بحث في موضوع “تاريخ وتراث قلعة فازاز” يمنح طالبة شهادة الماستر بجامعة السلطان مولاي سليمان

0
  • أعدها للنشر: أحمد بيضي

شهدت رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية لجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، في العاشر من يوليوز 2023، مناقشة البحث الذي تقدمت به الطالبة كريمة افتوح لنيل شهادة الماستر، في موضوع “قلعة فازاز التاريخ والتراث”، وتعد القلعة، الواقعة ضواحي خنيفرة، من المواقع والمعالم الأثرية التي تؤرخ لحقبة تاريخية مهمة من تاريخ المغرب، حيث ظلت عرضة للإهمال والتخريب، ولأهواء لصوص الكنوز والآثار إلى حين اكتشافها من طرف الباحثين ودخول وزارة الثقافة، سنة 2019، للتعامل مع ملفها بتدابير حمائية لصيانتها وتسجيلها ضمن لائحة التراث الوطني، وبعد المناقشة، قررت اللجنة العلمية منح الطالبة شهادة الماستر في التاريخ والتراث الجهوي.

وأمام اللجنة العلمية، استهلت الطالبة الباحثة، كريمة افتوح، رسالتها بما يزخر به المغرب من تــراث ثقافي غنـي ومتنوع، وما يحتوي عليه الجانب المادي من أشكال متعددة تنم عن تاريخ عميق، وتنوع جغرافي ساهم بشكـل كبيـر فـي تأقـلم المجموعات البشرية منذ ظهور الإسلام، مرورا بالقرن الثامن الميـلادي، حيث تعاقبت على المغرب دولا كبيـرة خلفت آثارا مادية تتباهـى بها الأمة المغربية اليوم، حيث لم يفت الطالبة الباحثة الإعراب عن مدى افتخارها بفرصة النبش في تاريخ وتراث الجهة (جهة بني ملال خنيفرة) على ضوء ما منحه إليها أساتذتها من آليات العمل ووسائل البحث ومناهجه.

وارتباطا ببحثها، أبرزت الطالبة الباحثة دواعي اختيارها موقعا أثريا بإقليم خنيفرة، حظي بمؤهلات طبيعية وجغرافية ساهمت في تواجده فوق ربوة جبلية ذات سطح منبسط، محصنة طبيعيا بجرف حاد التضاريس من الجهتين الجنوبية والغربية، فيما حُصنت باقي الجهات بأسوار سميكة تتخللها أبراج دائرية ونصف دائرية تعكس بجلاء براعة المهندس الذي خطط لبنائها في هذا المكان الذي كان بمثابة موقع سياسي بامتياز، وحاضرة الأطلس المتوسط في زمنها، ومملكة قبائل زناتة، عاصمتها السياسية قلعة فازاز التي اتخذت أسماء أخرى مثل قلعة المهدي، مدينة المهدية، الكارة، تيحبيت، مدينة السلطان الأكحل، منفى ال عباد.

وترى الطالبة الباحثة المذكورة أن أسماء متعددة وروايات مختلفة لموقع واحد، وتاريخ عريق وأسرار دفينة، قد تغيـرت كرنولوجيا مع الأحداث والسياقات التـي مرت منها، (تم إدراج كل اسم في كل مرحلة حتى لا يقع لبس للقارئ عند قراءة النصوص)، وهناك تاريخ ثم طمسه ومحوه من ذاكرتنا، هو تاريخ مدينة عرفت أوجها مند عصور ما بعد الفتوحات الإسلامية، وأقام عليها المرابطون تسعة أعوام ولم يدخلوها الا صلحا، راودها الموحدون ولم يشهد لهم التاريخ بانحنائها، بل هي مدينة صامدة لم يذكر التاريخ سبب تدميرها، هل طالها ناموس الحريق؟، أم لحقتـها متلازمة الهدم أفضل من أن يأخذها العدو؟.

ووصفت الطالبة حالة مدينة الموقع اليوم، والتي أضحت مجرد أرض للرعـي والحرث من طرف سكان دوار آيت حمو عيسى، وممرا للقطعان، الشـيء الذي يؤدي إلى اقتلاع ما تبقى من البقايا الأثرية كالأسوار، ولقى أثرية مجمعة على شكل أكوام لفسح المجال أمام النشاط الزراعي، وغير ذلك مما يمس بالطبقات الأركيولوجية، بل أن بعض المزارعين عمدوا لبيع بعض اللقى الموجودة، أو استغلال الحجارة في البناء، فضلا عن توافد بعض الأشخاص للنـهب ومحاولة سرقة بعض محتوياتها، وكل ذلك مرده عقلية مجتمعية تأمل في استخراج الثـروات والكنوز بالمنطقة، ما ساهم بلا شك في ردم وطمس معالم هذه المدينة.

