسة، منذ تأسيسها باسم جمعية أجدير إيزوران إلى مأسستها وتحولها لمؤسسة.

أشغال الندوة العلمية، التي قام بتسييرها الباحث والموثق والفاعل المدني، ذ. حوسى جبور، استهلها د. محمد بوكبوط، بورقة حول “ثورة الملك والشعب: صمود السلطان محمد الخامس ووفاء المقاومة وجيش التحرير”، والتي انطلق فيها من فترة معاهدة الحماية، وظروف نقل العاصمة من فاس إلى الرباط، وقيام الشباب المغربي بالاحتفال بأول عيد للعرش كرسالة واضحة للمستعمر، فيما انتقل بمداخلته للتحولات التي عرفها المغرب وموقع المغرب منها، مقابل المخاض السياسي وزيارة محمد الخامس لطنجة وما تلاها من ردود فعل فرنسية، قبل تطرقه لبعض الأحداث التي عرفتها البلاد خلال فترة الاستعمار وأجواء المقاومة التي أربكت حسابات النظام الاستعماري.

وضمن ورقته المتميزة، ذكر د. محمد بوكبوط بالسياق العام الذي مهد لاندلاع ثورة الملك والشعب، ومن ذلك الإجبار على الظهير البربري سنة 1930، والتحكم في الإدارة المغربية، والتنسيق مع الحركة الوطنية في صياغة وثيقة المطالبة بالاستقلال، والزيارة التي قام بها الملك محمد الخامس لطنجة عام 1947 عقب معارضة فرنسا لعضوية المغرب بهيئة الأمم المتحدة، إلى غيرها من الوقائع والأحداث التي قادت لاتساع رقعة المقاومة، انطلاقا من العمليات الفدائية التي عمت مختلف مناطق البلاد، قبل تأسيس جيش التحرير في أكتوبر 1955، ودخول فرنسا في مباحثات إيكس ليبان في غشت 1955، إلى حين عودة محمد الخامس من المنفى وإعلان الاستقلال.

ومن جهتها، انطلقت ذة. حنان اقشيبل، في مداخلتها حول “دور ثنائية الشرع والعرف في تعزيز التلاحم الوطني”، من التذكير بتاريخ القضاء الشرعي ببلاد زيان خلال العصر الوسيط، من خلال الإشارة إلى تعيين الموحدين لقاض بمنطقة جبل عوام، وتعيين السعديين لقاض بأدخسال، وخلال العهد العلوي، في القرن 19، قام المولى سليمان وبعده الحسن الأول بتعيين قضاة ببلاد زيان، فيما لم يفت ذة. حنان اقشيبل التطرق للدور الذي لعبته الزوايا والأولياء في نشر الدين الاسلامي بالبلاد المذكورة وخارجها، مستندة في ذلك إلى مجموعة من الوثائق المخطوطة التي تم عرضها وهي تبرز العلاقة بين المخزن والقبائل.

وفي ذات السياق، تطرقت المتدخلة بالتالي لمحاولات السلطات الاستعمارية الفرنسية، منذ 1914، تفكيك أواصر التلاحم بمنطقة زيان، ومن ذلك أساسا إصدارها لبعض الظهائر من باب كسر الوحدة الوطنية، ووضعها لقوانين عرفية، وتهميشها للقضاء الشرعي، مع إنشائها لمحاكم عرفية واحتوائها لنفوذ الزوايا، فضلا عن دعمها للنشاط التبشيري وتمييزها للأمازيغ عن العرب، مقابل إحداثها لما سمي بالمدارس البربرية، وقيامها بتجنيس الساكنة وحذف التعليم العتيق الديني، قبل إصدارها للظهير البربري خلال منتصف ماي 1930 بهدف تمزيق الوحدة المغربية، وهو ما أثار غضب المغاربة وحملهم للوحدة، عربا وأمازيغ، في مواجهة المستعمر.

 أما ذ. نور الدين سكوكو فتناول جوانب مهمة من تاريخ “منطقة خنيفرة عشية الاستقلال 1953 – 1955 من خلال الرواية الشفوية المحلية”، والتي استهلها بالحديث عن أهمية التوثيق المحلي في كتابة وتدوين التاريخ، وخاصة منه الرواية الشفوية، مشيرا إلى ما دونته هذه الرواية من أحداث محلية وأعمال فدائية من التي عرفتها مرحلة الكفاح الوطني، وإلى اتساع الوعي السياسي عقب الإعلان عن توقيع وثيقة الاستقلال، مع استعراضه لتاريخ العمل السياسي إبان ظهور أحزاب جديدة مثل حزب الاستقلال، مذكرا بأسماء شخصيات محلية شكلت بوادر النضال السياسي بتأطير من زعماء لا يقلون عن الفقيه الغازي والمهدي بن بركة الذي كان يزور إقليم خنيفرة.

