عبدالإله حبيبي يكتب عن ظاهرة اغتصاب الصغار من طرف رجال الدين: جدل المقدس والمدنس

0
  • د. عبدالإله حبيبي (°)

    ظل سؤال اغتصاب القاصرات والقاصرين من لدن بعض رجال الدين في الأماكن المقدسة من الأسئلة التي أثارت اهتمام الكثير من الباحثين من مختلف التخصصات، وذلك بهدف فهم كيف ترتكب الكبيرة بلغة الشريعة أو الخطيئة بالمعجم المسيحي في أقدس الأماكن التي يرتادها المؤمنون من أجل أداء طقوسهم وشعائرهم الدينية، يتعلق الأمر بمرض سيكولوجي اسمه “بيدوفيليا”، أي ممارسة الجنس على الصغار حتى لا نقول مع الصغار.

    إنه واحد من الاضطرابات الجنسية التي تحددها مراجع علم النفس المرضي بشكل دقيق، حيث قد نجد أيضا ” زوفيليا” التي تعني ممارسة الجنس على الحيوان، أو مع الحيوان، وهي بدورها ظاهرة منتشرة رغم التستر الشديد عنها، وتوجد أيضا “نيكروفيليا” التي تعني ممارسة الجنس على الأموات، أي على جثث الموتى، وهي ظاهرة غريبة لكنها موجودة وتحدث عنها الطب النفسي واصفا أعراضها وسمات شخصية المصاب بهذا الاضطراب الجنسي….

    بهذا المعنى نتساءل عن أسباب هذه الاضطرابات ولماذا نجد أنها أحيانا ترتبط بأشخاص لهم خلفيات عقدية ومظاهر إيمانية، يمارسون واجباتهم الدينية بشكل منتظم، ويحظون باحترام المحيطين بهم أو الذين يحتكون بهم مما ينزع عنهم أي علامات الاضطراب او السلوك الجنسي المنحرفثم يحصل أن يقع الفعل الجنسي في حالة البيدوفيليا داخل مكان مقدس كالكنيسة أو جامع أو مسجد أو معبد يحظى باحترام الجماعة التي تؤمه قصد العبادة والتقرب من الخالق؟..

    القساوسة، أي رهبان المعتقد المسيحي، تنتشر بين البعض منهم ظاهرة البيدوفيليا، حيث سبق للفاتيكان أن حاكم البعض من هؤلاء الرهبان المتورطون في اغتصاب الصغار الذين يدرسونهم المعتقد في بعض المدارس الكاثوليكية الخاصة، وقد افتضح أمرهم بعدما كبر ضحاياهم وأصبحوا رجالا ونساء وشرعوا في حكي ما مورس عليهم عندما كانوا صغارا من لدن هؤلاء القديسين المنحرفين.

    نفس الشيء نلاحظه في سلوكات بعض فقهاء الجوامع المصابين بهذا النوع من الشذوذ والذين يتم تكليفهم بمهمة تعليم الصغار وتحفيظهم القرآن الكريم، حيث لا تفتأ وسائل الإعلام عن تناقل أخبار الاغتصاب وهتك عرض القاصر من لدن معلم فقيه في مسيد او جامع في منطقة غالبا بدوية تطغى عليها أخلاق الحشمة والستر وتفادي الفضيحة لهذا نادرا ما يصل أمر هؤلاء إلى القضاء

    بالنسبة أولا للرهبان فقد يرتبط عندهم السلوك البيدوفيلي بحياتهم الجنسية المتوقفة منذ الطفولة عند حدود المداعبات الأولية وتبادل الاكتشاف الجنسي بين الجنسين وأحيانا بين نفس الجنس إذا كان بين الأطفال من تعرض للاغتصاب وأصبح معتادا على الميولات المثلية، لهذا فميلهم نحو الأطفال هو استمرار لهذه النزعة الطفلية في ممارسة الجنس بحكم توقف سلوكهم الجنسي الذي يترك مكانه لسلوك الرهبنة الذي يعني الامتناع عن ممارسة الجنس مع النساء مدى الحياة باعتبار أنهم تفرغوا لخدمة رسالة الرب

    من هنا يصبح الطفل أول موضوع جنسي متوفر في المكان المقدس المعزول عن العالم، وكأنه مكافأة يتم بها تعويض الحرمان الجنسي الطبيعي من شريك مختلف جنسيا… إنه أقصى درجات العنف الجنسي الممارس على الإنسان، باعتبار أن ضحاياه أطفال، ومرتكبوه رجال دين، ومكان ممارسته الكنائس.. قمة التناقض والعبث بالمعتقد وقيمه ورسالته السماوية وكل ما يرتبط بها من أخلاق وشعائر وواجبات… أي أن الإنسان كلما حاد عن طبيعته البشرية وقع في أبشع أنواع الجرائم الجنسية.

