لقاء جهوي تكويني للمجالس العلمية، تحتضنه مدينة خنيفرة، حول “الأسرة والطفولة والشباب”

0
  • أحمد بيضي

احتضنت مدينة خنيفرة، يوم الأحد 19 دجنبر 2021، لقاءً جهوياً تكوينياً جمع المجالس العلمية المحلية لجهة بني ملال خنيفرة، حول موضوع “الأسرة والطفولة والشباب”، والذي افتُتِحت أشغاله بجلسة أولى اختير لتسييرها عضو المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، ذ. محمد بوربيع، والتي أبرزت دوافع اختيار موضوع اللقاء، في شقيه النظري والإجرائي، وهو أكدته كلمات كل من رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، د. المصطفى زمهنى، والمندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية بخنيفرة، ذ. الحبيب الكردودي، وعضو المجلس العلمي المحلي لإقليم أزيلال، ذ. أحمد السوسي، وممثلة لجنة الطفولة والشباب التابعة للمجلس العلمي المحلي، ذة. زهور بورباش.

وقد أبرز رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، د. المصطفى زمهنى، في كلمته الافتتاحية، دلالة وأهمية محور اللقاء الجهوي، ومكانته ضمن برامج وتوجهات المجالس العلمية، والذي بات، أكثر من أي وقت مضى، يطرح نفسه بإلحاح، ويفرض على الفاعلين والمشتغلين في هذا المجال، “تبادل وتدارس الخبرات والآراء المطلوبة، في أفق صناعة ما يؤدي إلى التمام البشري المنشود، بالنظر ما للموضوع من دور أساسي في تحديد ورسم وجهة المستقبل، على اعتبار الاستثمار في الإنسان، هو أسمى مشروع يمكن للأمة أن تستفيد منه”، ويبقى الإنسان “الذي يُعرف اليوم بالرأسمال اللامادي هو من يستطيع جعل الحياة مستقيمة”.

وأكد د. المصطفى زمهنى، أن تنظيم اللقاء هو “للنظر في موضوع الأسرة والطفولة والشباب، سيما على مستوى الاشتغال ومنهجية البحث عن الآليات الكفيلة بجعله ملفا ذا أهمية قصوى وبمنهجية واضحة على طاولة عموم المجالس العلمية من أجل تعزيز الاهتمام به”، نظرا “ما لهذه المؤسسة العلمية من دور في التأطير والتأهيل والتربية، عبر قيامها بتحصين الشباب والأسرة من التهديدات المتربصة بقيمها وعقيدتها، طالما أن المستقبل يُصنع في الأسرة”، وبينما رأى أن “تنمية المجتمع لن تتحقق إلا بإصلاح الإنسان وفق ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية”، أشار د. زمهنى لمشروع النموذج التنموي وما يهدف إليه من حمل الإنسان لتحقيق كينونته وكرامته.

وبخصوص الجلسة الثانية، التي قام بتسييرها عضو المجلس العلمي المحلي، ذ. عباس أدعوش، فركزت أوراقها حول الحديث عن قضايا الأسرة والطفولة والشباب، وأهميتها وآلياتها، حيث توزعت بين مداخلة أولى للمرشدة بالمجلس العلمي، ذة. رقية اليونسي، في موضوع “الأسرة والشباب: من الوعي بالأهمية إلى تفعيل الوظيفة”، ومداخلة ثانية لعضو خلية المرأة والطفولة بالمجلس العلمي، ذة. سعيدة الفقير، في موضوع “المجالس العلمية المحلية وملف الأسرة والطفولة والشباب: مجالات الاشتغال ومنهجية التدبير”، فيما استعرضت مداخلة ثالثة لعضو لجنة الطفولة والشباب التابعة للمجلس العلمي، ذ. حينة بلعيد، “تقنيات التنشيط من حيث آليات الاشتغال ورهان التجويد”.

من جهتها تناولت ذة. رقية اليونسي موضوع “الأسرة والشباب: من الوعي بالأهمية إلى تفعيل الوظيفة”، “بالنظر إلى حجم التحديات الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأسرة”، حيث تطرقت المتدخلة في ورقتها إلى “عناية الإسلام بالإنسان أيما اعتناء في حياته وعلاقته بخالقه وبنفسه وبالكون الذي يحيا فيه”، ول”أهمية ووظائف الأسرة بوصفها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وفي تربية الأطفال وتأطير الشباب، جسديا ونفسيا وأخلاقيا واجتماعيا، باعتبارها النواة التي يتشكل فيها الانسان ليبني العمران ويحقق الاستخلاف في الأرض”، فيما تناولت ما يتعلق بالعناية التي يوليها الدين الاسلامي للشباب.

وفي ذات السياق، استعرضت ذة. اليونسي نماذج من “إسهام الشباب في منظومة الإصلاح الحضاري والبناء العمراني عبر التاريخ”، ومستشهدة باعتراف للمستشرق البريطاني مونت كمري وات في كتابه “محمد في مكة”، والذي تناول فيه موضوع الإسلام كحركة شباب بالأساس، دون أن يفوت المتدخلة استحضار عدد من شباب الإسلام الذين جاء ذكرهم في التاريخ الإسلامي، فضلا عن استحضارها لنماذج من النساء الصحابيات والعالمات ممن ساهمن في صناعة التاريخ، فيما أشارت ذات المتدخلة لنماذج معاصرة من المجتمع المغربي، ولِما تزخر به بلادنا من طاقات وكفاءات شابة في مختلف الميادين والمجالات العلمية والفكرية والاقتصادية والرياضية.

