مائوية موحى وحمو وقصة “مجدول الحرير في دار الزياني”

0
  • المصطفى زيان

“مجدول الحرير” هو الحزام الذي يعول عليه.. وتم تشبيه به فرسان الأطلس المتوسط، الذين انخرطوا في حرب المقاومة المغربية ابتداء من 1907م، ولبوا نداء القبائل المجاورة في الشاوية والسايس والحوز وتادلة.. نسجت حولهم أشعار خلدتها الأهازيج، وفي هذا السياق تُصنف قصة البيت الذي لا يزال يردد في فن العيطة “مجدول الحرير في دار الزياني”.

كان لـ “موحى اوحمو الزياني” كلمة و قدرة على تجييش الفرسان حتى صار رجال الأطلس المركزي ممن يُلجأ إليهم ويُعول على دعمهم.. أسسوا لسربة التبوريدة، المشتقة من كلمة ‘‘البارود’’ و بعدها الروحي القوي في اتحاد الفارس بفرس..

 اجتهد فنانو العيطة، وشبهوا فرسان زايان تشبيها راقيا ب “مجدول الحرير”، ويعني مجموعة خيوط حريرية مغزولة مشدودة بالعقد الفاسية، والمجدول في نسجه مخدوم بخيوط الحرير أو الصقلي، ذهبي وفضي، يعتمد لتثبيت اللباس، سواء رفع الأكمام للأكل و العمل، أو في الأزياء الشمّار عند النساء ويكون بالتالي إلى جانب “المضمة”، كما أن “المجدول” و”المضمة” أجزاء من سروج الخيول وحزام شكارة الفارس..

لازمة العيطة المراكشية “مجدول الحرير فدار الزياني” رُبطت بقصيدة “تِكشبيلة تِيوْلِوْلاَ” التي تلخص مأساة تهجير الأندلسيين بالقوة، هذا الربط نُسج بدلالات لمدح الفارس ورجال سربة خيول داع صيتها..

كانت أولى أخبار دخول الفرنسيس لوجدة، وقصف الدار البيضاء، على التوالي 23 مارس و30 يوليوز1907، انضمام فرسان الأطلس إلى قبائل الشاوية في مقاومتها سنة 1908 على أبواب الدار البيضاء، ثم معاهدة الحماية عام 1912 التي زادت المقاومة اشتعالا، فانخرط الأطلسيون في دفاع متقدم بنزعة وطنية؛ فخاضوا معارك مسلحة طاحنة منها؛ تافودايت أبريل 1912 ببلاد زمور، أكوراي في ماي1912 ، إفران بني مطير يونيو 1912م، وارغوس سنة 1913م ناحية وادي زم.

وبعدها معركة الزحيلكة بزعير و معارك الدفاع عن القصيبة سنة 1913م بتحالف مع موحى أوسعيد، كما شارك الأطلسيون في مواجهة جند منجان الذي دخل تادلا في أبريل 1913م، متكبدا خسائر فادحة في الأرواح و العتاد، وفي معركة القصيبة التي دامت ثلاثة أيام متواصلة، أجبروا فيها الكولونيل مانجان على التراجع لتادلة..

كتب النقيب كورني في رائحة البارود “الفصل العاشر مواجهة الزياني”، قائلا “علمنا بتأهب الزياني، هذا الرجل الذي كان يبعث الرعب في النفوس لأنه الأكثر تنظيما، فأعطى العقيد مانجان أوامره للفيلق الألبيني بتخصيص هذا اليوم بأكمله لنقل المؤن والمعدات الحربية كلها من مركز بير مزوي إلى مركز وادي زم البعيد بنحو ثلاث ساعات، وإصلاح الخط التلغرافي الذي حطمه العدو، مركز وادي زم الذي تأسس في ديسمبر 1912م. أكد لنا أحد جواسيسنا أن موحى وحمو الزياني بمعية ألف محارب و بندقية يوجد على بعد ست مراحل من المركز بالغابة..”.

