بحث الإعلامية الكبيرة ثعبان في أحداث “انتفاضة وادي زم” يمنحها الماستر ويميز بين المكتوب والذاكرة والمغالطات الاستعمارية

0
  • أعدها للنشر: أحمد بيضي

من الرسائل/ البحوث التي تم تقديمها، خلال الأشهر الأخيرة، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية لجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، لنيل شهادة الماستر، رسالة الطالبة الباحثة الإعلامية، الكبيرة ثعبان، في موضوع: “انتفاضة 20 غشت 1955 بوادي زم: ما بين المكتوب والذاكرة الشعبية”، حيث جرت مناقشة هذه الرسالة أمام لجنة علمية تشكلت من ذة. سعاد بلحسين (منسقة ماستر التاريخ والتراث الجهوي)، ذ. الحسن بودرقا، ذ. محمد بويقران وذ. رشيد طلال، وبعد الفحص والإدلاء بوجهات النظر، على مدى ساعتين من الزمن، تمكنت الطالبة الباحثة الإعلامية المعنية بالأمر من الحصول على شهادة الماستر في التاريخ والتراث الجهوي.

وفي هذا الصدد، أوضحت الطالبة الباحثة، الكبيرة ثعبان، ضمن تقريرها، أنها حاولت من خلال بحثها حول انتفاضة 20 غشت 1955م بوادي زم، الإجابة عن الإشكالية المتجلية أساسا في مدى حدود توافق أو تعارض بين ما هو مكتوب وبين الذاكرة الشعبية؟، وهل الذاكرة تصحح المكتوب؟، حيث قامت الطالبة بتقسيم البحث إلى ستة فصول، استهلتها بفصل أول حول البنية المجتمعية للمنطقة من حيث التسمية والموقع الجغرافي، والوضع الاقتصادي والاجتماعي، ثم نشأة مدينة وادي زم والإدارة الاستعمارية، فيما خصصت الفصل الثاني للحديث عن ظروف نشأة الحركة الوطنية بهذه المدينة ودواعي وظروف انتشارها.

أما الفصل الثالث فخصصته الطالبة الباحثة لانتفاضة 20 غشت 1955م بوادي زم، وشمل الحديث ما قبل الانتفاضة، والوضع عشية هذه الانتفاضة، من خلال التقارير الإسبانية ومراحل الثورة، بينما خصصت الفصل الرابع لموضوع الانتفاضة كما رأتها الصحافة المعاصرة لها، الأجنبية منها والمحلية، لتخصص الفصل الخامس من البحث للتطرق لأحداث هذه الانتفاضة من خلال الذاكرة الشعبية، دون أن يفوت الطالبة الإشارة إلى ما وقفت عليه من معطيات حول انتفاضة وادي زم، وكيف كانت ستكون محدودة النتائج لولا بعض الأحداث الصغيرة كإطلاق الأعيرة النارية على المتظاهرين وما أدى إليه ذلك من شرارة حولت الوضع إلى معركة كبرى.

وفي ذات السياق، أبرزت الطالبة الباحثة، الكبيرة ثعبان، من خلال مناقشتها للبحث، أن تناولها لأحداث 20 غشت بوادي زم، من خلال  الصحافة المعاصرة لها، جعلها تقف على ما يفيد أن الصحافة “الفرنسية والوطنية” قد تطرقت لحدث الانتفاضة بالأهمية والتفصيل والمتابعة، مشيرة إلى أن الرؤى والتحليلات والاستنتاجات اختلفت، حسب اختلاف الإيديولوجيا والمنظور والمرجعية، ومن هنا جاءت معطياتها متباينة تارة، ومتفقة تارة أخرى، وأكدت بالتالي أنها حاولت تتبع اختلاف وجهات النظر من خلال استعراضها للمقالات الصحافية التي اهتمت بالحدث وقتئذ، مع إبراز الهفوات التي تم السقوط فيها.

وفي إطار تنويع مصادرها، قالت الطالبة إنها تناولت نفس الحدث من خلال معطى آخر يتعلق بالذاكرة الشعبية، حيث توصلت إلى أن انتفاضة وادي زم، ورغم ما ألحق بها من تشويه لنبل أهدافها، قد حققت نجاحا كبيرا، وكشفت عن حقائق حاول المستعمر جاهدا طمسها، والتي أرغمته على تغيير نظرته السياسية فيما يتعلق بالقضية المغربية، ومن هنا كانت انتفاضة وادي زم من بين العوامل الأساسية التي كان لها الدور الكبير في إيجاد الحل النهائي للقضية المغربية، حيث بعد ثلاثة أشهر من هذه المعركة تحقق الأمل الذي استشهد من أجله أبناء مدينة وادي زم وقبائلها، وعجل بعودة الملك الراحل محمد الخامس وأفراد عائلته إلى عرشه في ظل الحرية والاستقلال.

وزادت الطالبة الكبيرة ثعبان فأشارت إلى أنها، في إطار البحث عن توظيف مصادر أخرى لكتابة التاريخ وتجاوزها القصور وعدم الإيجاز والنقص، قد حاولت الاستعانة بنصوص من المأثورات الشفاهية، مبرزة أنها عثرت على مجموعة من النصوص التي تتناول انتفاضة وادي زم مع انفراد كل نص بتفاصيل مدققة حول حادثة معينة، بالإضافة إلى زجل، لكن مجموع هذه النصوص، تضيف الطالبة، يشكل نصا واحدا إذا ما أعيد بناؤه، ومن خلال دراستها لعدة نماذج نصوص حول هذه الانتفاضة، ومقارنتها بما كُتب، سواء في الصحافة أو في التقارير، ذكرت الطالبة بما يفيد أنها وقفت على إضافات وتفاصيل وتدقيقات.   

