تزامنا مع اليوم العالمي للأراضي الرطبة، شهدت قاعة الاجتماعات بعمالة خنيفرة، مساء الاثنين 10 فبراير 2025، حفل اختتام مشروع “الحفاظ على التنوع البيولوجي المستوطن في المياه العذبة بحوض أم الربيع”، الذي امتد لأكثر من عام وشكل تجربة رائدة في مجال حماية الموارد الطبيعية وتعزيز البحث العلمي حول الأنواع المستوطنة، وقد جمع هذا اللقاء مسؤولين إداريين، وخبراء بيئيين، وأكاديميين، وفعاليات مدنية، ما يعكس الأهمية المتزايدة التي يكتسيها الحفاظ على الأنظمة البيئية في ظل التحديات البيئية المتنامية.
ويذكر أن المشروع قد انطلق، يوم 27 شتنبر 2023، في نفس القاعة، بمبادرة من جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب – فرع خنيفرة، بدعم من صندوق الشراكة للأنظمة الإيكولوجية الحرجة ومؤسستي Naturalia وBirdlife، وبشراكة مع متحف التاريخ الطبيعي بجامعة القاضي عياض، وشهد حفل الانطلاق حضور الكاتب العام لعمالة خنيفرة، إلى جانب منتخبين وممثلي القطاعات الحكومية المعنية، مثل مديريات الفلاحة والتربية الوطنية، والوكالة الوطنية للمياه والغابات، ووكالة الحوض المائي أم الربيع، والمدرسة العليا للتكنولوجيا، والجمعية المغربية للسياحة البيئية والمحافظة على البيئة.
استند المشروع إلى منهجية متعددة الأبعاد، حيث استهدف مجموعة من الينابيع المتواجدة بجماعات كروشن، ولهري، وأكلمام أزيزا، عبر عمليات البحث العلمي والتقييم البيئي، إضافة إلى تنفيذ إجراءات ميدانية لحماية بعض العيون الطبيعية من التدهور، مثل عين تاخبيت نتازارت بجنان أماس وعين تافرانت بتالهنات، كما تم التركيز على دراسة الأنواع المستوطنة بهذه الينابيع، خاصة تلك المهددة بالانقراض، بهدف توثيقها ووضع آليات مستدامة لحمايتها، مع تثمينها من خلال إدماجها في استراتيجيات السياحة البيئية.
وتميز المشروع أيضا بمقاربته التشاركية، التي اعتمدت على إشراك الساكنة المحلية والمنتخبين والمصالح الحكومية والمؤسسات العلمية والجمعيات المدنية، وفي هذا الإطار، قدم مدير متحف التاريخ الطبيعي بمراكش وأستاذ بجامعة القاضي عياض، د. محمد غاميزي، مداخلة في اللقاء الافتتاحي، أبرز فيها التزامات المغرب الوطنية والدولية في مجال حماية التنوع البيولوجي، مشيرا إلى ما يمثله المشروع من نموذج عملي يساهم في تحقيق هذه الالتزامات، من خلال الجمع بين البحث العلمي والعمل الميداني.
وبدورها أكدت المديرة المكلفة بالمشروع على أهمية التفاعل المستمر مع الساكنة المحلية، باعتبارها العنصر الأساسي في استدامة هذه الجهود، وكيف تم تنظيم ورشات تحسيسية وأنشطة ميدانية لتعزيز وعي المواطنين بأهمية الحفاظ على الموارد المائية والأنواع البيولوجية المرتبطة بها، فيما قدم رئيس فرع جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض، ذ. أحمد حميد، عرضا تفصيليا حول مختلف مراحل المشروع، مشيرا إلى التدخلات التي تمت لحماية العيون الطبيعية والأنواع المستوطنة، وإلى المجهودات المبذولة لتعزيز البحث العلمي في هذا المجال.
ومن جهته، لم يفت الأستاذ بجامعة السلطان مولاي سليمان، والفاعل المدني، د. حوسى أزارو، استعراض نتائج دراسة سوسيو-اقتصادية أجريت في إطار المشروع، والتي سلطت الضوء على العوامل الاجتماعية والثقافية والجغرافية المؤثرة في ممارسات المجتمع المحلي للحفاظ على التنوع البيولوجي بالمياه العذبة، مشيرا إلى الأثر الإيجابي للمشروع في تعزيز وعي الساكنة وإشراكهم في جهود الحماية بغاية ضمان استدامة المبادرات الطموحة التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين التنمية البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية.
وسجل لقاء اختتام مشروع “الحفاظ على التنوع البيولوجي”، مناقشات مستفيضة بين المشاركين، وتصورات ومقترحات أفضت إلى مجموعة من التوصيات، أبرزها ضرورة إدماج الساكنة المحلية في استراتيجيات الحماية، وتعزيز البحث العلمي، وتوسيع نطاق مشاريع مماثلة مستقبلًا لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة، كما تم التشديد على أهمية وضع آليات مستدامة لحماية العيون الطبيعية، والحفاظ على الموارد الطبيعية في ظل التغيرات المناخية، وضمان استمرارية هذه الجهود عبر التنسيق والتعاون بين مختلف الفاعلين والمتدخلين.
وجاء اللقاء تزامنا مع احتفالات العالم باليوم العالمي للأراضي الرطبة، الذي يصادف 2 فبراير من كل عام، وحمل هذه السنة شعار: “حماية الأراضي الرطبة من أجل مستقبلنا المشترك” مع التشديد على ضرورة تعزيز النظم البيئية الغنية بالتنوع البيولوجي لحماية مستقبل البشرية، ويهدف الاحتفاء بهذا اليوم المبني على اتفاقية دولية صادقت عليها 172 دولة، إلى تسليط الضوء على أهمية الأراضي الرطبة عالميا، ودعوة صناع القرار إلى التحرك لحمايتها، نظرا لدورها الحاسم في ضمان مستقبل بيئي مستدام للبشرية جمعاء.