عبد السلام المساوي يكتب عن عاصمة الشرق.. “واجب على وجدة أن تشكر صاحب الجلالة”

0

عبد السلام المساوي

حاضرة وجدة هي عاصمة لجهة تمتاز بحمولة تاريخية حضارية ثقافية قوية قد يصعب اختزالها في تصور أو مخطط حضري، هي بحق مدينة الألفية كما تنعت بذلك ولكن قد لا تظهر شيخوختها للعيان عبر معالمها أو تراثها أو معمارها أو هندستها. هي بنت ألفية تاريخية يشهد معمارها تقلبات الأعقاب التاريخية، ليست كشبيهتها من بعض المدن كتاب مفتوح للتاريخ يقرأه الزائر ببساطة. هي حاضرة تخفي ماضيها محتشمة في إظهار رصيدها الحضاري، حمولتها التراثية والثقافية.
مدينة وجدة فريدة كذلك من حيث تداخل مدينتها العتيقة مع البناء والتعمير الاستعماري، مدينة فقدت أبوابها وتحطم الجزء الكبير من أسوارها، واختلطت فيها العمارة العتيقة والهندسة الأوربية.
لقد تختلف قراءة المعمار عن غيره بوطننا بفعل هذا التداخل واختلاط الأنواع والأشكال المعمارية والهندسية ويصعب التفاعل مع هذا المنعطف الفريد.
حاضرة وجدة تبدو فريدة كذلك من حيث نمط معمارها المتفرع، المتوسع ، المتشتت، تفقد التناسق الحضري، تجهل وترفض البنايات العالية. يطبعها مزيج من الأشكال والأنواع الهندسية وخليط من الألوان يغلب فيها الذوق الفردي على المنطق العمومي.
مدينة ربما تناست فرض الضوابط والأحكام وقوانين التعمير التي تضمن المشهد العام وتحمي التراث وتحافظ على الملك العمومي وتضفي الجمالية على المعمار وتشجع على الابتكار والتجديد والفن.
مدينة وجدة تبدو متناقضة، هي في آن واحد حاضرة جميلة ومدينة تشوبها الكثير من العيوب. مدينة بسيطة وفي نفس الوقت صعبة ومعقدة في تناولها وقراءتها وتحليلها العلمي التقافي الحضاري، مدينة فريدة ومتعددة، موحدة ومتنوعة، ومفتوحة ومنغلقة ، واسعة وخانقة، حاضرة مركبة تتداخل فيها الأعمار والأشكال والأنواع المعمارية والأنماط والمرجعيات الهندسية. مدينة وجدة مدينة تطبعها الجغرافيا بتضاريسها الوعرة والجبال الجميلة المحيطة بها والوديان التي تشكلها وتعبر جسمها بمنطق الرفض والتجاهل لأجمل ما ابدعته الطبيعة.
كمثيلاتها كذلك راكمت مدينة وجدة في العقود السابقة اختلالاتها في نسقها وتعميرها ومعمارها واحيائها وهندستها ووظائفها وساحاتها وحدائقها ونمط العيش من جراء الاكراهات والارهاصات وتداعيات التزايد الدموغرافي وقوة الهجرة من الأرياف وضغط الطلب عن السكن والمرافق الحضرية والبنيات الأساسية، واكراهات قابلتها لزمن عمر طويلا كغياب اليات التخطيط الحضري وقلة المهنية في التصور والتخطيط والتدبير المجالي وافتقاد الامكانيات والوسائل المادية والتقنية.
كسائر المدن المغربية والحواضر الكبرى فرض التعمير على عاصمة الشرق بدل التحضير له خاضعة لثقل وكبرنموها الحضري لمدة عقود بدل التخطيط له والاستعداد لاستقبال الاحياء التي تفرعت بالشكل العشوائي والطابع القروي الذي تعرفه اليوم مدينة عمرها طويلا منطق الفوضى غير المتحكم فيه بدل مبدا النظام ، نتج عنه تشتت أجزائها، فقدان وحدة وانسجام نسقها، توسع تعميرها، تفرع احيائها، تنوع مظهرها، اختفاء معالمها، اهمال تراثها، اختناق مركزها وأسواقها، افتقاد زينتها. استهلاك مفرط لعقارها، ارتفاع مهول لكلفة تدبيرها، العناء اليومي لساكنتها.
تفتقد حاضرة وجدة كذلك الى وجود مشروع حضري يرتكز أساسا على كل هذه المرجعيات، مشروع موضوعي وطموح يخطط لمستقبل هذه المدينة الأصيلة المتأصلة.
