شعلة خنيفرة تفتح نقاشاً عمومياً حول السؤال الثقافي ودور الجماعات الترابية في تنمية الثقافة؟

0
  • أحمد بيضي

انطلاقا من كون الجماعات الترابية شريكا أساسيا في تنمية الفعل الثقافي، ومعنيا بمخططات وبرامج ومشاريع النهوض بهذا الفعل، انخرط فرع خنيفرة ل “جمعية الشعلة للتربية والثقافة”، عشية الجمعة 12 نونبر 2021، في “الحوارات” التي أطلقها مكتبها المركزي في موضوع: “أي دور للجماعات الترابية في تنمية الثقافة محليا”، وضمن هذا الإطار احتضن المركز الثقافي أبو القاسم الزياني ندوة بمثابة أرضية لفتح نقاش موسع مع مختلف المهتمين بالشأن الثقافي محليا، من منتخبين وفعاليات ثقافية وسياسية وجمعوية.

ندوة “شعلة خنيفرة” جرت بمشاركة الفاعل المدني، محمد جمال المالكي، والباحث في التراث الثقافي، المصطفى فروقي، ونائب رئيس جماعة خنيفرة، محمد لعروصي، حيث تم افتتاح أشغال اللقاء بكلمة لعضو المجلس الإداري لجمعية الشعلة، إدريس شرقني، واضعا فيها الحضور في دواعي اختيار موضوع الندوة، انطلاقا من الحوارات التي تقوم بها جمعية الشعلة بهدف تشخيص إكراهات وانتظارات الفعل الثقافي، دون أن تفوته الإشارة إلى أن هذه الحوارات تأتي في سياق اتفاقية شراكة بين المكتب المركزي للجمعية ووزارة الثقافة.

أما مندوبة الفرع المحلي لجمعية الشعلة، إلهام النقاش، فلم يفتها إبراز موقع الندوة المحلية ضمن مشروع الحوارات الوطنية التي فتحتها الجمعية ضمن رهان “50 ندوة – 50 مدينة”، على أعتبار كون النقاش حول التنمية الثقافية، في أبعادها الشمولية، هو الباب الأمثل لغد أفضل وأفق من التغيير المجتمعي، فيما أوضح الفاعل الشعلوي/ محمد بريان، في ورقة له، ما تروم إليه حوارات الشعلة من ترافع بشأن راهنية حقيقية للفعل الثقافي، وما يستلزمه الأمر من مبادرات شجاعة ونقاشات محرجة من باب تفكيك الأسئلة العالقة زمكانيا وسيكولوجيا وسوسيولوجيا.

ومن جهته، افتتحت أوراق الندوة بمداخلة نائب رئيس الجماعة، محمد لعروصي، الذي استعرض تصورات وأفكار ما وصفه ب “المجلس الجديد”، وما يسعى إليه هذا المجلس من “مشاريع ثقافية مستقبلية تحكمها تعاقدات وارتباطات مالية، وكذلك من دعامات تتعلق بتوسيع العرض الثقافي على مستوى المدينة خلال الست سنوات المقبلة”، ومن ذلك إيلاء ما ينبغي من العناية اللازمة بالتراث الثقافي، عبر مجموعة من الأعمال، في مقدمتها “متابعة وتفعيل مشروع إعداد مركز للتعريف بالتراث الثقافي لموقع فازاز الذي قطعت فيه وزارة الثقافة أشواطا كبيرة”.

وفي ذات مداخلته، قال محمد لعروصي أن جماعته “ستنفتح على المحيط الجامعي في أفق بلورة مشاريع علمية تعنى بدراسة وتثمين مكونات التراث المحلي”، علاوة على “دعم المشاريع الثقافية ذات الصلة بمعية مختلف الشركاء والمتدخلين والجمعيات والتنظيمات المدنية، ثم متابعة وأجرأة مشاريع ترميم كل من قصبة موحى وحمو الزياني والقنطرة الإسماعيلية، وإحداث قاعة للمسرح، والعمل على خلق نقط عمومية جديدة للقراءة”، فضلا عن الانفتاح على الجمعيات الفاعلة في الميدان الثقافي ومشاريعها.

أما الباحث في التراث الثقافي، المصطفى فروقي، فانطلق في ورقته مما “تلعبه الثقافة من دور كبير في إنماء الإنسان، ليدخل في صلب الموضوع من زاوية السؤال المشروع: أي دور للجماعات في تنمية الفعل الثقافي؟، وكذا من تدقيق “موقع الشأن الثقافي على خريطة اختصاصات هذه الجماعات في ظل ما ينص عليه الدستور المغربي”، وما أسداه المشرع للجماعات، والمجالس الإقليمية والجهوية، من صلاحيات تهم المجال الثقافي وحماية التراث والمشاركة في أنشطة المنظمات المهتمة بالشؤون الثقافية المحلية.

وصلة بالموضوع، ركز المصطفى فروقي، في مداخلته القيمة، على أهمية تدبير الشأن الثقافي، وتشخيص حاجياته وانتظاراته، من خلال الملامسة الضرورية للجواب عن سؤال موقع الفعل الثقافي ضمن اختصاصات واهتمامات الجماعات بذلك، وما يجب اتخاذه من تدابير، وما مدى تفعيل التشارك والتعاقد، وتنزيل ما يهم تنمية الثقافة والتراث والبنيات التحتية، وترميم المآثر التاريخية والحفاظ على الموارد الطبيعية، وطرق توزيع الاعانات على الجمعيات، مع الالتزام بما اتفق عليه المغرب من اتفاقيات والتزامات دولية.

