حقوقي بخنيفرة يلتقي أمام القضاء بمعتقلين يشتبه في علاقتهم بما احتج ضده من شبهات بمركز “الدياليز”

0
  • أحمد بيضي

تشاء الصدف الماكرة أن تتزامن جلسة محاكمة فاعل مدني بخنيفرة، يوم الخميس 16 دجنبر 2021، على خلفية انخراطه في الاحتجاج على فضائح وشبهات مركز تصفية الدم (الدياليز)، مع عملية اعتقال خمسة أشخاص من مسؤولين ومستخدمين بهذا المركز، يوم الثلاثاء 14 دجنبر 2021، للاشتباه في علاقتهم بشبهات مالية وغيرها من التي لم تتوقف عدة هيئات حقوقية ومنابر إعلامية عن تفجيرها وسط الرأي العام، وعلى مكاتب الجهات المسؤولة، علاوة على الأشكال الاحتجاجية التي يجري تنظيمها، بين الفينة والأخرى، أمام مبنى المركز المذكور، وما يرافق ذلك من بيانات وبلاغات، إلى جانب ما جرى أيضا من تحقيقات أمنية وقضائية في ملف المركز.          

ووفق ما تقرر، خلال جلسة 7 أكتوبر المنصرم، فتحت ابتدائية خنيفرة، في جلستها المنعقدة صباح الخميس 16 دجنبر 2021، ملف الفاعل الحقوقي والنقابي، لكبير قاشا، المتابع في ملفين اثنين، أحدهما من طرف الرئيس السابق لجمعية مرضى مركز تصفية الدم (الدياليز) والثاني من طرف باشا سابق، وذلك بعد احتجاجه الميداني على فضائح هذا المركز، وما يشوب تسييره من خروقات وشبهات، وقد فات لذات الفاعل المدني، خلال أكتوبر العام الماضي 2020، أن استمعت له الشرطة القضائية بخصوص شكاية مقدمة ضده من طرف باشا سابق، بتهمة “التحريض على التظاهر خلال الطوارئ في زمن كورونا”، في إشارة إلى مؤازرته لوقفة احتجاجية نظمها مرضى المركز المذكور.

وقد سبق لفرع “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، بخنيفرة، أن جدد استنكاره لما وصفه ب “المتابعات الخانقة لحرية التعبير”، معلنا “إدانته الصارخة للمتابعة الكيدية التي لحقت بالناشط الحقوقي لكبير قاشا”، إلى جانب مطالبته ب “الكف عن سياسة التضييق الممنهجة في حق المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، والعمل على صون حرية التعبير تفعيلا للمواثيق الدولية التي وقعت عليها الدولة المغربية”، على حد نص بيان زاد فرأى أنه “عوض فتح تحقيق في وضعية ومالية مركز تصفية الدم، ومحاسبة المتورطين في تبذير المال العام، مهما كانت أسماؤهم ومناصبهم، جرت فبركة التهم الانتقامية في حق المتظاهرين ضد الفساد والمفسدين”.

كما فات لفرع ذات الجمعية الحقوقية أن شدد على أن هذه الجمعية لم تقم إلا بدورها عبر “الوقوف إلى جانب مرضى القصور الكلوي، وفضح الاختلالات والتجاوزات الخطيرة التي يعرفها مركز تصفية الدم”، و”عوض قيام الجهات المعنية بفتح تحقيق مستقل ونزيه فيما يجري بهذا المركز، ماليا وإداريا وطبيا، وفي انتهاكات حق المرضى في الحياة، اختار باشا المدينة فتح المحاضر للمدافعين عن حقوق الإنسان بغاية ترهيبهم وإخراسهم”، بحسب البيان الذي لم تفته الإشارة إلى أن هذا الباشا فات له، في لقاء سابق، أن تقاسم مع أعضاء الجمعية وممثلين عن المرضى، معلومات مهمة تتعلق بالمركز، وأشاد بدور الجمعية في هذا الملف”.

ويذكر أن مسؤولي مركز تصفية الدم ظلوا، إلى وقت قريب، في مواجهة نداءات المحتجين بمحاولات إبقاء هذا المركز “شأنا داخليا” أو “منطقة خضراء”، يمنع على أي محقق الاقتراب منها”، علما أنه لا عيب في محاسبة المركز، ومساءلته بخصوص ما كان يضخ في حسابه من أموال ومنح ومساعدات باهظة جدا، فضلا عما سبق للشرطة القضائية التحقيق فيه، بعد اتهامات للمركز ب “اختلاس” الملايين من مالية الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، المعروف اختصارا بـ (كنوبس cnops)، والتي فاحت رائحتها في وقت سابق، ولم يقف المتتبعون على ما أسفرت عنه التحقيقات في هذا الملف، ولا هوية المتورطين المحتملين وراءه.