وكان الموقع قد اكتشف (صيف 1979) من قبل بعثة علمية، ضمت الأساتذة مالك المالكي، أحمد عمالك ومحمد بوسلام، في إطار إنجاز ذ. مالك المالكي لبحث جامعي، حيث قامت البعثة بإشعار وزارة الثقافة، وهو ما جعل مسؤوليها يزورون الموقع ويتسلمون مجموعة من اللقى الأثرية، ويحررون محضر التسليم، لكن العمل بقي مجرد حدث عابر، كما أن اللجنة التي تقول أنها اكتشفت المدينة، اكتفت ببحث تقليدي، مشيا على الأقدام، لتمييـز المنطقة ورسم حدودها، واللقى التـي جمعت كان أغلبها بحوزة السيد علا (حارس القلعة)، والتي اكتشفت عن طريق الحرث، وليس بالتنقيبات والوسائل الخاصة لجمع الدليل الآثاري جمعا دقيقا ومنهجيا.

وبعد شرحها خارطة الدراسة بين التاريخ والتـراث، باعتبارهما متكاملين لا محيد لواحد عن الآخر، من حيث التراث كمصدر للمؤرخين والكتابة التاريخية، وما يشكله التاريخ كإحدى المصادر التراثية التـي يمكن أن يلجأ إليها الباحث في كتاباته، زادت الطالبة الباحثة فأوضحت الهدف من بحثها الذي انطلقت فيه من خطة علمية مزدوجة تعتمد على معالجة المصادر التاريخية المكتوبة ومواجهتها بالرواية الشفوية، وممارسة الأبحاث الميدانية، حيث اختارت في دراستها معالجة الإشكالية انطلاقا من مُساءلة قلعة فازاز من منظور التاريخ والتـراث، ومن حيث النشأة والتعميـر والتخريب، وكذا من خلال ربط الجانب النظري بالجانب التطبيقي الميداني، ومقارعته بالذاكرة الجماعية.

ومن هذه الإشكالية انبثقت عدة أسئلة حددت محاور البحث، والمرتبطة بأسئلة المقاربة الجغرافية والطبيعية والاقتصادية التي ساهمت في بناء هذه القلعة، وهي الدلالة الطوبونيميا لأسماء الموقع، أبعاد تراث قلعة فازاز وخصائصه، السياق التاريخـي لازدهار وتراجع القلعة، ولمعالجة ذلك اعتمدت الطالبة الباحثة على منهج استقرائي، تاريخي ووصفي جغرافي، وبما يتماشى مع طبيعة الموضوع في استنباط واستقراء المادة التاريخية من مصادر متنوعة في ارتباطها بالذاكرة الجماعية والبحث الميداني، ووصف وتحليل هندسة الموقع، وتفسير سياقه التاريخي مع التركيز في الإطار الزمنـي، على فتـرة ما قبل الفتوحات الإسلامية وإلى الفترة الحالية.

وفي ذات السياق، أبرزت الطالبة الباحثة دوافع اختيارها للموضوع، من حيث تأكيدها على أن أول ما جدبها إلى الموضوع هو الزيارة الاستكشافية الأولى، وما لاحظته في الميدان كأثار فضولي سرعان ما تحول إلى هاجس فكري وقلق علمي، فضلا عن انتمائها للجهة وتواجدها المتواصل بهذه المنطقة، وتوافدها على خنيفرة باستمرار، حيث تواجد العائلة، وترعرع زوجها بها، مع اعتبارها الأطلس عامة، بلاد زيان نموذجا، مجالا خصبا بالأحداث التاريخية التي لا زالت في حاجة إلى المزيد من البحث والدراسة والتحليل من حيث المواقع الأثرية، لكن غالبا ما يتجه الطلبة للأحداث التاريخية المتعلقة بالاحتلال الفرنسي والمقاومة.

