المدينة الجديدة تامسنا.. حاضرة تراهن على التضامن المجالي والاجتماعي

0

بشرى أزور

تنخرط المدينة الجديدة تامسنا ضمن دينامية ترابية تروم توفير بديل عمراني مستدام يساهم في التخفيف من الضغط المتزايد على التجمع الحضري الرباط – سلا – تمارة. الهدف الأساس يتمثل في إحداث بنية مندمجة ودامجة.

تتوفر هذه النواة الحضرية، التي تتطور بجوار تجمع عمراني هام، على عدد من المؤهلات الطبيعية والجغرافية فضلا عن القرب من التجمعات الحضرية المحاذية (على بعد 8 كلم من عين عتيق و20 كلم عن الرباط و15 كلم عن الصخيرات)، وتعدد طرق الربط بمحيطها القريب، إلى جانب تطوير منطقة صناعية وعدد من المرافق المنجزة أو قيد الإنجاز.

وباستثمار إجمالي مرتقب، على المدى الطويل، تبلغ قيمته 21 مليار درهم مع استكمال أشغال هذا الورش الكبير (1.7 مليار درهم خصصت لأشغال التهيئة)، تطمح المدينة لأن تشكل قاطرة للتنمية، ضمن مقاربة ركيزتها الأساس تضامن مجالي واجتماعي يسعى لتقليص التفاوتات وتحقيق الدينامية الاقتصادية.



++ رهان الإدماج والاندماج.. حاضرة في خدمة التضامن المجالي والاجتماعي ++

يوضح المدير العام المساعد لمؤسسة (العمران تامسنا)، عبد الحكيم زيدوح، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المدينة تقدم بديلا حضريا للتوسع العشوائي الذي يمكن أن يشهده التجمع العمراني الرباط-سلا-تمارة، من خلال التحكم في طبيعة هذا التوسع وفي نسبة التساكن، كما أنها ساهمت في كسر نمطية التوسع العمراني على امتداد الشريط الساحلي، مما يمكن من تقليص العديد من الإشكاليات التي يشهدها هذا المجال.

وبما أن المدينة تدخل ضمن برنامج حكومي، فإن جميع المتدخلين المؤسساتيين اضطلعوا بدور في هذا الإطار، لتمكين الورش الجديد من سد حاجيات طلب السكن، وفي الوقت نفسه إدماج المحيط الحضري.

وأبرز المتحدث أن المدينة التي تمت مواكبتها من خلال التصميم الوطني لإعداد التراب، تندرج ضمن سياسة استباقية لاستشراف الحاجيات في مجال التعمير، بغية تخفيف الضغط الديمغرافي المتزايد، دون أن تشكل نسيجا هجينا.

فحتى لا تكون هناك قطيعة مجالية وبهدف إتاحة ربط المدينة الجديدة بنواة الجماعة الترابية المحاذية، ويتعلق الأمر هنا بالمركز الحضري سيدي يحيى زعير، عملت إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة على ضخ 68 مليون درهم لإعادة تأهيل سيدي يحيى زعير. كما أن المدينة تساهم بشكل كبير في توفير الموارد المالية للمركز الحضري.

تحقيق الاندماج يمر أيضا عبر شبكة الربط الطرقي التي تربط المدينة بمحيطها، في أفق تعزيز هذه الشبكة بواسطة وسائل نقل جديدة ومبتكرة تساهم في تطوير الحركية المستدامة.

وتشمل هذه الشبكة الطرقية القائمة عددا من المحاور الطرقية الإقليمية، إلى جانب الطريق المدارية التي تربط المدينة بالطريق السيار، مما يساهم في ضمان الولوجية وتسهيل استقطاب الفرص الاقتصادية الواعدة.

على الصعيد الاقتصادي، يلاحظ السيد زيدوح أن هناك نموا اقتصاديا خرج اليوم للوجود، فضلا عن العديد من الأوراش التي تعد نتيجة مباشرة للدينامية التي بثها مشروع المدينة في محيطها، سواء القريب أو على امتداد المحاور الطرقية التي تربط المدينة بباقي مكونات التجمع العمراني (سواء في اتجاه الصخيرات وعين اعتيق وتمارة، أو عين العودة، أو في اتجاه الرباط).