    أما بعض فقهاء المسيد والجوامع فوجه الشبه مع الأوائل يتجلى في شخصية المعلم الفقيه الذي يقضي كل طفولته في عزلة تامة عن العالم، داخل مدارس عتيقة، في مناطق نائية، ليس بينه وبين الجنس سوى رباط التحريم والمحاكمة والشيطنة، حيث يقضي زمنا من طفولته الأولى والثانية في قطيعة شبه تامة مع عالم النساء والفتيات، وفي حضرة فقيه غالبا بطبع شرس، وقد يكون بدوره ممن مورس عليهم هتك العرض في طفولته لهذا تراه لا يتوارى عن إتيان ما يسمى باللمس الجنسي للأطفال ذكورا أو فتيات، وقد يصل أحيانا الأمر إلى الاغتصاب الذي يفجر الصمت لتنتشر الفضيحة ويصاب الجميع بالصدمة والذهول

    غالبا الذين يتورطون في هذا السلوك المشين يكونون من ذوي الميولات الجنسية الشاذة، وقد يكون غير قادر على ربط الصلة بالجنس اللطيف الراشد، لهذا يستغل ضعف وسن الضحية لإشباع نزواته التي كبلها التحريم المفرط أو التقييد الشديد خلال نموه النفسي والجنسي العام.. إضافة إلى أن هؤلاء يكونون عزاب، ويعيشون وسط دوار او قبيلة لا تسمح له بعقد علاقات مشبوهة بنساء الجماعة حتى لا يلوثوا الوجه النظيف للمعتقد ورجاله… لكن سلطان الرغبة وشدة الشهوة وغياب الضبط الخارجي يؤدي إلى الوقوع في شرك جريمة هتك عرض الصغار…

    كما أن الثقة العمياء للأسر في شخصية مثل هؤلاء الفقهاء المنحرفين تجعل منهم الضحية الأولى، أي أنهم يكونون على يقين أن المكلف بتربية ابنهم أو ابنتهم دينيا لن يمكن أن يكون مريضا أو مجرما، بحكم أنه مطلع على كتاب الله، وعارف بأحكام الشريعة وحدودها وعقاب العصاة، لهذا يسلمونهم فلذات أكبادهم بقناعة أنهم يتعاملون مع صنف ملائكي من البشر.. لكن الحقيقة تظل شيئا آخر عير ما توهمنا به ضمائرنا المتشبعة بالمقدس وبالإيمان المطلق الذي لا نقبل أن تخدشه سلوكيات البشر مهما اقترفوا من منكرات…

    من هنا يستغل البعض هذا الواقع الإيماني الذي يجد فيه غطاء منيعا لممارسة نزواته المرضية دون أن تراقبه العيون أو تمتد إليه يد الرقيب.. لهذا وجب إخضاع هذه الدور الى الرقابة التربوية التابعة لوزارة التربية الوطنية أو وزارة الأوقاف أو هما معا، مع ضرورة إخضاع المكلفين بالتدريس بهذه المدارس التقليدية الحصول على الحد الأدنى من التكوين العام في العلوم الإنسانية وخاصة علم النفس الطفل ونظريات التعلم، وعلم النفس المرضي والعلاقة التربوية بمختلف مستوياتها وأبعادها المعقدة حتى يكتشفوا خصوصية الطفولة ويضعوا مسافة بينهم وبين نزواتهم، ويفهموا سلوكهم وقد تعتريه استهامات منحرفة وذلك بشكل عقلاني مما قد يحميهم من أنفسهم ويحمي الصغار من انحرافاتهم المحتملة….

(°) باحث في علوم التربية والفكر الفلسفي، من أعماله الأخيرة: “نحيب الأزقة”، “سيرة الجندي المجهول”، “حوار العقل والروح”، Les Paroles de Mon Village…