أما الصعوبات التي واجهتها الطالبة الباحثة، حسب قولها، فكانت في مرحلة جمع المادة المصدرية، إن على مستوى قلة المصادر التي تتحدث عن الموقع، باستثناء بعض الإشارات التي تأتي في إطار ذكر سلطان أو حاكم ما، أو على مستوى انعدام أرشيفات بالمحاكم والجماعات المحلية، ثم غياب الوثائق والمخطوطات، رغم أنها أساس البحوث الأكاديمية، وكلها صعوبات أثرت منهجيا على فصول البحث ومطالبه، أما في ما يخص البحث الميداني واستنطاق الذاكرة الجماعية فقالت الطالبة إن ذلك كان أيسر بالنسبة لها، خصوصا أن إتقانها للغة الأمازيغية جعل التواصل بينها وبين الساكنة سليما بكل ثقة وسلاسة.

ورغم كل الصعوبات،  تفيد الطالبة الباحثة أنها حرصت على المسك بخيوط الموضوع، وبتناسق فصول البحث وتوازنـها وتسلسلها، وتتابع الأحداث كرنولوجيا، مع تمكنها من تأثيث مادة مصدرية مهمة ومتنوعة (عربية وأجنبية)، منها كتابات وسيطة ومراجع حديثة، ومقالات، ثم أطروحات ودراسات تصب في موضوع البحث، إيمانا من الطالبة الباحثة بأن الرجوع إلى الدراسات الموازية للموضوع تمكن من الاطلاع على الاشكاليات العالقة، مقابل ضرورة الانطلاق منها، وجعلها سندا مصدريا، ليستمر البحت العلمي، وتتجدد المعلومات، فيما رأت الطالبة الباحثة أهمية تتويج خاتمة الدراسات بتوصيات واقتراحات.

وحرصت الطالبة الباحثة على استجلاء واستقصاء تفاصيل خصائص موقع فازاز، عبـر استنطاق الذاكرة الجماعية التي كانت متعددة بالمنطقة، وتعاملت معها بتحفظ، بل كانت في بعض الأحيان تكرر السؤال على الشخص الواحد، وفـي كل مرة يكون الجواب مختلفا، وتكون الأحداث منقولة دون ترتيب لزمانـها أو مكانـها، لذلك كان استغوارها في البحث العلمي صعبا في ظل قلة المصادر المكتوبة التي تعززها، ما حمل الطالبة الباحثة إلى الحذر في توظيف كل ما تسمعه بغية الخروج باستنتاجات خاضعة للمنطق العلمي، فيما أكدت أنه لم يحن الأوان للكشف عن المبهم من تاريخ هذه القلعة، والناتج عن تماطل أو تغافل الجهات المختصة.

وكشفت الطالبة الباحثة، كريمة افتوح، أن كل مصدر ثم العثور عليه كان يغنـي فصول بحثها أو يحيلها على مصادر أخرى، ومن بين المصادر التـي جعلتها معرضا للتنقيب هي المصادر التي أخذت من وقتها الكثيـر، وحتمت عليها قراءتها قراءات متفحصة ومتعددة لتعثر على إشارة واحدة فقط عن قلعة المهدي (فازاز)، وتكون نوعية الخط أحيانا جد صعبة، لكن في المقابل سرعان ما يتحول التعب إلى غبطة في كل مرة مرة يتم فيها العثور على اسم الموقع المدروس في أقدم المصادر، واعتمادا على ما توفر من مصادر ومراجع مؤطرة، وانطلاقا من التحريات الميدانية تمكنت الطالبة ذاتها من وضع  تصميم للبحث.

وجاء تقسيم البحث إلى أربعة فصول: فـي الفصل الأول تناولت الطالبة الباحثة، كريمة افتوح، الظروف الجغرافية والطبيعية والاقتصادية لزيان، لفهم الدور الكبيـر الذي لعبته في تشكيل وتحديد مميـزات العمران بهذه المنطقة، مع نظرة شاملة عن الوسط حيث العامل الطبيعي شكل حاجزا بتضاريس الأرض التـي تتميز بصعوبة في التنقل، ما وفر للمنطقة الحماية الطبيعية وجنبها الغزو، فيما تطرقت الباحثة كذلك للمصادر المائية على اختلاف أنواعها، والتي اعتبرت مواقع جذبٍ للعيش بالمنطقة، حيث قلعة فازاز كانت تتوفر على دورة مائية مهمة دل على ذلك اللقى الكثيرة من أنابيب وقنوات ناقلة للمياه.