وفي سنة 1914 كانت الفيالق الفرنسية مرغمة على فك لغز عاصمة الأطلس لتنهب المغرب النافع بظهر محمي ولتغنم ثروات الأطلس المنجمية الغابوية..، المذكورة في كتب التاريخ وتقارير جواسيسها من أمثال الرحالة “شارل فوكولد”.. وقد أثبت “هوبير ليوطي”، المقيم العام دوافع احتلال الأطلس المتوسط بالقول “إن بلاد زايان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط…. فمن الواجب أن يكون هدف سياستنا هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع”.

انطلقت الجيوش الفرنسية من الرباط ومكناس وتادلة، تحركت لتشكل مجتمعة عشرة أفواج ب 7 كتائب و7 قطع مدفعية ومخازنية ومجندين من الجزائر والسينغال حوالي 15000 جنديا و 360 ضابطا من خريجي المعاهد الحربية، حيث تم احتلال خنيفرة، يوم الخميس12  يونيو1914م، فخرج الأهالي للجبال لمحاصر الداخلين والخارجين، نشبت معارك أربكت العدو كمعركة؛ بين أقلال وتكط والحجرة المثقوبة.. فغنم فرسان الزياني المؤونة والسلاح..

 اندلعت الحرب العالمية الأولى فبدأت تداعيات الحرب ترخي بظلالها على معسكر خنيفرة، تقلص عدد الجيوش وأمكن حصار المرابطين دون وصول المؤن إليهم من تادلة ومكناس، فنال منهم الجوع والمرض.. وفي خضم ذلك انتحر الكولونيل لافيردون ومعه كتيبته بأكملها، حسب تقارير الاستعلامات الكولونيالية، يوم اختار الهجوم على “لهري” لاعتقال القائد، كان ل “موقعة لهري”، في13  نونبر 1914م الأثر الكبير في ذيوع صيت محمد وحمو الزياني، محليا وطنيا ودوليا.

على الرغم من الزخم التاريخي الموثق لخنيفرة تحتل الأهازيج حيزا مهما في التأريخ إلا أن الذاكرة تنسى ولا يعول عليها.. الأكثر شهرة مقطعا في العيطة الرحمانية يغني عن جرد “موقعة لهري” أبيات من قصيدة طويلة:

غوتت الشلحة في الجبال

دارتها نوضة وزغاريت

بين الجبال وبين الطرقان

وفي ساعة ولاّت غمـــام

المعركة فجرت حركة عصيان جماهيري، وحدت المقاومة وردد أهل فاس مكناس ومراكش عيطة “مجدول الحرير فدار الزياني”.

بعد “معركة لهري”، توالت الأحداث، فاختار القائد البعد للجبال.. إذ لا يجوز له أن يظل أكثر مما ينبغي، كي لا يكون بمستطاع الأعداء أن يجدوه ويمسكوا به ليشكِّلوه، ليُقَوْلبوه أو يأخذوا و لو صورة له.. قطعت المقاومة المغربية أشواطا ثم لجأت دبلوماسية المحتل لاستقطاب أبناء الزياني و لعل البيت المترجم المنسوب للقائد موحى اوحمو يوجز ما كان:

يا نسر طر عاليا لا تعد لمكان الخوف… إذا لم يمسكوا بك سيراودون أبناءك

موحى وحمو الزياني، هو محمد بن حمو بن عقى بن أحمد، المدعو أمحزون بن موسى، أمحزون لقب أطلقه الجد القادم من الجنوب، موحى وحمو، موحى تصغير لكلمة محمد، ولد وسط عائلة قبيلة آيت حركات؛ فخذة تنتمي لقبائل زيان الأطلسية المستقرين نواحي قرية البرج، كانت تعيش من تربية المواشي ورسوم العبور من قنطرة البرج ثم قنطرة خنيفرة.

الزياني ساهم في تعمير مدشر خنيفرة، بلغ مركز القايدية بالتقرب للمخزن، ارتبط اسمه بمعركة لهري يوم 13 نونبر 1914م ضد جند فرنسا، يعتبر أبرز رجال المقاومة في التاريخ الحديث، قُتل في معركة أزلاك نتزمورت بجبل تاوجكالت يوم 27 مارس 1921 وضريحه بتاملاكت.