ولم يفت فروقي بالتالي تفكيك اختصاصات الجماعات في ما يتعلق بالشأن الثقافي، عبر تقسيمها إلى أقطاب تهم البنيات التحتية (المسارح، المراكز الثقافية، المعاهد وغيرها)، والتنشيط الثقافي وحماية التراث وما يحيط به، والارتباط الوثيق باتفاقيات اليونسكو وما تنص عليه من بنود تهم حماية وتعزيز التنوع الثقافي، والمساعدات التي تقدم للجمعيات المهتمة بالعناية بالتراث المادي، فيما عرج ذات المتدخل نحو الإشارة لما تم إنجازه بخنيفرة من مهرجانات ثقافية وفنية وغيرها من التي عرفت انقطاعات، فضلا عن مشاريع تم الدخول في إنجازها.

وبدوره، تطرق الفاعل المدني، محمد جمال المالكي، ل “الدور الأساسي الذي تلعبه المعاني الحقيقية للمفاهيم المرتبطة بشتى المجالات الثقافية والحقوقية”، ولضرورة تحديث المنظومة القيمية لهذه المفاهيم، قبل ولوجه لصلب موضوع ورقته المتعلقة بمفهوم الديمقراطية التشاركية، و”مدى مساهمتها في صنع القرار، عن طريق التفاعل مع الجهات المعنية والجماعات المحلية، وكذا الدور المنوط بالمواطن في صنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام”، من باب تكميل وتتميم الديمقراطية التمثيلية.

وعلى هذا الأساس أبرز محمد جمال المالكي كيف أن “الديمقراطية التشاركية والمواطنة أصبحتا من الروافد والركائز الأساسية في المغرب”، محللا ذلك على ضوء مجموعة من البنود الواردة في الدستور بالنسبة للديمقراطية التشاركية، ليتطرق للهيئات التشاورية التي جرى إحداثها بالمجالس المنتخبة، والمعيقات التي تعترضها أحيانا نتيجة سوء التدبير أو غياب الديمقراطية التشاركية، كما لم يفت المتدخل استعراض معيقات الديمقراطية التشاركية، ودور الملتمسات والعرائض الشعبية في ترسيخ هذه الديمقراطية عبر استدلاله بنماذج مختلفة.         

وتفعيلا لبرنامج “الحوارات”، تم فتح باب النقاش للحاضرين في الندوة، حيث تفاعل مجموعة من الفاعلين بآرائهم التي حملت عدة تصورات وتساؤلات من قبيل: ماهي المعايير التي تعتمد عليها الجماعات في تشكيلة الهيئات التشاورية؟، لماذا تخضع المهرجانات لأهواء بعض رؤساء الجماعات؟، متى سينجح ممثلو إقليم خنيفرة، جهويا وبرلمانيا، في تحقيق انتظارات هذا الإقليم؟، ماذا أعددنا لإقليم خنيفرة ليستحق لقب عاصمة زايان؟، وكيف نتحدث عن الشأن الثقافي بإقليم يفتقر لمندوبية للثقافة وتندثر مآثره وموروثاته الثقافية؟.

كما حملت تدخلات أخرى ما يتعلق بجدلية الثقافي والسياسي، وكيف ينتهي احتواء السياسي للثقافي بإبقاء الأمور على حالها؟، فيما توزعت تساؤلات الحاضرين بين عدة أسئلة قوية من قبيل: هل الجماعات تتوفر على أشخاص يؤمنون بالفعل الثقافي؟، إلى متى سيظل المنتخبون يضعون الشأن الثقافي في آخر الأولويات والاهتمامات؟، ما موقعنا في الألفية الثالثة التي صارت فيها الثقافة شاملة وغير مقننة فقط في قراءة الكتب؟، وعن أي ثقافة نتحدث ونحن في “مستنقع مدني” وأمام المآت من الجمعيات التي تنتحل صفة الثقافة؟.

أسئلة أخرى تم طرحها في فضاء الندوة، ومنها ما يتعلق بالمنح التي تتلقاها بعض الجمعيات بأشكال غير مستحقة؟، وكيف أن الهوية الثقافية ستظل مستمرة عكس باقي الهويات التي تتغير كالاقتصادية والاجتماعية مثلا؟، ومدى حاجة صناعة الثقافة لمشروع بديل أو رؤية مشتركة على أساس تعاقدي وليس على منوال كل صيحة في واد؟، متى يمكن تشخيص مسؤول للواقع الثقافي للتمكن من إقلاع حقيقي؟، وبينما أشار البعض لغياب ثقافة الاعتراف، شدد آخرون على ضرورة بلورة مضامين أشغال الندوة وتنزيلها إلى أرض الواقع.

ومن خلال ردود المشاركين في الندوة، كشف نائب رئيس الجماعة، محمد لعروصي، عن 80 جمعية “تقاضت حوالي مليون درهم دونما أية حصيلة مطلوبة، ما جعل الجماعة تفكر في تقليص عدد الجمعيات المستفيدة إلى حدود الجمعيات المعطاءة”، مشيرا، حسب قوله، إلى وجود اتفاقيات سيجري تفعيلها لاحقا، أما الفاعل المدني، محمد جمال المالكي، فأعرب عن حنينه لزمن انتج التزامات وتظاهرات لم يكن متوقعا أن تختفي فجأة، فيما اكتفى الباحث المصطفى فروقي بالتأسف على دور المثقف الذي أصبح ثانويا بإرادة المنظومة الاستهلاكية.