الشعر الأمازيغي بمنطقة مريرت بالأطلس المتوسط

0
  • محمد الغازولي (°)

يعتبر الشعر الأمازيغي رافدا مهما من روافد الأدب العالمي حيث عاصر شعوبا وثقافات منذ الرومان والبيزنطيين والفراعنة وغيرهم. يعبر عن مشاعر وثقافة الأمازيغ بالمغرب الكبير والصحراء الكبرى، وذلك من خلال التعبير عن قضاياهم وحياتهم. فهو ذاكرة جمعية و خزان بحجم عراقة الإنسان الأمازيغي بصفة عامة. وقد صدق من قال إن موت شخص في إفريقيا هو بمثابة اندلاع حريق في مكتبة. ذلك أن العديد من القصائد الشعرية الأمازيغية ماتت في صدور أصحابها ولم يصلنا منها إلا النزر القليل.

إن الشعر الأمازيغي يعبر عن الوجود لإنسان شمال إفريقيا. يتميز الشعر الأمازيغي بتعدد أنماطه حسب بنية المتن الشعري ومواضعه ومناسباته. أما من حيث المتن الشعري فيمكن التمييز بين نمطين كبيرين تندرج داخلهما أنماط تحتية و هينمط القصيدة (تامديازت أو تايفارت) ونمط البيت (أفرادي أو إيزلي)، ثم نمط تاماوايت، وسوف أتحدث في هذا المقال عن القصيدة التي تسمى (تامديازت) كما سأتطرق إلى رواد هذا النمط في منطقة أيت سكوكو بالأطلس المتوسط.

ف (تامديازت) ⵜⴰⵎⴷⵢⴰⵣⵜ  أو (تايفارت) ⵜⴰⵢⴼⴼⴰⵔⵜ نمط شعري يخضع لبناء وترصيص خاص يجعل منه البنية الموحدة التي تعني القصيدة. إنها إبداع مهاري وصادق عن طريق تطويع للغة/الكلام بصرامة لإنتاج الشعر. ونظرا لعنصر الطول العمودي لتامديازت، فإن الشاعر يحاول تجزيئها الى مقاطع فيردد أحدها مرتين أو يقوم مساعدوه بذلك وهم (ءيمالاسن) أو (ءيردادن)/ⵉⵎⴰⵍⴰⵙⵏⵉⵔⴷⴷⴰⴷⵏimalasn/ irddadn /  حتي يستطيع التقاط أنفاسه وترتيب أفكاره وربما استدراك ما قد يغفله، كما يقوم بهذه التقنية لشد انتباه المتلقي/ المستمع إليه.

تقوم (تامديازت) من الناحية الشكلية والبناء الظاهري على عناصر أصبحت منحوتة في الأدب و النقد الأمازيغيين وهي عناصر تسم القصيدة الأمازيغية و لاسيما التقليدية منها. وهذه العناصر ثلاثة هيالعنصر الأولالمقدمة أو التقديم أو الافتتاح، وتكون عادة مقدمة دينية فيها ابتهال و رجاء وطلب يتوجه به أمدياز/الشاعر إلى الله تعالى مسبحا و مثنيا عليه، مستعرضا نعمه عليه و على سائر خلقه. وقد يطول هذا الاستفتاح أو يقصر حسب تنوع فضاءات الإلقاء و الإنشاد.

العنصر الثانيالموضوع أو الغرض الذي من أجله نظمت تامديازت، ويعتبر محور القصيدة سواء مدحا أو ذما أو وصفا أو إحدى انشغالات الشاعر والمجتمع الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية أو غيرها. فالموضوع هو عالم مفتوح على استلهام الواقع و التاريخ و الأحاسيس والعاطفة. العنصر الثالثالمتعلق باختتام القصيدة وإعطاء خلاصة مركزة للموضوع، وتسمى القفلة وبالأمازيغية (argal/ⴰⵔⴳⴰⵍ-tiɣuni/ⵜⵉⵖⵓⵏⵉ) . وغالبا ما تكون الخاتمة لها علاقة بالمقدمة فيها دعاء أو استدراك لما سقط في الوسط أو إعطاء إشارات لمواضيع مستقبلية. كما يمكن أن تكون عبارة عن حكمة أو وصية أو ما شابه ذلك، فيكون ذلك إيذانا بنهاية مغامرة الشاعر.