مدينة لها ماض عريق تتطلع الى مستقبل زاهر من موقعها المتميز كبوابة المغرب الكبير واحتلالها موقعا استراتجيا في حوض البحر الأبيض المتوسط ….
بداية التحول التاريخي
لقد كان الخطاب الملكي السامي ليوم 18/3/2003 نقطة تحول أساسية في مسار الجهة الشرقية عموما ومدينة وجدة على الخصوص لانه سطر خارطة الطريق وبرنامج عمل لتنمية شاملة لهذه الربوع. وبالفعل اصبحت الجهة بفضل الرعاية الملكية تعرف دينامية حقيقية ونهضة تنموية بكل أبعادها.
وباعتبارها عاصمة الجهة كانت وجدة بطبيعة الحال في صلب هاته الحركية ومن ضمن الحواضر الكبرى التي تحظى باهتمام خاص ورعاية شخصية من جلالة الملك محمد السادس نصره الله لتلعب دور القاطرة الذي يريده منها جلالته.
ولقد كانت وجدة من المدن الأولى التي حظيت بأكبر مشروع للتأهيل الحضري في المغرب والتي ترأس جلالة الملك نصره الله بنفسه توقيع الاتفاقية لانجازه بغلاف مالي قدره مليار ونصف مليار درهم، هو مشروع شامل جامع يهم التعمير وتهيئة المجال وتحسين الإطار الهندسي والتجهيزات الأساسية والتطهيرو الكهرباء والإنارة العمومية والبنية الثقافية والرياضية والاجتماعية.
إن هذا المشروع الملكي يهدف إلى رد الاعتبار لحاضرة وجدة بإبراز حمولتها الحضارية، والحفاظ على تراثها الحضاري وتحسين البنيات والشبكات التحتية فيها، وتهيئة نسيجها المعماري وتطوير إنتاجها الهندسي، وإعادة هيكلة النسيج التجاري، والتخفيف من حدة ضغط السير والجولان وإضفاء الجمالية على مداخل المدينة والشوارع والساحات والأحياء والحفاظ على البيئة وتطوير الأغراس والمساحات الخضراء، والدفع بالتنشيط الرياضي والتقافي الفني وتحسين ظروف الأجزاء الهامشية من المدينة ومن الساكنة، والبحث الجاد والمستديم على تحقيق كل ما من شأنه أن يظهر مدينة وجدة في أبدع وأجمل حلتها.
وجدة في عهد محمد السادس
هنا وجدة.. هنا التاريخ وحتما المستقبل.. هنا وجدة التي تشهد ثورة عارمة، ثورة حضرية وحضارية، اقتصادية واجتماعية، ثقافية وفنية .. ثورة غيرتها شكلا ومضمونا، ثورة ارتقت بها من وجدة/ القرية إلى وجدة / المدينة.. فعلا أصبحت وجدة مدينة تذكرت تاريخها وأمجادها… انتفضت على القبح والفوضى وعانقت الجمال والتناسق، ودعت الارتجال والعشوائية، وانخرطت في التخطيط والاستراتيجية، تحررت من الظلام والعتامة، فدخلت عالم الضوء والشفافية.
حقا أصبحت وجدة مدينة حية… خافت أن يأتيها الموت فيجدها ميتة لذا قاومت السنوات العجاف وتحدت الظلم والتهميش. جاء العهد الجديد وزارها محمد السادس فوجدها عجوزا تحتضر، فقدت جماليتها وبهاءها، جاذبيتها وإغراءها… معالمها العمرانية شوهت وآثارها دمرت… حقولها اغتصبت وبيئتها مسخت… وسطها شوه ومحيطها قرصن.. وجدها الملك عجوزا تحتضر لكنها متشبثة بالحياة. من هنا كان الخطاب الملكي في 18 مارس 2003 الذي زرع الحياة في وجدة، أعاد إليها شبابها بل أعلن ميلادها من جديد… وتوالت الزيارات الملكية، حبلى بالمشاريع وغنية بالتدشينات، حضور ملكي دائم عنوانه تنمية عاصمة الجهة الشرقية.
لقد كانت وجدة من المدن الأولى التي حظيت بأكبر مشروع للتأهيل الحضري في المغرب .