وبما أن المدينة تطمح إلى تشكيل نواة حقيقية للأنشطة الاقتصادية، فإن المنطقة الصناعية التي تمت تهيئتها على مساحة 17 هكتارا، تشكل نقطة جذب اقتصادي هامة، حيث تمكن هذه المنطقة من استقبال 38 وحدة صناعية، 7 منها دخلت مرحلة الاستغلال و24 وحدة في طور البناء و7 في طور الترخيص.

++ حصيلة المنجزات في أرقام ++



على مشارف مدينة الرباط، وفي منتصف الطريق بين تمارة والصخيرات، تعد المدينة الجديدة تامسنا المشروع الأكثر تقدما من حيث نسب الإنجاز، مقارنة بعدد من مشاريع المدن الجديدة التي تمت إقامتها بمختلف جهات المملكة، حيث تشكل ملتقى استراتيجيا يربط التجمع الساحلي للعاصمة بامتداده الداخلي.

في هذا الصدد، يعتبر السيد زيدوح أن المدن الجديدة، باعتبارها مراكز صاعدة ذات مؤهلات كبرى، تعد بمثابة مختبرات حضرية لاختبار مختلف المقاربات في مجال التهيئة والتجهيز. ويشير، في هذا الصدد، إلى أن تجربة مدينة تامسنا استفادت من تجارب المدن التي سبقتها في المجال، حيث اتسمت، وعكس تجربة تامنصورت مثلا، بالتأكيد على أهمية تدخل القطاع الخاص، لدى انطلاق الورش، إذ تم إبرام 80 بالمائة من الشراكات مع الفاعلين في القطاع الخاص (في حين أن 20 بالمائة فقط من الفاعلين الخواص مثلا ساهموا في إطلاق تجربة تامنصورت).

ويبرز أن مدينة تامسنا الممتدة على مساحة 840 هكتار، تضم حاليا ساكنة تعدادها 56 ألف نسمة، تتوزع على 23 ألف و249 وحدة سكنية تم إنجاز 73 بالمائة منها من طرف الشركاء. ويتمثل الهدف في استقطاب المدينة ل250 ألف نسمة سيتم إيواؤها ضمن 50 ألف وحدة سكنية. أما على مستوى أشغال التهيئة، التي تتكلف (العمران) بها كليا، فقد صرح المسؤول بأنه تم تقريبا استكمال البنيات (بنسبة إنجاز تقارب 99 بالمائة).

وتطرق المسؤول أيضا إلى مختلف برامج السكن الاجتماعي المخصصة لإعادة إيواء قاطني عدد من الأحياء الصفيحية بكل من سيدي يحيى زعير وتمارة والرباط.

مؤخرا، شهدت المدينة دينامية جديدة عززتها زيارات عدد من الوفود الأجنبية، ومن بينها وفد برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (موئل)، للمدينة بهدف الاطلاع على تجربة المغرب في مجال المدن الجديدة باعتبارها فضاءات عمرانية تساهم في توفير بديل حضري وعمراني يستجيب لشروط متعددة، هدفها الأساس توفير شروط عيش ذي جودة لفائدة الساكنة في محيط مستدام.

وفي هذا السياق، يرى السيد زيدوح أن هذه الزيارات تعطي دفعة قوية لإشعاع المدينة، وتشكل “اعترافا إضافيا بالمجهود الذي تبذله المملكة في مجال التنمية الحضرية”، مذكرا في هذا السياق بأن الزيارتين الملكيتين للمدينة، أولاهما في مارس 2007 لإعطاء انطلاقة المشروع والثانية في 2011، تجسد كذلك اعترافا بأهمية هذا الورش العمراني الكبير.

الجهود الحثيثة لتطوير مرافق المدينة تعززت كذلك من خلال شروع مفوضية جهوية للشرطة بالعمل بالمدينة، والتي تم إحداثها في إطار مواكبة مصالح الأمن الوطني للأقطاب الحضرية الجديدة.



++ الرهان الأخضر.. تثمين المؤهلات++



100 هكتار هي المساحة الإجمالية المخصصة للفضاءات الخضراء بالمدينة، والتي تمت تهيئة أزيد من نصفها.

كمثال على ذلك، وعلى بوابة مدينة تامسنا، يوجد موقع بيئي جد مهم: 80 هكتار من المجال الغابوي. وقد قامت مجموعة (العمران)، بالتعاون مع المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر بتهيئة الغابة الحضرية عبر إحداث فضاءات تشكل إضافة مهمة للعرض الترفيهي الإيكولوجي بالمدينة، تستفيد منها ساكنة المدينة وزوارها.

