رشيد جبوج لن يقاسمنا الهواء المثخن بالغياب

0

عبد السلام المساوي

تعرفت على رشيد جبوج سنة 1976 بجامعة محمد بن عبد الله بفاس…
جمعتنا شعبة الفلسفة في زمن كانت الفلسفة زندقة وكفرا والحادا…
جمعنا النضال بأحلام يسارية رومانسية…
جمعنا التعايش الصوفي والمشاركة الوجدانية في التماهي مع أغاني ناس الغيوان ، لمشاهب ، جيل جيلالة ، مارسيل خليفة ، فؤاد نجم والشيخ امام….جمعنا الحلم الجميل …
مناضل هادئ …حكيم …صدق القول والفعل…يساري مؤمن بالقيم الكونية لليسار….انسان…معلم
عندما يتكلم في التجمعات الطلابية يفرض عليك الانصات ، يتكلم وهو يفكر ، يمقت الانفعالات الطفولية والاندفاعات الحماسية…
كان عميقا وواعيا…كان مثقفا …كان وقورا …
لم يعد رشيد جبوج على قيد الحياة …
ولن يقاسمنا الهواء المثخن بالغياب …
توقف الرجل عن التأمل في الأجواء …
وحمل همومه في سكون إلى مثوى السكون ..
لن ينازع أحدا في الزحمة …
تاركا الكلمات يتيمة ؛
تاركا الثقافة والمسرح والإعلام ؛
تاركا المرافعات حزينة ؛
تاركا رفيقة دربه ؛
تاركا التلميذة والحبيبة ؛
تاركا بديعة ؛
تاركا جبهة النضال من أجل ” الخبز والديموقراطية والوطن ” تشرح قلة اليد ؛
تاركا النخب لتستمتع بخيباتها …هاربة إلى تخصصها الجديد …
وهو التفوق الحقيقي في إحصاء الرزايا …
مات الرفيق الذي صاغ رفقة أخاذة في شخصيته …
بين الصرامة المبدئية والقدرة على استيعاب الرأي الآخر …
الجذب في اتجاه تخليق الحوار هي طاقة رشيد جبوج …
في منازلة معاول الهدم وجرافات الاقتلاع …
لن أهيم في سرد مناقب مناضل تقدمه فضائله …
أحرفي هذه هي في حاجة إلى شحنة من الشجاعة للاقتراب من قامة مهابة في حضورها وغيابها…
لا ينكر …حتى الذين اختلفوا مع رشيد جبوج …مهاراته الجذابة في دفاعه الدائم عن توطين المشروع اليساري داخل منظومة إنسانية متعددة الصراحات …
قوة المشروع في تحديد صراحة الهوية غير المتعالية على معطيات المجتمع …
قوة جديرة بالاختراق الناعم …
محمولة على ذهنية ثقافية صادقة ترفض الإلغاء …لذلك كان يفضل أن يعنون المسار ب ” معركة الكلمة ” …
وهي معركة مكثفة بالخصوبة …
اختار سليل شمس فاس ممارسة السياسة بدون مساحيق …
لم يبحث عن بطولة يوما ولا عن ” مقعد ” …
لم ينعت أحدا بسوء في غمرة الانقسامات والانضمامات والتوترات …
لم يخون أحدا….
لم يشتبك مع أحد …
ولم يفبرك دسيسة …
رشيد جبوج العزيز …
ذهب الراحل إلى نادي الكبرياء في التاريخ …
الصفاء في التاريخ هو القمة والرفعة …
رحم الله رشيد جبوج .