أما الفصل الثاني، خصصته الطالبة الباحثة لطوبونيميا الموقع، وعلاقته ببعض المراكز الأخرى، مع الإشارة إلى مفهوم الطوبونيميا التي هي علم يهتم أساسا بالأصل اللغوي والأنثروبولوجي لأسماء الأماكن والمناطق الجغرافية، فلكل منطقة أسماء خاصة ترتبط بشكل وثيق بالمجتمع والإنسان الذي سكن أو يسكن تلك المنطقة ويحاكيها بلغته وثقافته حتـى تعبـر عن كينونته، وكل الأعلام الجغرافية لها علاقة بلغة المجتمع البشري الذي يسكن تلك المنطقة، ففازاز، قلعة المهدي، الكارة، تيحبيت، مدينة السلطان الأكحل، مدينة منفى ال عباد، أسماء نسبت لمؤسسها أو للأعلام الذين مروا منها أو جغرافيتها بالأمازيغية المحلية.

وبخصوص الفصل الثالث، فتمت فيه دراسة التراث المادي للموقع، وتفصيل بين ما هو مادي ثابت ومادي منقول، مع الاعتماد أولا على تقنية جرد التـراث المادي، والتي تتمثل في جرد و تفريغ استمارة خاصة بهذا النوع من التـراث، حيث تمت الإشارة للاسم المحلي للموقع، والأسماء الأخرى التـي تداولتها المصادر، إلى جانب تحديد الموقع الإداري من خلال مونوغرافية أكلمام التـي توجد قلعة فازاز ضمن ترابها، والموقع الجغرافي من خلال المسافة المؤدية إليها من عدة أماكن، وتقنية البناء والمواد المستعملة بناء على ما تبقى من أسوار وأبراج،  ثم مكونات  المعلمة، من أبعاد ومساحة وشكل هندسي، والحالة التي عليها في الوقت الراهن.

كما ركز الفصل الرابع والأخير على دراسة المراحل التاريخية لقلعة المهدي، انطلاقا من افتراض أن القلعة بنيت  قبل الفتوحات الإسلامية، وتزامن ذلك مع الفتـرة الغامضة، ثم الفتـرة الإدريسية، إلى القلعة التي أسست من طرف أميـر زناتي، ليتم إدراج فتـرة حكم الدويلات الزناتية ثم مرحلة المرابطين، هذه المرحلة التـي جاءت فيها نصوص صريحة وواضحة عن مناعة وحصانة الموقع، واستعصائها على يوسف ابن تاشفين، ثم الفتـرة الموحدية التي لم تسعف مصادرها في تفسير تواجد العملة النقدية الموحدية بالقلعة، باستثناء بيدق ساهم في إعطاء بعض الإشارات الهامة والأساسية.

وبعد ذلك عرجت الطالبة الباحثة على الفتـرة المرينية، حيث كان من المفروض أن يقف البحث هنا، حيث في هذه الفترة انقطع صيت قلعة المهدي، ما جعل الباحثة تفضل المرور على المراحل الباقية من تاريخ المغرب لجرد ما جاءت به الكتابات عن القلعة، لتصطدم بقفز كتابات مؤرخي الدولة الوطاسية والسعدية على ذكر هذا الموقع، باستثناء الوزان الذي وصف ما آلت إليه من تخريب، قبل أن تخلص الباحثة، في نهاية الفصل الأخير، إلى ما جاء به مؤرخ الدولة العلوية، مع استنتاجات وخاتمة مذبلة بملاحق لم يتم التمكن من إدراجها داخل المتن.

وكانت الطالبة الباحثة، كريمة افتوح، قد افتتحت جلستها خلال مناقشة بحثها حول “قلعة فازاز: التاريخ والتراث”، أمام اللجنة العلمية، بتوجيه شكرها لعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة مولاي سليمان ببني ملال، الدكتور محمد العاملي، وللدكتورة سعاد بلحسين التي تفضّلت بقبول الإشراف على رسالة الماستر، وكذا لأعضاء اللجنة، الدكتور الحسن بودرقا، والدكتور محمد بويقران والدكتور رشيد طلال والدكتور كمال أحشوش، فيما لم يفت ذات الطالبة الباحثة توجيه شكرها بالتالي للأساتذة المؤطرين بماستر التاريخ والتراث الجهوي، لجهة بني ملال خنيفرة خاصة، وأساتذة شعبة التاريخ والحضارة عامة.