وسأركز على شعراء منطقة مريرت و نواحيها بدءً بمجموعة أيت عزيزا ومجموعة أيت عثمان، ثم انتهاء بالتجربة النسوية الفريدة مجموعة ءيطو أغشوي.  فمجموعة أيت عزيزا تتشكل من ثلاثة شعراء ينتمون إلى قبيلة أيت عزيزا، بمنطقة مريرت، التابعة إداريا لإقليم خنيفرة، وهم المرحومين: السهلي المصطفى بوطعام سيدي محمد والشاعر ءولمكي سيدي محمد، أطال الله في عمره،

الشاعر بوطعام سيدي محمد بن لحسن، وأمه فاظمة بنت العرابي، ازداد سنة1943، وتوفي في 27 يوليوز 1998 ودفن بأيت عزيزا. كان قد هاجر أبوه من منطقة أيت عتاب نواحي أزيلال، فيما الشاعر السهلي المصطفى بن أحمد بن محمد، والمعروف بمصطفى أوسوسي، وأمه عائشة بنت المصطفى، فازداد سنة 1935 بأيت عزيزا وتوفي في 8 أبريل 1992 ودفن بمريرت. وكان أبوه فقيها في قبيلة أيت عزيزا وهو من منطقة سوس، أما الشاعر أولمكي سيدي محمد بن خويا بلحسن، وأمه فاظمة لحسن، فقد رأى النور سنة 1940 وما يزال غلى قيد الحياة، أطال الله عمره. فهاجر أبوه من زاوية أيت بن عبد الصادق بالراشيدية.

تعتبر هذه المجموعة من رواد الشعر الأمازيغي بالأطلس المتوسط عموما وبمنطقة مريرت، وأيت سگوگو على وجه الخصوص، فكانت في البداية ضمن مجموعة أحيدوس تقرض شعر المقابلات والنقائض، أو ما يعرف ب (ثيغونيوين/ ⵜⵉⵖⵓⵏⵉⵡⵉⵏ/tighuniwine.  مجموعة أيت عثمان: مجموعة أيت عثمان هي لبنة تأسست منذ سنة التسعينات من القرن الماضي، وكانت تعرف توسعا تارة وتقلصا تارة أخرى، لظروف موضوعية تارة وذاتية تارة أخرى، ويبقى واضحا أن الركائز الأساسية للمجموعة تتجلى في العناصر التاليةالشاعر مصطفى أكنو والشاعر موسى أبيضاوي والشاعر محمد اليوسفي ثم الشاعر محمد أوحمان.

الشاعر مصطفى أكنو ءامدياز مصطفى أكنو ازداد سنة 1968بقبيلة أيت عثمان، كانت بدايته الفعلية سنة 1990، والذي تأثر بالتجربة الرائدة على مستوى مريرت، وهي تجربة مجموعة أيت عزيزا، ثم الشاعر موسى أبيضاوي المزداد عام 1978 بقبيلة أيت عثمان، فكانت بدايته سنة 1996 حيث تأثر في قرض الشعر بكل من مجموعة أيت عزيزا بمنطقة أيث سكوكو وشعراء منطقة إكروان كما صرح بذلك، إلى جانب الشاعر محمد اليوسفي الذي رأى النور بقبيلة ءيرشكيكن سنة 1960 فتأثر هو الآخر بأيث عزيزا، و كانت بدايته سنة 1990. أما الشاعر محمد أوحمان من قبيلة ايث عثمان، والمزداد سنة 1977 فقد تأثر مثل باقي افراد المجموعة بتجربة أيث عزيزا في نظم الشعر.

أما الشعر النسائي فنذكر ءيطو أغشوي المزدادة سنة 1977 بمنطقة بوزقور، جماعة الحمام مريرت، والمنتمية إلى أيت عيسى، قبيلة أيت عبد الله، وتتكون المجموعة من فاطمة أغشوي (شقيقة ءيطو) المزدادة سنة 1980 بنفس المنطقة، وإلهام باباحمان (ابنة ءيطو)، المزادة سنة 2000، بدأت المجموعة سنة 2017 ، وقد تأثرت بمجموعة شعراء أيت عزيزا السالفة الذكر، كما شاركت بعدد من الملتقيات والمهرجانات والمسابقات الشعرية الوطنية، مع ضرورة الإشارة بالتالي لمجموعة آيت بلحاج، والتي تتكون من أولغازي ومحمد نشريف إلا أنها اندثرت لظروف خاصة و بقي منا الأخير يظهر بين الفينة والأخرى.

 (*) شاعر وباحث في الثقافة الأمازيغية، من أعماله الشعرية الأمازيغية ديوان: • ⵢⵓⵍⵉⴷ ⵡⴰⵙⵙ • ⴰⵏⵣⴳⵓⵎ ⵏ ⵓⵎⴰⵜⴰ