إن مشروع التأهيل الحضري لوجدة يدخل في إطار مشروع أشمل وأجمع واكبر، وهو مشروع تأهيل المنطقة ككل، وعندما نتحدث عن تأهيل مدينة وجدة فهذا يعني إعطاءها شروطا لتحسين وتقوية قدراتها لتصبح قاطرة تجر القطب الاقتصادي الجديد، ويعني كذلك أجوبة لتصحيح بعض الاختلالات المجالية والاجتماعية والاقتصادية.. ان مشروع التأهيل الحضري لوجدة ليس مجموعة من المشاريع المتقطعة وغير المندمجة، أو هو فقط مشروع للتصحيح المجالي… إن مشروع وجدة هو مشروع مدينة.
في منظورنا للمدينة، نبحث عن مواطن القوة، ومكامن الضعف فيها، ونسأل عن وظائفها داخل القطب الجهوي، وفي فضائنا الوطني، والصعيد الجهوي والدولي، كما نحدد دورها السياسي، والوطني والاقتصادي والمجالي، والحضري…
أثناء التفكير المعمق حول تاريخ وحاضر ومستقبل مدينة وجدة نقف على قناعة مفادها أن أول ما يبدو للمرء، لما يقوم بهذه القراءة لمدينة وجدة قبل المشروع الملكي، بأن وجدة زاغت عن دورها وعن واقعها وعن تاريخها باعتبارها مدينة تاريخية ومن المدن الفريدة المتوفرة على موقع جيوستراتيجي قوي: مطلة على البحر الأبيض المتوسط، في عمق المغرب العربي من الجهة الأخرى، مطلة على جنوب الصحراء، لها موقع متميز داخل الوطن، وهي مكونات تعزز قوتها التي كان من الممكن أن تجعل مدينة وجدة تحتل مكانة أكبر وأفيد وأهم.
وجدة لها حجم ديموغرافي، وتحتل موقعا جهويا يشكل إحدى مواطن قوتها، لكن كما يلاحظ المواطنون عرفت المدينة تراجعا في مكانتها داخل الحاضرة الوطنية والجهوية، وعليه فإن المنطق كان يفرض تصحيحا لهذا الوضع.
إن المشروع الكبير لتأهيل مدينة وجدة يدخل ضمن المشاريع الكبرى التي تعرفها الجهة الشرقية والتي كانت انطلاقتها مع التحول التاريخي الذي أسسه الخطاب الملكي يوم 18 مارس 2003 لأنه لا يمكن أن نخلق قطبا اقتصاديا بالجهة الشرقية دون أن تكون لهذا المشروع الكبير قاطرة لهذا التحول الكبير الذي تعرفه الجهةالشرقية.
من هنا يحق لوجدة بل واجب عليها أن تشكر جلالة الملك، فبإرادته ودعت التخلف والركود، التهميش والجمود، الإقصاء والجحود.. بإرادته تحررت من الرداءة والعطالة، القبح والرتابة، البؤس والتعاسة… واجب على وجدة أن تشكر محمد السادس فبفضله استرجعت حب أهلها وعشق زوارها… واجب على وجدة أن تشكر صاحب الجلالة لأنه أهلها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا… وواجب عليها أن تشكر صاحب الجلالة لما شرفها وشرف أهلها بخطاب تاريخي مباشر، وترأس فيها مجلسين للوزراء واستقبل فيها رئيس الحكومة الاسبانية سابقا “ثباتيرو” فمنحها اعتبارا سياسيا، والآن يحق لوجدة أن تباهي المدن المغربية الكبرى وتفتخر بهذا التشريف الملكي، وجدة فعلا عاصمة.
واجب على وجدة أن تشكر صاحب الجلالة وتشكر الذين يعملون بجد وإخلاص لتجسيد الإرادة الملكية في الواقع والميدان، يجتهدون ويبدعون وقبل ذلك يحرصون على تنفيذ التوجيهات الملكية.
التدبير الحضري لمدينة وجدة: تعاقب الأغلبيات والعمال/ الولاة
إن تقييم التدبير الحضري لمدينة وجدة، يقتضي بالضرورة أخذ عاملين بعين الاعتبار، طبيعة الأغلبية المسيرة للجماعة الحضرية وشخصية رئيسها من جهة، ثم سياسة وشخصية والي الجهة الشرقية عامل عمالة وجدة انكاد من جهة أخرى، لذلك فإن كل تأمل علمي في الموضوع ينبغي أن يراعي دور هذين العاملين بما لهما من تأثير واسع على تطور مدينة وجدة باعتبار موقعها ودورها الاستراتيجي.
وإذا كان المقام هنا لا يسمح باستحضار جميع المحطات وكل التفاصيل، فإننا سنحاول إبراز بعض التوجهات التي طبعت التدبير الحضري لمدينة وجدة، ولازالت بصماتها واضحة لحد الآن.
