أسرة العدالة بخنيفرة تنظم حفلاً تكريمياً ومعرضاً وثائقياً يؤرخ لذاكرة المحكمة الابتدائية

0
  • أحمد بيضي

في مبادرة غير مسبوقة، نظمت “اللجنة التنظيمية لأسرة العدالة”، في خنيفرة، يوم الجمعة رابع فبراير 2022، معرضا وثائقيا مخلدا ل “ذاكرة المحكمة الابتدائية” بالمدينة، تم فيه عرض وثائق وعقود، ومخطوطات وأدوات وسجلات قديمة، ذات الصلة بمجال ذاكرة العدالة الوطنية، وبتثمين الموروث الوطني في هذا المجال وحفظه، حيث شهد فضاء المعرض حضور عدد من القضاة ووكلاء الملك والمحامين والموثقين والعدول والخبراء والنساخ والمفوضين القضائيين والموظفين بقطاع العدل، أجمع كلهم على إشادتهم بالفكرة القيمة والتنظيم المتميز، فيما تم تتويج المناسبة بحفل تكريمي بهيج على شرف شخصيات ينتمون للقطاع.

وتضمن المعرض وثائق تعود لسنوات العشرينيات والثلاثينيات إلى الستينيات من القرن الماضي، وظلت محفوظة بأرشيفات المحكمة الابتدائية بخنيفرة، ومنها عدة نسخ عدلية وأحكام قضائية، وتقارير وخبرات واستدعاءات، وشهادات والتزامات، ومناشير صادرة عن وزراء عدل سابقين، فضلا عن أعداد نادرة من الجريدة الرسمية، وسجل اعتقالات يعود إلى عهد القايد باعدي، وعقود في أصولها المكتوبة باللغة العربية وترجمتها إلى اللغة الفرنسية، علاوة على وثائق محاكم جماعة تعود إلى سنوات العشرينيات، ومحاكم عرفية، وعقود كراء وزواج وطلاق ومطالب بإرجاع الصداق، مع وثائق تخص ما كان يعرف قديما ب “البراح”، وأوامر بالاعتقال.     

كما شمل المعرض الوثائقي، المنظم بالمحكمة الابتدائية أيضا، نماذج قديمة من استدعاءات للحضور لدى محكمة السدد، ومن قرارات تنفيذية، وقضايا جنائية وأحكام قضائية، فيما تميز المعرض بعرض مكتب كامل يعود تاريخه إلى عقود مضت، يضم طاولة وآلة كاتبة (داكتيلو)، وخزانة عليها سجلات وملفات وجرائد رسمية، وكتب قانونية ومذياع نادر، ثم مقعد يحمل أسفله، بالقلم الجاف، اسم القاضي الذي كان يجلس عليه واسم من حل بعده، كما ضمت زاوية من فضاء المعرض سجلات محاضر جلسات تعود لنهاية الستينيات وبداية السبعينيات، إلى جانب نسخة نادرة من موسوعة قانونية باللغة الفرنسية.

ومن بين الوثائق المعروضة، منشور صادر عن مديرية الشؤون المدنية بوزارة العدل، في عهد الوزير عبدالهادي بوطالب، يطالب من كافة القضاة بضرورة العمل على مراقبة العدول التابعين لمحكمتهم، وحثهم على تحرير الرسوم بخط واضح وأسلوب سهل الفهم، بغاية تسهيل مصالح أصحابها وعدم التسبب في خلق مشاكل عند الحاجة إلى فهم المضمون، كما تم الوقوف على وثيقة تتعلق بحكم لم يقبل بتصريحات شهود، ويدعو إلى أن تكون صيغة القَسم هكذا (بالأمازيغية): “اوحق باب أوخام أين شاهدغ إس يصحا”، أي “أقسم بصاحب الدار أن شهادتي صحيحة”، على أن يتم هذا القسم بمنطقة “ميكشيظن” تحت مراقبة عملية.

وعلى الطرف الآخر، تم عرض مجموعة من الصور، منها لأول فوج للخدمة المدنية بالمحكمة الابتدائية لخنيفرة، وأخرى لمسؤولين إداريين ومتطوعين في المسيرة الخضراء، ثم صور لبعض الأشخاص ممن قضوا نحبهم قبل انهاء مهامهم بقطاع العدل (الأساتذة: لحسن برباش، علي قري، سعيد أبراوي، حسن شباب، عبدالحق بنهيدي، عبدالله كريران، محمد بويا وعبدالحميد كرة،)، إلى جانب صور نساء (الأستاذات: أول كاتبة ضبط: فاطمة الأسد، أول محامية: فاطمة قورة، أول رئيسة كتابة الضبط: حليمة اعزاز، أول قضاء جالس: وفاء كركب، أول قضاء واقف: سكينة السعدي، أول ناسخة: نادية الحرش، أول مفوضة قضائية: بوشرة أمادي، أول عدل: هدى عمري علوي).