ويضم هذا الفضاء الغابوي مسارات للنزهة وفضاءات مفتوحة للترفيه ومزاولة الأنشطة، بهدف تمكين الساكنة والزوار من إطار عيش ذي جودة.

تسعى المدينة أيضا إلى استثمار المؤهلات التي تتوفر عليها في هذا المجال، من خلال إقامة عدد الفضاءات الخضراء التي تشكل رئة حقيقية للمدينة ومجالاتها المجاورة، إذ تتوفر المدينة، على الخصوص، على حديقة مركزية تمتد على مساحة 13 هكتار.

وبأحد مداخل المدينة، انسيابية مجالية متفردة، تلك التي تربط مجالين ترابيين متباينين، والمتمثلة في منتزه سيدي يحيى زعير (10 هكتار). هذا الفضاء الأخضر الممتد بين سيدي يحيى زعير ومدينة تامسنا، على منطقة كانت إلى عهد قريب تجمعا لدور الصفيح تمت إعادة إيواء قاطنيه، من شأنه اليوم أن يشكل متنفسا حقيقيا للساكنة.

يضم المنتزه، الذي انطلقت أشغال إنجازه في يونيو 2019 وتم استكمالها مطلع السنة الجارية، فضاء للتزلج (سكيت بارك) وملعبين للقرب وفضاءات للعب والأنشطة مخصصة للأطفال.

وتنخرط المدينة، كذلك يضيف المسؤول بمؤسسة (العمران-تامسنا) في تنفيذ مشاريع تحترم المقومات البيئية، مستعرضا في هذا الإطار توفر المدينة على محطة لمعالجة المياه العادمة وإعادة استغلالها، وهو المشروع الذي تفوق كلفته 160 مليون درهم.

++ رؤية استشرافية لكسب رهانات المستقبل ++



تطمح المدينة الجديدة اليوم، بعد عقد ونصف من انطلاق أشغالها، إلى تحقيق مزيد من الانسجام على مستوى نسيجها العمراني والديمغرافي.

يعتبر المسؤول بمؤسسة العمران أن التحديات التي واجهها هذا الورش الحضري الكبير، فرصة لتعزيز مؤهلات المدينة، مسجلا أن الشركاء المؤسساتيين للورش يشددون على الحاجة إلى رؤية جديدة للاستجابة للحاجيات المتزايدة لمختلف الفئات الديمغرافية، وتشكل الطبقة الوسطى، هدفا أساسيا. ويصبو الفاعلون، في هذا الصدد، إلى تلبية طلب هذه الفئة من حيث عروض السكن المتاحة، وبالتالي ضخ دينامية جديدة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للمدينة.

تتمثل الغاية من هذا المشروع، استنادا إلى تصميم للتهيئة، في تحقيق توازن عمراني وديمغرافي، وبالتالي إعطاء نفس جديد لتطور المدينة، عبر استقطاب فئات اجتماعية متنوعة، والتلاؤم مع تطور طبيعة الطلب. ويشير السيد زيدوح إلى أن إنجاح المدينة لرهان استقطاب فئة مهمة من الطبقة المتوسطة، يمر أساسا عبر توفير بديل حقيقي لهذه الشريحة من المجتمع.

ويكمن التحدي الآخر، يضيف المتحدث، في التفكير بشأن كيفية توسيع المنطقة الصناعية من خلال تصميم للتهيئة يأخذ بعين الاعتبار تحقيق التوازن بين مختلف مكونات النسيج العمراني للمدينة.

ولتؤكد المدينة صيتها باعتبارها حاضرة للتضامن المجالي والاجتماعي، يؤكد السيد زيدوح على ضرورة تضافر جهود الجميع لإنجاح هذا الرهان اليوم، بهدف إعطاء قيمة مضافة، على أرض الواقع، لإسهام المدينة في تطوير محيطها داخل التجمع الحضري الرباط-سلا-تمارة.

واليوم، وإن كانت المدينة الجديدة لتامسنا تعد من أبرز التجارب التي حققت عددا من المكتسبات، فإنها تواجه، في المقابل تحديات كبرى تتلخص في ضرورة إعادة الابتكار المستمر لتصورها بشكل يضمن استدامة هذا النموذج العمراني الذي يعد بمثابة بديل حضري، من خلال التأقلم مع المحيط المتغير بشكل متواصل، والاستجابة لحاجيات الطلب المتزايد على مجالات عمرانية تضمن للساكنة شروط العيش الكريم وأيضا الإسهام في تحقيق تنمية مستدامة.