إن الرجوع إلى بداية الثمانينات يكشف لنا أن الناخب الوجدي جرب جميع أنواع الأغلبيات: مجلس اتحادي، مجلس استقلالي ثم مجلس للأحرار وحتى عند خلق ثلاث جماعات بالمدينة تنازع الأحرار والإسلاميون لتستقر الأمور للأحرار بصفة عامة..
وبالموازاة مع هذه الأغلبيات وهؤلاء الرؤساء، تعاقب على عمالة وجدة عدة عمال لكل منهم شخصية مختلفة.. ويمكن هنا أن نشير إلى أن ما يجمع كلا من بوفوس، أفود، المذكوري الصبار هو المقاربة الأمنية بدرجات مختلفة من عامل لآخر، أما المقاربة التنموية فقد كانت شبه غائبة… أما المنتخبون فقد كانوا منشغلين عن هموم المدينة بالصراع حول رئاسة المجموعة الحضرية. فلم يقدموا للمدينة أي شيء يذكر. لقد شكل عدم استقرار “الأغلبيات” داخل الجماعات الحضرية عاملا معيقا على مستوى التسيير، خاصة جماعة سيدي إدريس القاضي، ويكفي التذكير بتعاقب كل من عمر لزعر، بيبودة، ثم محمد توفيق على الرئاسة وتعاقب كل من الناجم وبولويز وحدوش على رئاسة المجموعة الحضرية… نتحدث هنا عن المرحلة ما قبل الزيارة الملكية التاريخية لوجدة في مارس 2003. وهي المرحلة التي انصرف فيها الولاة العمال والمنتخبون عن الانشغال بآلام وأمال وجدة وساكنتها إلى الانشغال بأمور أخرى، أمنية عند البعض وشخصية عند البعض الآخر…
إن الخطاب الملكي التاريخي بوجدة كان في عهد الوالي حميد حمدي، وكان لخضر حدوش رئيسا للجماعة الحضرية.. لم تتحرك وجدة ولم تنطلق المشاريع والأوراش.. والمعروف عن الوالي حمدي عشقه للاجتماعات، فبين اجتماع واجتماع اجتماع، وعدم جرأته إن لم نقل عدم قدرته على مباشرة الملفات الكبرى.. طبعا الثنائي (حمدي / حدوش) كان متفاهما ولكن هذا التفاهم لم يفد مدينة وجدة في شيء.
وكان لابد من انتظار تعيين الوالي العامل محمد ابراهيمي لتفتح الأوراش وتنطلق المشاريع. وكان انطلاق المشروع الكبير لتأهيل مدينة وجدة حضريا وانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية… ويمكن القول بأن محمد ابراهيمي كان محظوظا، محظوظا لأن المرحلة التي تحمل فيها المسؤولية هي مرحلة الاعتمادات الضخمة، ومحظوظا لان لخضر حدوش رئيس الجماعة الحضرية تنازل عن كل اختصاصاته وفوضها للوالي العامل، فهو “الرئيس الذي لا يقول “لا أبدا” على حد تعبير محمد ابراهيمي في إحدى الاجتماعات.. ويسجل الجميع أن وجدة في عهد هذا الوالي، أصبحت عبارة عن و رش مفتوح، مفتوح على الانجازات وعلى الإختلالات.
بعد فترة محمد ابراهيمي تم تعيين عبد الفتاح الهومام واليا للجهة الشرقية عاملا لعمالة وجدة انجاد، فترة الهومام اقل ما يقال عنها أنها فترة للنسيان، إنها فترة عطالة، وإذا كان الوالي العامل شاردا فان عمر احجيرة رئيس الجماعة الحضرية كان منشغلا بتثبيت رئاسته، استنزفته الصراعات داخل المجلس فنسي انتظارات وجدة وساكنتها، وقد تكونت، نتيجة لهذا الوضع، قناعة لدى الوجديين مفادها أنه عندما يغيب الوالي، كما هي حالة الهومام” ويتخلى عن مهامه لأسباب أو أخرى ينكشف قصور الأغلبية ورئيسها.
وكان تعيين محمد امهيدية واليا عاملا قيمة مضافة للمدينة، رجل الميدان بدينامية فعالة ، وبعد تمهيدية يحظى معاذ الجامعي بثقة جلالة الملك ؛ عامل _ والي يشتغل بهدوء وحكمة ، يكره الصخب والضجيج …وما زال رئيس الجماعة الحضرية توفيق حجيرة رهينة خطيئة صفقة الرئاسة مع البام