تحولت إلى ما يشبه قاعات أفراح… مركبات ثقافية تسبح في مستنقع ضعف الحكامة وبرنامج عمل خارج النص

0

1912 مليون درهم هو الرقم المالي الذي خصصه برنامج عمل مجلس مدينة الدارالبيضاء المصادق عليه، في مايو الماضي، لقطاع الثقافة في العاصمة الاقتصادية، رقم مهم إذا ما قارناه مع المداخيل المالية الهزيلة لفائدة الخزينة الجماعية.
التشخيص الذي تضمنه البرنامج أوضح الصورة الحقيقية لهذه المركبات، حيث يعترف بالتفاوت الصارخ على مستوى البنى التحتية الثقافية، ويذهب بعيدا عندما يقر بأن جل المركبات المتوزعة على تراب المقاطعات تعاني من ضعف الحكامة ومن شلل في التدبير ونقص جلي في الصيانة، معظم المركبات كما أكد لنا موظفون بالمقاطعات، تدبر من طرف مسؤولين يخضعون لمعيار رضا الرئيس عليهم وليس أي معيار آخر، وغالبا تجد حارسا هو العارف بتفاصيل التدبير ولا أحد سواه، حتى حينما كان مكتب الدراسات يعد برنامج عمل جماعة الدارالبيضاء لم يلجأ لتقرير أي مدير مر من تحمل مسؤولية تدبيرها، والمفروض أن من دبروا هذه المركبات هم الأدرى بأسباب اندحارها، لكن مكتب الدراسات لم يذكر من أين استقى تشخيصه، وهو على العموم تشخيص لامس ما قد يعاينه أي مهتم بالشأن الثقافي، لكن كان من الأولى اللجوء إلى من لهم التجربة لأنهم يعرفون تفاصيل لايعرفها غيرهم.
تبدو هذه المركبات وكأنها شيء ثانوي بالنسبة لمدبري المقاطعات، فهي مهمة فقط بالنسبة لهم في مناسبات بعينها وليست مهمة لكنه الثقافة، ذلك أننا نجدها لا تعير اهتماما للجانب المتعلق بصيانتها عند الخصاص والحاجة، وكم من مركب يعاني من مشاكل في الإنارة ومكبرات الصوت وغيرها من المؤثثات الضرورية لمثل هذه المرافق، لكنها تظل على حالها، وفي المناسبات الضرورية نلجأ إلى « الديباناج « بدل الصيانة الدائمة، أما على مستوى الإنتاج فهي شبيهة بأي قاعة أفراح، تكترى من طرف من يود إقامة نشاط بها، ولابرامج قارة لها، فهي لا تقوم بأي تكوين في المجال الفني برمته، ولم يسبق أن كانت مصدر تخرج لأي فنان كما هو حال دور الشباب في وقت سابق، تعمل غالبا أيام السبت والأحد في غياب تام لأهل الاختصاص، وتبقى اجتهادات بعض المدبرين لها رهينة قدرتهم على إقناع السياسي المتحكم، الأول والأخير في هذه البنايات، فإن تمكنوا من ذلك قد نشهد بعض الفلتات لكن إن لم يتمكنوا، فإن تلك القاعات تظل راكدة وخاضعة لأهواء ومتطلبات السياسي، العالم في كل شيء حتى في عزف الكمان ونوع الرقص وأغراض الشعر وقافية الزجل وأبعاد الفن التشكيلي والألعاب السحرية أو ما يعرف «بخفة اليد» !
لا يتوفر أي مركب على فرق مسرحية قارة أو على فرق موسيقية أو حتى فرق الدقة الفرجوية، خواء في خواء لا يملؤه إلا صدى أقدام من يحرسون البناية …
بعد هذا التشخيص الذي وقف عند جزء كبير منه برنامج عمل جماعة الدارالبيضاء، انتظرنا بأن تأتي الحلول في ذات البرنامج، لكن وكأننا بصدد مخرج مصاب بانفصام، قدم عرضا عن فيلمه ولما فتح الستار سنجده قد أخرج فيلما آخر، بدل وضع خطة لجعل هذه المركبات فعالة بإدارات واضحة، وبرامج ذات منتوج، سيمر مباشرة إلى فكرة تجهيز هذه المركبات، وخصص لهذا الغرض 1912 مليون درهم مساهمة الجماعة فيها ستصل إلى 815 مليون درهم ، أي بنسبة 43 في المئة، وهي أعلى نسبة تشارك بها الجماعة مقارنة مع باقي القطاعات، لاحظنا في التشخيص أن الحديث كان على التفاوت في البنى التحتية، أي أن هناك مناطق تفتقر لمثل هذه المرافق، ومن باب العدالة المجالية وجب توفير مركبات بها، وإن تمت العودة إلى تصميم التهيئة لسن 2014 سنجده يقترح إحداث هذه المركبات، وبدل القيام بإحصاء شامل لها والوقوف عند ما أنجز ومالم ينجز لإتمام المخطط الموجود في التصميم، اختار المدبرون المرور إلى تجهيز المركبات، والسؤال ما جدوى تجهيزات في بنايات لا تنتج شيئا؟ المعضلة تكمن في الصيانة بدل إحداث شركات تهتم بصيانة هذه المركبات بشكل دائم وأبدي تم اختيار تجهيزها فقط، لنواجه في المستقبل مشكل صيانة التجهيزات التي وضعناها في هذه الولاية، وهو ما يتطلب معاودة التجهيز إلى ما لانهاية، في الولاية السابقة كان الحديث عن منح شركة التنمية المحلية « الدارالبيضاء للتنشيط « مهمة إدارة هذه المركبات، بعد بروز مشكل مركب محمد السادس الذي يعيش خصاصا على مستوى التجهيزات التقنية، لكن تم طمس هذا الموضوع ولم يعد أحد يتحدث عن النمط التدبيري لهذه المركبات، التي تتراقص خارج الإيقاع، وكل مركب لدينا يغني على ليلاه ويغرد على هوى مزاج السياسي المسير، القفز الطولي سيستمر وأنت تتصفح البرنامج، سيظهرغياب رؤية واستراتيجية تدبيرية لهذه المركبات صونا للمال العام والعمل على تقويم الأخطاء المتوارثة، بل سيقوم البرنامج بتوفير1912 مليون درهم لإحداث تجهيزات، ولم يوضح من أين ستأتيه هذه الأموال، ليعلو بالقفز إلى برنامج ترفيهي ورياضي عابر ستحتضنه المدينة، يتخلله ماراطون ودوري ألعاب إليكترونية، وهي تظاهرة متوفرة أصلا تحتضنها شركة التنمية المحلية « الدارالبيضاء للتنشيط « ، إذ خصص لها برنامج العمل ما قيمته 344 مليون درهم مساهمة الجماعة فيها تصل إلى 261 مليون درهم، أي بنسبة 47 في المئة، إذا ما جمعنا الأموال التي تحدث عنها برنامج العمل والمتعلقة بالشق الثقافي والترفيهي، سنجد أن الجماعة ستسهم بما مجموعه 1076 مليونا، أي بنسبة 47 في المئة، وهي نسبة مرتفعة كما أشرنا إلى إلى ذلك، لكن الجماعة لم تذكر شيئا عن كيفية توفير هذه المبالغ كما لم تذكر من هم شركاؤها في هذا الفعل، وبعيدا عن الجواب عن هذا السؤال نجدها تخصص هذه الأموال دون أن تأتي بجديد أو بفكرة من شأنها الرفع من المنتوج الثقافي، الذي سيحول المدينة إلى نقطة جذب ثقافية تليق بالمكانة التي تحتلها الدارالبيضاء على الصعيد الدولي والإقليمي والقاري، فقط من خلال هذا البرنامج نجد الجماعة تعلن جهرا أنها تحولت إلى مجرد « تريتور « ممون للحفلات والقاعات، لأن المدبرين تعوزهم رؤية ثقافية للمدينة وأرضية تمكنهم من الإقلاع بها إلى مصاف عواصم العالم التي تجعل من الثقافة رافعة تعريفية للمدينة والبلد، ومحركا للاقتصاد الثقافي، لا نجد كلمة شعر أو كتاب أو تظاهرة خاصة بالفكر والبحث العلمي أومهرجانا للفنون من المستوى الكبير، أي أن البرنامج تمخض فولد ممون حفلات ليس إلا، بل إنه لم يقو حتى على لعب دور المنافس على المستوى الجهوي، ففي كل مدينة نجد مهرجانا تعرف به، كالموسيقى الروحية بفاس وموازين بالرباط والتراث الشعبي بمراكش وكناوة بالصويرة، لكن موطن الفنانين، أي الدارالبيضاء، مدينة الإشعاع، فلم تجد مخرجا لإبراز ما تكتنزه من تنوع فني وثقافي وإبداعي…
بالعودة إلى المركبات الثقافية يعرف الجميع بأن نسبة إنجازها مما خصص لها في تصميم التهيئة لسنة 2014، لم تتعد 5 في المئة، ومع ذلك نجد أن الجماعة لم تتحدث عن إحداث أخرى، وهو أمر يدعو إلى الاستغراب، خاصة إذا علمنا أن المواقع التي ستشيد فيها هي ملكية لناس ورثوها وبالتالي فعقاراتهم متوقفة دون أن تكون لهم حرية التصرف فيها ، احتراما لذلك التصميم، ولم تعر الجماعة أي اهتمام لهذا الوضع الشائك، واختارت صرف المال على تظاهرات متوفرة في الواقع، بل نجد أن الجماعة لم تنبس ببنت شفة عن تراثها المعماري، وهنا نخص قاعات السينما المسجلة كتراث وطني منها سينما «الكواكب» وسينما «الملكي» و»شهرزاد» و»أطلس» و»موريتانيا» و»السعادة» وغيرها، فلم يجب برنامج العمل عما سيفعله بهذه البنايات ولم يفرد لها أي باب أو رؤية تصب في طريق إيجاد حل يشملها وينتشلها من مستنقع الخراب والنسيان !