وبدورها تطرقت ذة. سعيدة الفقير، لموضوع “المجالس العلمية المحلية وملف الأسرة والطفولة والشباب: من التحصين إلى التنمية”، عبر ثلاثة محاور تضمن كل منها حديثا عن آليات التنفيذ والتنزيل، انطلاقا من “التحصين العقدي والفكري، وأهميته الوقائية في حماية الطفولة والشباب من مساعي تلويث الهوية وإشاعة مفاهيم وأنماط سلوكية غريبة، ومن مظاهر انتشار الإلحاد بين التلاميذ الراجع في الغالب إلى حب التميز والانبهار وتقليد الجديد والحيرة والجهل، وحب التحرر من أشكال السلطة وفقدان المصداقية بسبب مظاهر التدين غير السليمة أو غياب القدوة، والنفور من الخطاب الديني القائم على الوعيد والترهيب والتقرير المجرد من الحجة والعقل”.

وعلاقة بالموضوع، اقترحت ذة. الفقير ضرورة “الاعتماد على وسائل المحاضرات والندوات التي تعالج المشكلات العقدية والفكرية والتي تحضر فيها قوة الحجة والدليل، مع إشراك متعاونين من لجان المجلس وخارجها متخصصين في العلوم التجريبية والفلسفة وعلم النفس، والعمل على تكوين الفئة المستهدفة بين إعمال البرهان وترسيخ قيم الحوار والتواصل، وقراءات في الكتب المناسبة لهذا المقصد”، فيما تناولت ذة. الفقير في المحور الثاني ما يتعلق ب “التحصين ضد المفاسد الاجتماعية والصحية”، ومنها المخدرات التي طالت تداعياتها الطفولة المبكرة والشباب، والهدر المدرسي والعنف والانحراف الجنسي، ثم حالات الانتحار التي سجلت ارتفاعا ملحوظا.

وأكدت ذة. سعيدة الفقير “البقاء للخيار الاستباقي الوقائي باعتباره الحل الأجدى، سواء في الأسرة أو في أشغال المجالس العلمية التي تكثف الندوات والمحاضرات بمشاركة أهل الاختصاص في الصحة والقانون وعلم النفس، وجلسات الإنصات بالتنسيق مع المؤسسات التعليمية لتقديم الدعم الروحي والنفسي والصحي”، بينما تناولت المتدخلة في المحور الثالث “أهمية الاستقرار الأسري وأثره على مكوناتها، وعلى تربية الأولاد”، مشيرة إلى أن “الاستقرار يبدأ من التأسيس اختيارا وفقها بالمقاصد والحقوق والواجبات وأسباب المودة وآليات تدبير الخلاف”، مسترشدة بالمنهج الإسلامي في تثبيت أركان الأسرة، وكذلك اللقاءات التواصلية.

أما الأستاذ بلعيد حينة، فاستعرض في مداخلته “تقنيات التنشيط: آليات الاشتغال ورهان التجويد”، والتي سعى من خلالها إلى اطلاع أعضاء لجن الأسرة والطفولة والشباب، بمختلف المجالس العلمية المحلية، على مفاهيم التنشيط، من أسسه ومبادئه وتقنياته وأدواره وأساليبه، إلى مهاراته ومعيقاته، فضلا عن مفهوم الجماعة، انطلاقا من “ميول الإنسان، منذ وجوده على الأرض، إلى الاجتماع والتواصل مع الآخر ضمن مدنيته الموجبة لتبادل المصالح القائمة على التعاون والتآزر”، إذ على يد الناس، يقول المتدخل، “تنشأ الحضارة وتتعدد مناحيها، وتتنوع منجزاتها، وفي مدنيتهم ينشأ التنشيط والتحفيز بحكم تنوع طبيعتهم النفسية، وقدراتهم العقلية، وطاقاتهم الجسمية، وإبداعاتهم الفردية”.

وصلة بمداخلته، انتقل ذ. بلعيد للتعريف بدينامية الجماعات، مع استحضاره لمقولات بعض الباحثين من أمثال د جميل حمداوي الذي عرَّف دينامية الجماعات بكونها “مجموعة من التفاعلات والقوى الحركية الفعالة والعالقات البنيوية الوظيفية التي تتحكم في الجماعات البشرية بشكل سلبي أو إيجابي، والتي تعمل على تطوير الجماعات وتحسين أجوائها ومجالات عملها لتحقيق أغراضها وأهدافها سواء أكانت شخصية أم جماعية”، ويعرفها جان ميزونوف ب “مجموع المكونات والسيرورات التي تتدخل في حياة الجماعات، وعلى الأخص الجماعات التي يكون أفرادها في وضع وجه لوجه”؛ بمعنى أن وجود الأفراد يكون نفسيا ويرتبطون فيما بينهم، ووجود تفاعل ممكن فيما بينهم.