جدران‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬فن‭ ‬وهوية‭ ‬ورسائل

0

لا‭ ‬يمكن‭ ‬لك‭ ‬وأنت‭ ‬تتجول‭ ‬بمدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬ألا‭ ‬يسترعي‭ ‬انتباهك‭ ‬رسومات‭ ‬وشعارات‭ ‬أو‭ ‬خربشات‭ ‬مختلفة‭ ‬الألوان‭ ‬والأشكال‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬أحيائها‭ ‬ودروبها‭ ‬وشوارعها‭ . ‬
‭‬هي ‬جداريات‭ ‬لفن‭ “‬الجرافتي‭” ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬صور‭ ‬للطبيعة‭ ‬تحمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬ودلالة‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬حمولتها‭ ‬وفي‭ ‬أحجامها،‭ ‬أحيانا‭ ‬تجد‭ ‬أحياء‭ ‬بكاملها‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬شبه‭ ‬معرض‭ ‬للوحات‭ ‬فنية،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬أفكار‭ ‬ومبادرات‭ ‬لبعض‭ ‬الشباب‭ ‬أو‭ ‬أعمال‭ ‬لجمعيات‭ ‬ثقافية‭ ‬وبيئية‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬منها‭ ‬لإضفاء‭ ‬رونق‭ ‬وجمال‭ ‬على‭ ‬الحي ‭ ‬أولإخفاء‭ ‬بعض‭ ‬الأمكنة‭ ‬التي‭ ‬طالها‭ ‬الإهمال،‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬نقاط‭ ‬سوداء‭ ‬أو‭ ‬مكب‭ ‬للنفايات‭ ‬كمحاولة‭ ‬منهم‭ ‬لثني‭ ‬السكان‭ ‬عن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬فعل‭ ‬ذلك،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تحمل‭ ‬تلك‭ ‬الجداريات‭ ‬كذلك‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬وطنية‭ ‬أو‭ ‬تذكر‭ ‬بمناسبات‭ ‬ووجوه‭ ‬فنية‭ ‬ورياضية‭ ‬بصمت‭ ‬بإنجازاتها‭ ‬المتميزة‭ ‬ذاكرة‭ ‬المغاربة،‭ ‬كأن‭ ‬تتزين‭ ‬بالعلم‭ ‬الوطني‭ ‬وبرسومات‭ ‬للاعبي‭ ‬المنتخب‭ ‬المغربي‭ ‬تكريما‭ ‬لهم‭ ‬وعرفانا‭ ‬بما‭ ‬قدموه‭ ‬من‭ ‬فرحة‭ ‬عارمة‭ ‬بعد‭ ‬فوزهم‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المنافسات‭ ‬القارية،‭ ‬أو‭ ‬الدولية،‭ ‬مما‭ ‬يذكي‭ ‬روح‭ ‬الانتماء‭ ‬لدى‭ ‬الجموع‭.‬
‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭ ‬نجد‭ ‬جداريات‭ ‬تحمل‭ ‬ألوان‭ ‬فريق‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬الفرق‭ ‬المحلية،‭ ‬رسمها‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬إخراجها‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬مناصري‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬تحمل‭ ‬عناوين‭ ‬وأرقام‭ ‬الانتصارات،‭ ‬التي‭ ‬حصدها‭ ‬وحققها‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬دون‭ ‬غريمه،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬تقليدا‭ ‬عند‭ ‬أنصار‭ ‬فرق‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬ب‭”‬الإلتراس‭”‬،‭ ‬بحيث‭ ‬تتزين‭ ‬أحياء‭ ‬بكاملها‭ ‬بشعار‭ ‬وألوان‭ ‬الفريق‭ ‬الفائز‭ ‬وبرسوم‭ ‬لنجومه‭ ‬وللاعبيه‭ ‬ممن‭ ‬سجلوا‭ ‬أهدافا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سببا‭ ‬مباشرا‭ ‬في‭ ‬فوز‭ ‬الفريق،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬تقليدا‭ ‬رسميا‭ ‬عند‭ ‬ساكنة‭ ‬بعض‭ ‬الأحياء‭ ‬كعنوان‭ ‬للهوية‭ ‬الرياضية‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬الحي‭ ‬بأكمله،‭ ‬وهذه‭ ‬ظاهرة‭ ‬تشمل‭ ‬مجمل‭ ‬مدن‭ ‬المملكة‭ ‬وتتعداها‭ ‬لتشمل‭ ‬معظم‭ ‬مدن‭ ‬العالم‭ ‬ودوله‭.‬
‭ ‬أنا‭ ‬أخربش‭ ‬إذن‭ ‬أنا‭ ‬موجود
‬قد‭ ‬تجد‭ ‬كذلك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخربشات‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬بعض‭ ‬المراهقين‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬منها‭ ‬كذلك‭ ‬لوحات‭ ‬التشوير‭ ‬وإشارات‭ ‬تحديد‭ ‬السرعة‭ ‬والمرور،‭ ‬بحيث‭ ‬يعمد‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬إزالة‭ ‬أو‭ ‬التشطيب‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الحروف‭ ‬والأرقام‭ ‬ليتغير‭ ‬المعنى‭ ‬والمضمون،‭ ‬وتصادف‭ ‬كذلك‭ ‬كلمات‭ ‬ترمز‭ ‬للحب‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬جملا‭ ‬ساقطة‭ ‬ونابية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تجد‭ ‬جملا‭ ‬أخرى‭ ‬تحمل‭ ‬رسائل‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬سياسي‭ ‬ككلمة‭ (‬إرحل‭)‬،‭ ‬وليدة‭ ‬وشعار‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬مدنية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬سياسية،‭ ‬أو‭ ‬كلمات‭ ‬مطالبة‭ ‬بتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬اجتماعية‭ ‬محلية‭ ‬أو وطنية‭ ‬وحتى‭ ‬دولية،‭ ‬وقعها‭ ‬أشخاص‭ ‬خلسة‭ ‬تحت‭ ‬جنح‭ ‬الظلام‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنكشف‭ ‬هوياتهم‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬المتابعات‭ ‬القضائية،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المخطوطات‭ ‬والخربشات‭ ‬التي‭ ‬تتضمن‭ ‬إساءات‭ ‬أو‭ ‬جملا‭ ‬قدحية‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تحرض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬وعلى‭ ‬الإرهاب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موضوع‭ ‬متابعات‭ ‬قضائية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مساطر‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬وعقوبات‭ ‬سواء‭ ‬بالحبس‭ ‬أو‭ ‬بالغرامة‭ .‬
‬وتختلف‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تؤثث‭ ‬شوارع‭ ‬وأحياء‭ ‬المدينة‭ ‬بين‭ ‬متسامح‭ ‬وبين‭ ‬معارض‭ ‬لها،‭ ‬فالبعض‭ ‬يعتبرها‭ ‬فنا‭ ‬بينما‭ ‬يعتبرها‭ ‬الآخرون‭ ‬مجرد‭ ‬تخريب‭ ‬وإتلاف‭ ‬للممتلكات‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة،‭ ‬لتبقى‭ ‬الكتابات‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬المدينة‭ ‬رسائل‭ ‬موجهة‭ ‬لمن‭ ‬يهمه‭ ‬الأمر‭ ‬تنشر‭ ‬عليها‭ ‬مطالب‭ ‬وتظلمات‭ ‬الشباب‭ ‬والمراهقين‭ ‬وكذلك‭ ‬أحلامهم‭ ‬وتطلعاتهم‭…‬