استمرار ملاحقة “نشطاء مواقع التواصل”، في إقليم خنيفرة، بشكايات ضدهم أمام القضاء
- أحمد بيضي
اتسع اهتمام الرأي العام، في إقليم خنيفرة، بما بات يعرف ب “ملاحقة المدونين والمغردين الفيسبوكيين”، مع وصف الأمر، حسب غالبية التعاليق، بمحاولات تقويض حرية الرأي والتعبير، ومن ذلك حرية انتقاد مسيري الشأن العام المحلي ومظاهر التهميش والحيف الاجتماعي، إذ في الوقت الذي اعتقد فيه الكثيرون توقف مقاضاة المدونين، فوجئ الرأي العام المحلي باستدعاء دفعة جديدة من المدونين، وعددهم هذه المرة خمسة أشخاص من أجلموس، مريرت وخنيفرة، تجمع بينهم دعاوى قضائية في حقهم من طرف منتخبين بتهم التشهير، السب والقذف وغيرها.
وفي هذا الصدد، فوجئ ثلاثة أشخاص بأجلموس، اثنان منهم من “الحزب الاشتراكي الموحد”، جمال بوتحازم ومولود حباشيش، باستدعاء من طرف وكيل الملك لدى ابتدائية خنيفرة، للمثول أمام القضاء يوم 25 مارس 2021، بتهم “إهانة هيئة منظمة قانونا والسب والقذف العلني، بث وتوزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المساس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم”، وذلك على خلفية شكاية تقدم بها ضدهم رئيس جماعة أجلموس، فيما شدد مكتب حزبهما في خنيفرة، ضمن بيان له، على وصف المتابعة بدليل آخر على “استفحال التضييق الممنهج”.
ولم يفت ذات الحزب اعتبار شكاية رئيس الجماعة في حق المعنيين بالأمر بمثابة رد على “مسؤولية الأخيرين في التعاطي مع القضايا التي تهم المنطقة والترافع حول مطالب الساكنة”، معلنا تنديده بشكاية الرئيس بوصفها “ضربا غير مسبوق للحق في التعبير وفي توجيه النقد للسياسات العمومية”، مع “استنكاره التام لمثل هذه المحاولات التي تنم عن عقلية تسلطية تسعى لتكميم الأفواه خدمة لأجندات انتخابية”، والتي “لن تثني المناضلين عن القيام بأدوارهم وواجباتهم تجاه القضايا العادلة حتى إسقاط الفساد والاستبداد”، على حد البيان.
أما الفاعل المدني الثالث، بوعزة حباباش، والمتابع بتدوينات فيسبوكية، فيتعلق أمره بأحد المدونين المنتمين ل “حزب التقدم والاشتراكية”، هذا الحزب الذي أصدر بيانا استنكاريا أعرب ضمنه عن “أسفه الشديد حيال الاتهامات والمتابعات القضائية التي طالت المعني بالأمر من جانب خصوم سياسيين، في شخص رئيس جماعة أجلموس”، مسجلا “التزامه بالمبدأ الدستوري القاضي بالحق في الحياة وحرية التعبير”، و”إدانته للسلوكيات الدنيئة في مرحلة حساسة متزامنة مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية”، وفق نص البيان.
وارتباطا بالموضوع، لم يفت ذات الحزب، من خلال بيانه، المطالبة ب “فتح تحقيق معمق، تحت إشراف النيابة العامة، ووزير العدل، قصد الوصول إلى حقيقة الشأن المحلي بجماعة أجلموس، ورصد وتتبع الخروقات التي صدحت بها الأصوات الحرة”، بينما أكد على “ضرورة تحمل الدولة لمسؤوليتها، في حماية جميع المواطنين وكفالة حقهم وحريتهم في التعبير”، مع تأكيده بالتالي على “ثقته في نزاهة القضاء بالإقليم”، وقد سجل المتتبعون اتساع دائرة التضامن مع الفاعلين الثلاثة بأجلموس.
وفي خضم محاكمة المدونين بإقليم خنيفرة، تابع المهتمون بالشأن العام متابعة فاعل مدني، بمريرت، وهو امحمد الناصري، منذ استدعائه للمثول أمام قاضي التحقيق بابتدائية خنيفرة، خلال مارس الجاري، بناء على دعوى مرفوعة ضده من طرف النائب الرابع لرئيس المجلس البلدي لمدينة مريرت، بسبب تدوينات فيسبوكية ينتقده فيها، ويعبر فيها عن حالة التسيير الجماعي للمدينة، وجانب من بعض الشبهات التي يعرفها قطاع التعمير، فيما فات لبعض التدوينات أن لمحت لتهديدات بالاعتداء الجسدي طالت المعني بالأمر.
ولم يكن الرأي العام يتوقع أن يفاجأ بخبر توصل فاعل آخر باستدعاء للمثول أمام قاضي التحقيق بخنيفرة، يوم 15 مارس 2021، ويتعلق الأمر، هذه المرة، بالفاعل المدني والبيئي الحسين الشوهاني، وذلك للاستماع إليه في ما يتعلق ب “التقاط وتسجيل وبث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص دون موافقة أصحابها، طبقا للفصول من 447 إلى 540 من القانون الجنائي”، ولم يعثر المعني بالأمر على أدنى تفسير للأمر، قبل مطالبته من الهيئات الحقوقية والسياسية والنقابية التدخل لمؤازرته ومساندته.