إلى جانب ذلك، شمل ذات المعرض الوثائقي صور لوكلاء الملك المتعاقبين على المحكمة الابتدائية، منذ إحداثها بخنيفرة، (الأساتذة: الغازي الأطرش، عبدالكريم الشافعي، محمد لباخ، عبدالرحيم الشارف وحاتم حراث)، ورؤساء المحكمة (الأساتذة: حمو مراد، التهامي الدباغ، محمد بنرياب، محمد بوزيان، محمد بنجيلالي وسعيد بوهلال)، ورؤساء كتابة الضبط (الأساتذة: م. المصطفى البلغيثي، الأمين مبارك، محمد المغاري، محمد بنعيش، حليمة أعزاز ورشيد العلمي المشاشتي)، ورؤساء كتابة النيابة العامة (الأساتذة: محمد المغاري، عبدالله مباريك، محمد بويا، عبدالإله ارزوق وأحمد الطالبي)، وكان للصور المعروضة فعلها العميق في ذاكرة الزوار.

وبعد المعرض، انتقل الجميع إلى أجواء الحفل التكريمي الذي افتتح بآيات بينات من الذكر الحكيم على لسان القاضي ذ. يونس مصباح، وبكلمة لرئيس المحكمة ذ. سعيد بوهلال، فيما تميز بتسيير فقراته من طرف القاضي ذ. محمد السويطة، والذي تم على شرف عدد من المنتسبين لقضاء العدل، المحالين منهم على التقاعد، والعاملين، حاليا وسابقا، بالمحكمة الابتدائية والمنتقلين منها لمحاكم أخرى، حيث لم يفت ذ. السويطة وضع الحضور في دلالة الحفل كعرفان بالجميل واعتراف بالمجهودات التي قدمها المحتفى بهم لقطاع العدالة خلال مشوارهم العملي، دون أن تفوته دعوة الحضور للوقوف دقيقة ترحم على فقيد القطاع، عبدالحميد كرة، الذي وافته المنية قبل فترة قصيرة.

وخلال الحفل البهيج جرى تسليم هدايا رمزية للمحتفى بهم، أولهم وكيل الملك السابق (ذ. عبدالرحيم الشارف)، والرئيس السابق للمحكمة الابتدائية (ذ. محمد بنجيلالي) الذي لم يفته التقدم بكلمة مؤثرة أعرب فيها عن “اعتزازه بمسيرته العملية بهذه المحكمة، وبالعلاقات الودية التي ربطته بزملائه بها”، ومتحدثا عن “أمجاد المقاومة التي عرفتها المدينة ضد المستعمر الفرنسي”، فيما لم يفته “طلب الاعتذار من أي شخص يكون أخطأ في حقه”، قبل ختم كلمته بقصيدة شعرية، ليتم بعده توزيع هدايا وشهادات تقديرية على بعض المحالين على التقاعد (الأساتذة: محمد لغريسي، محمد البدوي، عبدالقادر بركي، أحمد رحماوي والمولودي المرابطي).

ومن جهة أخرى، تم تكريم قضاة ونواب وكيل الملك انتقلوا إلى محاكم أخرى (الأساتذة: صلاح الدين القاسمي، ياسين الجمالي، محمد بوعمامة، محمد فخر الدين، مروان فالح، مصطفى الحميوي ومحمد المصلي)، فيما جرى تكريم المحامية ذة. فاطمة مُرة، والعدل ذ. عبدالحميد ادوير، والمفوضة القضائية ذة. بوشرى أمادي، والخبير ذ. عبدالوهاب جمكيل، والناسخة ذة. نادية الحرش، والموظفة بقسم السجل التجاري ذة. زكية مرشيد، والموظفة بالنيابة العامة ذة. عائشة بوحولة، إلى جانب موظفين انتقلوا أيضا من محكمة خنيفرة (الأساتذة: مريم الركراكي، محمد أوعربية، نزهة شلا ولطيفة بلمختار)، فيما لم يفت المنظمين الاحتفاء بالفقيد عبدالحميد كرة في شخص أسرته.

وبينما قيلت كلمات مؤثرة في حق كل واحد من المحتفى بهم، تخللت الحفل التكريمي فقرات من المستملحات للأستاذ محمد بن الطالب، هذا الأخير الذي زاد فأعلن عن “مسابقة الصورة” بعرضه عدة صور قديمة لأشخاص ينتمون لأسرة العدالة، على أساس أن يكون الفائز هو من يتعرف على أصحابها، وجاء الفوز من نصيب المحامي ذ. سمير شكري، وبعد تقديم المسير تشكراته لبطلي الحفل، الأستاذين محمد بن الطالب وحفيظ كريني، اختتم اللقاء بكلمة ذ. محمد السويطة، متمنيا فيها لأفراد قطاع القضاء والعدل النجاح في مهامهم، كأسرة واحدة موحدة، ومواصلة طريقهم الأسمى في حل المشاكل والنزاعات والأمراض الاجتماعية.

ومن جهته، تقدم وكيل الملك، ذ. حاتم حراث، لإسدال الستار على الحفل بكلمة وجيهة، أعرب فيها عن “مدى امتنانه بما يجمع أسرة العدالة من تأزر وتكامل وتلاحم ومحبة”، داعيا الجميع إلى “عدم جعل المهام والصفات والانتماءات سببا في التفرقة، وأن يظل الجميع لحمة واحدة غايتها رفع صرح العدالة على الأكتاف”، بينما حرص بعض المحتفى بهم على التقدم بكلمات موجزة، أجمعت في مجملها على تثمين ثقافة الاعتراف، وتقدير التلاحم القائم بين أطياف الجسم القضائي وأسرة العدالة، دون أن يفوت عدد من زوار المعرض الوثائقي التعبير عن أملهم في تخصيص قسم بالمحكمة الابتدائية لمتحف إقليمي للعدالة كذاكرة ذات الصلة بالمجال.