
مؤسسات صحية تشكو الخصاص، انتقالات مع وقف التعويض، وفوارق جهوية مكشوفة
على الرغم من مضاعفة المناصب المالية المحددة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وبلغت خلال السنوات الأخيرة ل 6500 منصب مالي بدل 4000 قبل 2020، سجل العرض الصحي تراجعا مهولا على مستوى أعداد الموارد البشرية، بالأحرى الخوض في اللوجيستيك والأدوية، فيما المراكز الصحية التي كانت تعمل بأربعة ممرضين وطبيب وثلاث قابلات، على سبيل المثال، أصبحنا اليوم نسجل أنها تعمل ب 2 ممرضين وقابلتين وصفر طبيب، وهلم جرا إلى آخر ما يثير ما يكفي من التعاليق.
ومن حق أي عاقل التساؤل: كيف أن العدد ظاهريا يزداد وواقعيا ينقص..؟، ويكون الجواب أكثر وضوحا في ارتباطه أساسا بسوء التدبير وسوء توزيع الموارد البشرية والمناصب المالية المحددة بين الجهات، حيث يجري تقسيمها بين الجهات، في غضون الأشهر الأولى من كل سنة، دون أخذ بعين الاعتبار العوامل المؤثرة في حركية واستقرار العاملين بالجهات، ودون أدنى اعتبار لما يسمى ب taux de rotation، ودون أي اعتبار لخصوصية الجهات بمنطق مغرب نافع وغير نافع، أو جهات مستقطبة وجهات عبور فقط من بينها جهة بني ملال خنيفرة.
وللتوضيح أكثر: فحينما تعطى 6500 منصب للوزارة تقسمها بين 12 جهة يأتي مثلا نصيب جهة بني ملال خنيفرة 450 منصب وجهة الرباط سلا القنيطرة 550 منصب، وهنا قد يبدو الأمر عاديا وتبدو القسمة عادلة، لكن حينما تنتقل من جهة بني ملال خنيفرة 300 إطار صحي صوب جهة الرباط سلا القنيطرة المستقطبة، تكون جهة بني ملال خنيفرة فقط قد استفادت من 150 وجهة الرباط سلا من 850 منصب، وهو الأمر غير المنطقي بتاتا، فيما يبرز بجلاء اللاتكافؤ بين الجهات.
وكذلك ينكشف اللاتكافؤ بين المواطنين المستفيدين من العرض الصحي (مواطنين من الدرجة الأولى ومواطنين من الدرجة الثانية)، وأيضا موظفين من الدرجة الأولى وموظفين من الدرجة الثانية، حيث العمل هناك من يعمل بالجهات التي تعتبر محطة عبور عمل 5 موظفين بالجهات المستقطبة، هذا دون الحديث عن القطاع المتوفر بالجهات المركزية وغير المتوفر بجهات الهامش، فضلا عن عوامل أخرى يمكن الحديث عنها لاحقا، وكل الأرقام المقدَّمة هي فقط أرقام تقريبية من باب تفسير مآل التسيير الممنهج ما لم يتم استحضار العوامل المتحكمة في حركية العاملين.
أما الأرقام الحقيقية فهي مخيفة أكثر وتتطلب تدخلا فاعلا من طرف مختلف الفاعلين السياسيين والحقوقيين قصد التصويب والترافع أكثر، والدفاع عن حق المواطن في الصحة والعلاج، ولتوضيح حجم اللاتكافؤ وتغييب العدالة المجالية بين الجهات، يمكن استعراض نموذجا من الأرقام: إذ بعد استنفاذ الحركة الانتقالية لسنة 2024 ومباراة توظيف الممرضين كمثال، ظل أزيد من 130 من ممرضي وتقني القطاع بدون معوض، رغم المجهودات التي تقوم بها اللجنة الجهوية للتعينات والانتقالات والإدارة الجهوية من أجل تدبير جيد للموارد التي أصبحت نادرة.
ذلك أن الجهة لم تصل لمرحلة تعويض المنتقلين فما بالك برفع أعداد الموارد البشرية، في المقابل تستفيد الجهات الممركزة من تدعيم سنوي، حيث يمكن تسجيل وجود مراكز صحية تعمل في بعض المدن الكبرى بأزيد من 15 ممرض و4 أطباء بنفس الكثافة السكانية، في حين نعلم بمراكز تتوفر على ثلاثة ممرضين وطبيب، مع الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للحسابات فات له أن سجل، في هذا الموضوع، العديد من التحفظات والاستفهامات، ووضع في شأنها، عام 2023 عدة توصيات.
والمؤكد أن الوضع ازداد سوءً أمام الوقوف مثلا على وجود مراكز صحية (بالرباط نموذجا) بها أربعة أطباء أطفال، وتخصصات طبية لا علاقة لها بالمراكز الصحية، إضافة إلى “موظفين أشباح”، ويمكن إجمال ذلك في سوء التسيير والآذان الصماء، مقابل تكاثر الضمائر الحية التي تحتج جهويا، ومن الضروري أخذ بعين الاعتبار حركية الموظفين، ومعاهد التكوين والتخصصات المطروحة في سوق الشغل ما دامت كلها تحت وصاية نفس الوزارة، من أجل تعويض المنتقلين وتقوية صفوف الموارد البشرية، مع الحرص على المساواة والتكافؤ بين الجهات.
-
عبد اللطيف اهنوش