جغرافية مآسي نقل العمال الزراعيين تتسع مع مطلع العام الجديد !
حميد بنواحمان
” لقي شخص مصرعه وأصيب 22 آخرون بجروح متفاوتة الخطورة جراء حادثة سير وقعت ، يوم الجمعة على مستوى الجماعة الترابية تزونين بالنفوذ الترابي لإقليم طاطا… ونجم الحادث عن انقلاب سيارة من نوع “بيكوب” كانت تقل أزيد من 20 شخصا يعملون بإحدى الضيعات الفلاحية على مستوى الطريق الرابط بين الجماعة الترابية أقا وجماعة تزونين “.
إنها خلاصة خبر متشح بالسواد – توفي مصاب آخر في اليوم الموالي بالمستشفى – اهتزت على وقعه ساكنة المنطقة مع مطلع السنة الجديدة – فاتح يناير 2021 – والذي يجعل سؤالا كبيرا يداهم ذهن المنشغل ب ” أحوال المجتمع”، مفاده : هل باتت جغرافية طرقات إقليم طاطا ، بدورها ، على موعد مع الفواجع الناجمة عن انقلاب “بيكوبات” نقل العمال والعاملات الزراعيين ، على غرار ما تسجله طرق مختلفة بأقاليم جهة سوس ماسة ، ضمنها اشتوكة أيت باها و تارودانت على سبيل المثال ؟
حوادث كثيرة مازال “أسفلت” مسالك طرقية عديدة بالمنطقة يشهد على دمويتها، والتي سبق أن تناقلت وسائل الإعلام المتباينة ، صورها المحزنة، بالنظر لكون مجموعة من مدن الجنوب أضحت تشكل “موطن” الضيعات الفلاحية بامتياز . حوادث تختلف في تواريخ وقوعها، لكنها تتوحد في “حمولاتها” التي تشكل عنوانا كبيرا ل “شقاء يومي” تئن تحت وطأته فئة اجتماعية واسعة لا بديل أمامها سوى “الكدح ” دون اكتراث بالحقوق ؟
واقع يمكن التأكد من مدى قسوته بقراءة خاطفة لأرشيف حوادث مماثلة طبعت أشهر سنوات قليلة ماضية ، نذكر هنا ببعض النماذج منها.
فقد سبق أن كانت الطريق الرابطة بين أيت عميرة وبيوكرى، بإقليم اشتوكة آيت باها، وتحديدا بالقرب من دوار إغرايسن، صباح الخميس 09 يوليوز 2020، مسرحا لانقلاب سيارة لنقل العمال الزراعيين، أسفر عن إصابة 20 عاملا وعاملة، تم نقلهم إلى مستعجلات المستشفى الإقليمي المختار السوسي لتلقي العلاج . وقبلها ، وبمنطقة أيت اعزا ، التابعة للجماعة القروية أيت عميرة ، تم تسجيل وفاة ثلاث عاملات زراعيات في فاجعة مازال أبناء المنطقة يتذكرون تفاصيلها المؤلمة بكثير من الأسى والحزن…
وبشأن “أوضاع العاملات الزراعيات بمنطقة خميس أيت عميرة” ، دائما ، ينبغي التذكير بنتائج دراسة ميدانية ، سالفة ، أنجزتها “جمعية نساء الجنوب” ، سلطت أسطرها الضوء على حقائق صادمة حول المعاناة المتعددة الأوجه التي تشكل عنوان يوميات هذه الفئة من العاملات ، والتي تبدأ في الغالب بالاستيقاظ المبكر ليتجمعن، حوالي الساعة الخامسة، في أماكن مخصصة لانتقائهن ” الموقف “، بالنسبة للمياومات المشتغلات ، بأجر يومي يتراوح بين 50 و60 درهما – تبعا لمردودية كل موسم فلاحي على حدة – في قطف ثمار البرتقال ، زرع البذور ، اقتلاع الحشائش… أحيانا يكون العمل بأسلوب ” القطعة – العطش ” ، حيث يطلب من العاملة أن تملأ صناديق قد يتجاوز عددها 20 صندوقا ، وبعد إنهاء المهمة التي تكلفت بها تغادر الحقل أو الضيعة على أمل إيجاد فرصة ثانية في اليوم الموالي، وتتم رحلات الذهاب والإياب على متن “بيكوبات” يحشرن داخلها في ظروف غير آمنة !
في السياق ذاته ، سبق لجمعيات مدنية وحقوقية ، محلية ووطنية ، أن دخلت على خط “الظروف القاسية ” المحيطة بتنقل العمال الزراعيين صوب الضيعات الكائنة بتراب اشتوكة ايت باها وتارودانت، من خلال توجيه رسائل تنبيهية إلى مختلف السلطات والجهات المسؤولة. كما أن إحدى نقابات القطاع كانت قد نادت باستعجالية وضع حد لما وصفته ب “التمييز القانوني ضد العمال الزراعيين” من خلال عدم احترام “عدد ساعات العمل اليومية و الحد الأدنى للأجور، وعدم تطبيق قانون الشغل ” إلى جانب ضرورة التخفيف من ” قساوة ظروف العمل” والدعوة إلى توفير ” شروط الصحة والسلامة” داخل عدد من الضيعات الفلاحية ، وكذا على مستوى “وسائل نقل هؤلاء العمال والعاملات” . وبخصوص النقطة الأخيرة ، يطرح حادث جماعة تزونين بإقليم طاطا، سؤالا ملحاحا مضمونه: ترى هل يوفر التنقل عبر “البيكوبات” والشاحنات المهترئة شروط التباعد الاجتماعي وتفادي الاكتظاظ ، ونحن نعيش في ظل ظرفية صحية عسيرة بفعل تفشي فيروس كورونا ؟