الزحف العمراني بمدينة الرحمة.. يلتهم الأراضي الزراعية بدار بوعزة!!

0

 

عبد العاطي كحلاوي

منذ عهد قريب، دق العالم ناقوس الخطر في ما يتعلق بالتغيرات المناخية بشكل كبير، وقد عبر على ذلك من خلال تنظيم مجموعة من المؤتمرات واللقاءات” نموذج قمة المناخ، ومؤتمر الأطراف حول المناخ الذي نظمت دورته الإثنان والعشرون في مراكش بالمغرب ودورته السابع والعشرون في مدينة شرم الشيخ الساحلية بمصر ” التي تهدف بالضرورة إلى الحد من الانبعاثات الغازية وتنظيم الأنشطة الصناعية بشكل يضمن الاستدامة للموارد البيئية وعدم الإجهاز عليها.
ويعتبر القطاع الفلاحي أكثر القطاعات حساسية ارتباطا بتحولات المناخ، ذلك أن أبسط تغير على مستوى الظروف المناخية قد يؤدي إلى اختلالات زراعية كبيرة يتأثر بها أولا وقبل كل شيء الفلاحون الصغار. وباعتبار سياق التغيرات المناخية وسياق التنمية المستدامة التي ركزت عليها الأمم المتحدة في خطاباتها، وتعمل على تنزيلها من خلال مجموعة من المخططات، ظهر للوجود مفهوم الزراعة المستدامة، وهو مفهوم يهدف إلى تنظيم النشاط الزراعي من خلال خلق سلوكيات زراعية جديدة أكثر مسؤولية وعقلانية. وتعرف الزراعة المستدامة بكونها نظام زراعي متكامل من الممارسات الإنتاجية النباتية والحيوانية التي لها تطبيقات ميدانية تستمر على مدار فترات طويلة وتراعى فيها شروط الاستدامة من حفاظ على البيئة وضمان لكميات انتاج غدائي كافية لكل السكان.
وإذا كان الحديث عن الزراعة المستدامة ضروريا فإن الحديث عن الأراضي الموجهة لهذه الزراعة أولى، إذ أن معظم الأراضي الزراعية التي من المفترض أن تمارس عليها أنشطة زراعية مستدامة تتعرض للتدهور بفعل مجموعة من العوامل أبرزها التصحر المستمر والمتسارع، والانجراف، والزحف العمراني. هذا الأخير الذي سيشكل مدخلا لهذا البحث الميداني.
وتعتبر مدينة الرحمة الواقعة بالمنطقة الجنوبية لمدينة الدارالبيضاء، والتي عرفت بكونها منطقة فلاحية تابعة لجماعة دار بوعزة إقليم النواصر جهة الدارالبيضاء سطات، من أكثر المناطق عرضة للزحف العمراني. إذ منذ تأسيسها شهدت هذه الأخيرة تزايدا متسارعا للبناء، وهو ما أجهز على الأراضي الفلاحية التي تصنف ضمن الأراضي الأكثر خصوبة على مستوى المغرب. فبعد أن كان النشاط الزراعي هو السائد في المنطقة، أصبحت المشاهد العمرانية هي الطاغية على المشهد بشكل عام، إذ تحول هذا المشهد من مشهد زراعي قروي إلى مشهد حضري لمدينة ممتدة مترامية الأطراف.
استقيت من خلال مجموعة من اللقاءات مع الساكنة المحلية الأصلية للمنطقة، وأيضا من خلال إفادات من أحد المسؤولين بالإدارات المعنية بتسيير الشأن العام هناك. أنه من بين أسباب الزحف العمراني بمدينة الرحمة، أن مدينة الدار البيضاء مدينة من الحجم الكبير تستقبل سنويا معدلات مرتفعة من المهاجرين تقدر حسب المندوبية السامية للتخطيط بأربعة وثلاثون ألف نسمة سنويا، ما يفرض بالضرورة تصريف هؤلاء السكان إلى محيط المدينة. بالإضافة إلى أهم الأسباب التي تكمن وراء الزحف العمراني والتي تزيد من حدة المشكل؛ العروض المغرية للعقار: إذ اتفق معظم المستجوبين على أن العروض المقدمة لهم من طرف شركات التعمير عروض مغرية تجعلهم يبيعون أراضيهم الفلاحية دون تردد، إذ أن ذلك فرصة الاغتناء، بعدما كانت أراضيهم العارية والتي لا تبنى بعد هي أراضي مؤدى عنها ضريبيا، ما يزيد من أعباء الفلاح.
ونتيجة لذلك، شكل الزحف العمراني بمدينة الرحمة مظهرا من مظاهر الإجهاز على النشاط الفلاحي، وبالتالي على الحاجات الغدائية للدارالبيضاء من جهة وعلى المستوى الوطني ككل. فباعتبار المعطيات المقدمة على موقع مندوبية المياه والغابات، فإن إثنا عشر بالمئة من الأراضي هي فقط الصالحة للزراعة بالمغرب، هذه الأراضي التي لا تستغل بشكل كلي، هي عرضة للتناقص بسبب الزحف العمراني، ما يعني المساس بالاكتفاء الذاتي للبلاد من الحاجات الغدائية، وأحيانا الأمن الغدائي. كما شكل أثارا خاصة، حيث تزايد معدلات التلوث الصلب خصوصا وتلوث الهواء أيضا، إذا أكد بعض السكان المحليين للمنطقة أن مدينة الرحمة كانت متميزة بهوائها النقي، وطبيعتها الجذابة التي كانت باعثا على الاستمتاع. كما أكد آخرون على أن ما يرونه الآن من زحف عمراني هو نوع من التراجع ولا يمكن اعتباره تقدما. إذ اتفق الأغلبية على أنه أفقد المنطقة هويتها.
إن وضعا كهذا ونتائجه الكارثية بهذا الشكل، لن يدفعنا إلا إلى محاولة التفكير في حلول بديلة أو اقتراحات تخفيفية لهذا النوع من الأنشطة، كاقتراح إنشاء مدينة بيئية تحترم معايير الاستدامة والحفاظ على الموارد، ووضع إلزامات قانونية للسهر على تطبيق وتنزيل هذه الرؤية، خصوصا وأن مدينة الرحمة مدينة ناشئة ويمكن تطبيق هذا النوع من المشاريع بها.