ومن جانبه، دخل فرع “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، بخنيفرة، على الخط ببيان أعرب خلاله عن “قلقه واستنكاره الشديدين إزاء تناسل المتابعات القضائية بسبب التعبير عن الرأي والمشاركة في الحياة العامة”، مسجلا، خلال أقل من شهر، متابعة النشطاء الخمسة من أجل تدويناتهم الفيسبوكية التي “تكشف جزء عما يعيشه الإقليم من اختلالات وأوضاع مزرية غير مقبولة”، معتبرا المتابعات “مسا بالحق في المشاركة في الشؤون العامة وتحسينها، وتضييقا على المساءلة، والمطالبة بالشفافية، وانتقاد من يتحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي”.
ولم يفت فرع ذات الجمعية الحقوقية المطالبة ب “إسقاط المتابعات المذكورة، خاصة أنها لم تخرج عن نطاق التنديد بالتجاوزات والتدابير المتبعة، وفضح الفساد، والانخراط المسؤول في تقييم أداء مؤسسات، ونقد مقاربة قضايا محلية، وذلك في احترام تام لحقوق الغير وسمعتهم”، فيما طالب ب “فتح ما يلزم من التحقيقات، على ضوء التدوينات، لتصحيح الأوضاع وحماية الناشطين السياسيين والحقوقيين، وعموم المدونين، من المتابعات الكيدية والانتقامية وضمان حقهم في مباشرة نشاطهم بحرية والوصول لكل المعلومات”، وفق نص البيان.
والجدير بالتذكير أن مدينة خنيفرة كانت قد سجلت متابعة الناشط سعيد أفريد، خلال يناير 2019، على خلفية تدوينة نشرها على صفحته الخاصة، بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حول “الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بوجدة، في حق معتقلي جرادة”، وهي المتابعة التي تم حفظ ملفها وإخلاء سبيل المعني بالأمر، وذلك قبل عملية اعتقال الأخير في ظروف وصفها الكثيرون ب “الانتقامية”، عبر “استغلال مهنته كخضار”، حيث قضت ابتدائية خنيفرة، في حقه بثلاثة أشهر حبسا نافذا، بمبرر “استخدامه للأكياس البلاستيكية وإهانته لموظف من لجنة المراقبة، بالسوق الأسبوعي لمريرت”، خلال شتنبر 2019، وتم إيداعه بسجن خنيفرة.
كما كان المجتمع المدني بخنيفرة، قد تابع، خلال السنة الماضية، فصول محاكمة فاعلين محليين، محمد بوزرو ومحمد شجيع، بناء على شكاية تقدمت بها السلطات الإقليمية ضدهما بتهمة عرقلة قرارات السلطات العمومية عبر “القيام، بسوء نية، بنشر خبر زائف ووقائع غير صحيحة بواسطة تدوينات اليكترونية”، ونشر فيديو يعود لما قبل ثلاث سنوات وأعيد نشره بنسبه خطأ لظروف الجائحة، والذي تم حذفه، بعد وقت قصير من نشره، إلى جانب تدوينة تنتقد منهجية “قفة كورونا” بناء على طريقة توزيع “القفة” التي عرفت عدة احتجاجات ببعض أحياء المدينة.
كما يجدر التذكير بقضية الناشط عبدالعالي باحماد، (بوذا غسان)، الذي قضى سنة كاملة رهن الاعتقال، على خلفية تدوينات فيسبوكية كلفته متابعته بتهم “التحريض على المس بالرموز الوطنية”، وأخرى اعتبرها المحامون المؤازرون له “فضفاضة”، على حد تصريحات بعضهم، فيما وصفها حقوقيون وسياسيون ب “أسلوب من أساليب تكميم الأفواه، والمس بحرية الرأي والتعبير”، وبينما عرفت قضية “بوذا” موجة تضامن واسعة، أعلنت مجموعة من النشطاء المحليين عن تأسيس “لجنة بوذا لدعم المعتقلين السياسيين”.
أما الإعلامي عزالدين كايز فلم يسلم من “لعنة متابعة المدونين” إثر متابعته، عام 2018، على خلفية “تدوينة فيسبوكية” اعتبرها القضاء تحقيرا لإحدى مقرراته، مع “تنظيم مظاهرة غير مرخص بها”، جرّاء “قيامه بتقاسم، على صفحته الفيسبوكية فقط، لنداء عممته تنسيقية محلية من أجل وقفة تضامنية مع معتقلي الريف”، حيث أكد المعني بالأمر وقتها على عدم عضويته في التنسيقية، وأنه لم يقم سوى ب “تقاسم الإعلان على صفحته الفيسبوكية، بعد توصله به كباقي المواطنين، ونشره مرفوقا بتدوينة خالية من أية عبارة تحقيرية للقضاء” حسب قوله.
ويشار إلى تدوينة فيسبوكية تسببت، خلال أبريل العام الماضي 2020، في متابعة تلميذ (ع. ص)، يدرس بمستوى البكالوريا، والتي علق فيها على “إقصاء عدد من الأسر المعوزة ب “تاعبيت” من “قفة كورونا”، ليفاجأ باستدعائه للمثول أمام القضاء بتهم “توزيع وقائع كاذبة، ونشر خبر زائف، وتحريض الغير على مخالفة الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات الخاصة بحالة الطوارئ الصحية”، والتي أحيل بموجبها على وكيل الملك الذي قرر متابعته في حالة سراح، قبل وضع حالته كتلميذ، مقبل على امتحانات البكالوريا، بعين الاعتبار.