ومن خلال مداخلته، تطرق ذ. سكوكو لميلاد العمل الحزبي السياسي عام 1947، ولمحطات مقاطعة الانتخابات المحلية في 1951، وتنظيم مسيرة شعبية للرباط ومقاطعة الأسواق والتجمعات ثم اعتصام ثلاثة أشهر، كرد على السياسة القمعية الاستعمارية، قبل انطلاق عملية التنسيق عام 1952 بين مناطق الأطلس المتوسط (خاصة القصيبة وزاوية أحنصال وبني ملال..)، ووقوع المواجهة بين الساكنة والسلطات الاستعمارية بتجمعي تيعلالين والكورص، لتنطلق بذلك العمليات الفدائية في أرجاء مدينة خنيفرة، والتي ارتفعت وثيرتها عقب نفي السلطان محمد الخامس، إلى نحو عقد الاجتماعات السرية، ومنها اجتماع بإملشيل الذي نتج عنه تنظيم مسلح.

وارتباطا بورقة مداخلته، لم يفت ذ. سكوكو الإشارة لتأسيس مراكز لجيش التحرير بالأطلس المتوسط (مركز جن إماس)، مستعرضا تنظيم ومهام هذا الجيش، قبل تركيزه أكثر على الحركات الفدائية بخنيفرة، وما شهدته هذه المدينة من ثورة عارمة، ما بين 19 و20 غشت 1955، عقب نفي السلطان محمد الخامس، والتي خلفت سقوط العديد من الشهداء بين آهالي هذه المدينة، ومن القتلى في صفوف القوات الاستعمارية، بينهم ثلاثة إعلاميين فرنسيين، فيما توقف المتدخل بسؤال موجه لمندوبية قدماء المقاومين حول مصير الأشخاص الذين ناضلوا واعتقلوا وعذبوا أو استشهدوا قبل 15 غشت 1953 ولم يشملهم قانون وشروط الحصول على صفة مقاوم.

وبعده، تقدمت ذة. فاطمة أكنوز بمداخلتها حول “شعر المقاومة بالأطلس المتوسط : تاوكرات نموذجا”، والتي انتقلت فيها بالحضور لنوع آخر من المقاومة، عبر تحديدها للأشكال الشعرية في الأدب الأمازيغي وعلاقتها بالأدب المقاوم، مع تصنيفها لشعر المقاومة، بناء على مراحل المد الاستعماري، ومنه شعر أفرادي وإيزلي وتماوايت وتيفارت، وتقسيمها لأساليب وخصائص المقاومة الشعرية الأمازيغية إبان عهد الحماية إلى مرحلتين أساسيتين، حيث تناولت المرحلة الممتدة من 1912 إلى 1930 والتي تميز فيها الشعر الأمازيغي المقاوم بزرع الحماس في صفوف المقاومين، قبل تمكن السلطات الاستعمارية من خنق أنفاس بعض المقاومات.

وعبر ورقتها المتميزة، سافرت ذة. أكنوز بالحضور في أشعار المرحلة الثانية، والممتدة من 1930 و1956، والتي تميزت بتناولها لموضوع نفي السلطان محمد الخامس وأثاره على المغاربة، وإلى حين عودة هذا السلطان من المنفى، ذلك لتركز ذة. أكنوز على شخصية الشاعرة توكرات ولت عيسى التي بدأت صوتها القوي بمهاجمة كل المتخاذلين والمتعاونين مع المستعمر، مبرزة دور هذه الشاعرة العمياء في مناهضة التواجد والتغلغل الاستعماري، وفي تحميس المواطنات والمواطنين لأجل تكثيف المقاومة، مستحضرة نماذج من الأشعار التي جرَّت الويلات على هذه الشاعرة من طرف المستعمر الذي ظل يصفها بالعدوة.

وقبل اختتام أشغال الندوة، أعلنت “مؤسسة روح أجدير الأطلس” عن تكريم الطالبة الباحثة ميمونة بجات التي تحدت الإعاقة وتفوقت في تحصيلها العلمي بالتعليم العالي بحصولها على شهادة الماستر في شعبة فلسفة التربية، ثم الفنانة التشكيلية في صناعة الزربية الآنسة فاتحة عمراني التي توجت بلقب “صنعة بلادي ..الجيل الجديد”، في دورته التاسعة، حيث تقدمت المؤسسة بكلمات في حق المكرمتين، وتسليمهما درع المؤسسة وشهادة تقدير ومبلغ تحفيزي، ذلك في أفق تنظيم حفل تكريم على شرف الفنان قدور بوياوي تقديرا لمسيرته الفنية ومساهمته الوازنة إلى جانب رواد الفن الغنائي الأمازيغي الأطلسي.

وأسدل الستار على أشغال الندوة بتلاوة بعض التوصيات المنبثقة عن هذه الندوة، ومنها الدعوة لأرشفة التراث الشعري الأمازيغي، وإحداث متحف التراث الأمازيغي بكل مكوناته، مع نداء لتعميم تسمية الشوارع والمؤسسات برموز الحركة الوطنية ورجال ونساء المقاومة، وإعادة كتابة جوانب من التاريخ المحلي من خلال قراءات جديدة للوثائق، إضافة إلى الدعوة لربط البعد التاريخي وتضحيات الساكنة بمشاريع تنموية من باب إنصاف الذاكرة الجماعية، فضلا عن تشديد التوصيات على ضرورة إنصاف المقاومين الذين ناضلوا قبل 15 غشت 1953 ولم يستفيدوا من صفة مقاوم بمقتضى ظهير 1967.