وكانت عناصر الشرطة القضائية قد قامت، في أوقات سابقة، بمداهمة مقر المركز، بتعليمات صادرة عن الوكيل العام لدى استئنافية مكناس، ووضعت يدها على وثائق إدارية ومالية، كما حملت معها ملفات طبية تتعلق برجل تعليم مصاب بالقصور الكلوي، كان وراء اتهام مسيري الجمعية بالتلاعب في ملفات المرض والتحملات الطبية للمنخرطين، عن طريق الاستفادة من تعويضات مالية من صندوق “الكنوبس” لقاء حصص علاج غير حقيقية، من خلال تأكيده بأنه لم يخضع لأية حصة منذ 2008، في اتهام واضح للجمعية المسيرة للمركز باستعمال اسمه وملفه، من 2009 إلى 2014، في “اختلاس” أموال الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس).

وإذا كانت الجهات المسؤولة تطفئ اهتمامات الشارع بالبحث عمن يقود الجمعية المعلومة، فإن غالبية المتتبعين ظلت تصر على ضرورة افتحاص مالية الجمعية، والتدقيق جيدا في ما تقدمه من وثائق مالية، وفي ملابسات تضخيم كلفة حصص تصفية الدم بغاية حجب الهدر المالي، وحقيقة تكاليف صيانة وإصلاح الآلات الخاصة، وفي موضوع سيارة المصلحة التي بيعت مقابل اقتناء أخرى مستعملة، وأيضا في خلفيات عدم إدراج مساهمة وزارة الصحة والمبادرة الوطنية ضمن التقرير المالي لعام 2017، وهو نفس مطلب “شهود من أهلها” في شخص أعضاء من الجمعية تقدموا لعامل الإقليم بمراسلة حبلى بالأرقام في الموضوع.

وسبق لمصادر عليمة الكشف عن وثيقة استقالة، قدمها الدكتور ع. ل.، بصفته نائبا أول لرئيس هذه الجمعية، دون أن يصدر عن الجمعية أي تفسير أو توضيح رسمي، رغم أن استقالة المعني بالأمر من جمعية المركز كانت مفاجئة، وكم بلغت الأزمة بالمركز إلى حد تفجر فضيحة عدم أداء المركز لمستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لأزيد من نصف سنة، وإثرها عمد الطبيب رئيس الجمعية المسيرة للمركز إلى إرغام المستخدمين على القبول بخصم ثلاثة أشهر من نظام أجورهم بمبرر تسديد ما بذمة المركز من متأخرات لفائدة الصندوق المذكور، والبالغة حوالي 70 مليون سنتيم، الأمر الذي واجهه المستخدمون بالاستنكار نظرا لأوضاعهم الاجتماعية المزرية.

وفي كل جلسة يمثل فيها لكبير قاشا أمام ابتدائية خنيفرة، تجري متابعة فاعلين مدنيين آخرين، عبدالعزيز أمزاز وبوشرى البوزياني، بناء على دعوى مرفوعة ضدهما من جانب طبيبين بالمركز الاستشفائي بتهمة “السب والقذف والإهانة والإساءة والتشهير”، عبر تدوينات تعبر عن رأيهما في ما تعانيه أقسام معينة بالمستشفى المذكور من أزمات وأوضاع مزرية، إلى جانب ما يقوم به بعض المحسوبين على البذلة البيضاء من تهريب منظم لمرضاهم نحو المصحات الخاصة، فيما أشارت إحدى التدوينات إلى عجز إدارة المستشفى الإقليمي عن صيانة جهاز للكشف بالصدى بسبب إصرار طبيب مختص على رفض عملية الصيانة لأجل تحويل مرضاه لإحدى المصحات.

وبينما استجابت المحكمة الابتدائية لطلب الدفاع بإرجاء البث في المتابعات المذكورة إلى يوم الخميس 17 فبراير من العام المقبل 2022، سجلت الجلسة تطوع عدد من المحامين، من هيئات الرباط وخريبكة وخنيفرة، قدموا لمؤازرة المعنيين بالأمر، فيما نظم عدد كبير من الفاعلين في المجال الحقوقي والسياسي والنقابي والجمعوي، وقفة تضامنية بمحيط مبنى المحكمة، إلى جانب نشطاء في الحراك المجتمعي وثلة من مرضى القصور الكلوي، لتتحول الوقفة إلى “محاكمة رمزية” لما أضحى يتعرض له الحق في الرأي والتعبير والتظاهر السلمي بالإقليم، خلال السنوات الأخيرة، ذلك في انتظار ما ستجره التحقيقات من رؤوس أخرى بمركز تصفية الدم.