وعلى مستوى آخر، أكدت الطالبة أن النصوص التي اعتمدتها قد جاءت لإثبات توثيقها كشاهد، وكذا لأهميتها بالنسبة لأي مؤرخ يبتغي إتمام معلوماته، خصوصا حول في ما يتعلق ببعض التفاصيل الدقيقة حول المجتمع مثلا، والذي تغفله الكتابات الأخرى، وقد أجمعت مداخلات اللجنة العلمية على تثمين عمل الطالبة الباحثة، إن على مستوى الموضوع أو التقديم، واعتبرته عملا جيدا وموشوما بمجهود كبير، ومرجعا مهما حول تاريخ المقاومة المغربية، مع تنويه اللجنة بما جمعته الطالبة من وثائق ومقالات صحافية، ومعلومات كثيرة من شأنها أن تجعل من هذا العمل المهم قيمة مضافة للبحث في تاريخ مدينة وادي زم خصوصا والجهة عموما.

ومن جهتها أكدت المشرفة على البحث، دة. سعاد بلحسين، أن الطالبة الكبيرة ثعبان، قد “توفقت إلى حد كبير في عملها، وسجلت مجموعة من النقط المهمة التي ستكون فاتحة لطلبة آخرين للاشتغال على الموضوع الذي ما يزال خصبا”، وأوضحت دة. بلحسين دوافع اختيار الموضوع، من حيث “كون أحداث 20غشت 1955 بوادي زم لا يمكن محوها من صفحات تاريخ المغرب، ولا من الذاكرة المغربية، نظرا لقوتها وللوقع الذي خلفته، إن على المستوى المحلي أو على الإقليمي أو الجهوي والدولي”، ذلك على خلفية ما كبدته من خسائر في الجبهة الفرنسية، وأيضا كان للمقاومة المغربية خسائر كبيرة في أرواح الشهداء.

وبالتالي، تضيف بلحسين، فإن هذه الانتفاضة “ولَّدت سخطا وغضبا لدى الجبهة الفرنسية منذ أحداث 1955، وعوض حديث السلطات ووسائل الإعلام الفرنسية عن أسباب انتصار الانتفاضة بوادي زم والمقاومة ووقعها الكبير، أخذت – كعادتها- في توظيف كتابات صحفية وإعلامية من باب تقزيم هذه الانتفاضة الكبرى”، خاصة من الناحية الفكرية، و”لم تشأ أن تعطي لهذه الانتفاضة اسم انتفاضة أو مقاومة، على اعتبار، حسب زعم الكتابات الاستعمارية آنذاك، أن القبائل التي قامت بها، والمحيطة بوادي زم لم تكن مهيأة فكريا لتأطير أو وضع فلسفة إيديولوجية تنظم المقاومة”، على حد قول الأستاذة المشرفة على البحث.

كما أن الكتابات الفرنسية، تضيف دة. بلحسن، نظرت إلى هذه الانتفاضة ك “حركة قام بها أناس لا يحسبون حسابا لمعايير أو لاعتبارات إنسانية، وقاموا بعمليات – حسب زعمهم – فيها سفك للدماء، إلى جانب قبائل متعطشة لسفك الدماء”، ونعتت هذه القبائل الوادزمية ب “الهمج وبالمتعطشين”، ولا يزال الموضوع جاثما على الذهنيات، بحيث أن “الصورة النمطية التقزيمية التي وضعتها فرنسا على أن الوادزمي خُلق للمشاجرة، وأنه عنيف ولا يمكن أن يبني بناء فكريا يكون وراء نهوض جهته ومدينته والقبائل المجاورة أصبح يُصَدَّق وأصبحنا نسمع بأن بصعوبة سكان وادي زم وأن “السَّمْعْلي والخيراني دِيرُوا كدامك ماديروا وْرَاك”.

وأوضحت دة. بلحسين أنها قبل اقتراح الموضوع على الطالبة الكبيرة ثعبان، تم “جس النبض مع طلبة وادزميين في الإجازة لكي يكون هناك تصالح مع المدينة وتاريخها، والقطع مع الصور السلبية التي وضعت فيها وادي زم، والتي يعود سببها إلى أحداث 1955″، غير أنها “لا حظت أن الطلبة أصبحوا يتهربون من البحث في وادي زم”، مؤكدة أن “الصور النمطية ورثها الشباب الحالي، وهي فلسفة خطيرة خلفتها السلطات الفرنسية”، فيما أوضحت أن “الماستر كان لديه أهداف من وراء البحث المذكور، وهو التقليص من الصور النمطية السلبية والمريرة”، داعية إلى  التصالح الثقافي مع تاريخ وادي زم باعتباره أول عتبة لكي يفكر الإنسان فيما هو إيجابي .

وعن اختيار الطالبة الكبيرة ثعبان لإنجاز بحثها في موضوع انتفاضة وادي زم، حرصت الدكتورة سعاد بلحسين على القول بأن اللجنة البيداغوجية داخل الماستر تحاول دائما إعطاء مواضيع تناسب شخصية كل طالب وطالبة، والطالبة الكبيرة ثعبان استوفت، من الناحية الأكاديمية، شروط التكوين، وبإمكانها، من الناحية النظرية والأكاديمية، اقتحام هذا الموضوع، سيما كونها تجمع ما بين التاريخ والصحافة والقدرة على التواصل، حيث كان لرسالتها، بحثها في موضوع: “انتفاضة 20 غشت 1955 بوادي زم: ما بين المكتوب والذاكرة الشعبية”، وقعه الملموس وقيمته المتميزة على طاولة المناقشة المفتوحة على الماستر المستحق.