أسدلت “جمعية رفيق لذوي اضطراب التوحد”، بمدينة خنيفرة، يوم السبت 5 يوليوز 2025، الستار على موسمها السنوي في حفل اختتامي إنساني بامتياز، جسد حدثا مفعما بالأمل والانخراط المجتمعي في معركة الدفاع عن حقوق الأطفال ذوي التوحد، وأبرز التحديات والآمال التي ترافق هذه الفئة في مسيرتها اليومية نحو الاعتراف والاندماج، ولم يكن الحفل مجرد مناسبة احتفالية فقط، بل محطة مؤثرة حضرها آباء وأمهات الأطفال المعنيين، وفاعلون جمعويون وتربويون وحقوقيون، وعدد من المهتمين بمجال الإعاقة وحماية الأم والطفل.
اللقاء المنظم في ضيافة “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، افتتح بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بصوت المهدي الفارسي، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة وأحد مكونات مكتب الجمعية المسيرة ل “مركز تأهيل وإدماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة” بالقباب، تلاها عزف جماعي للنشيد الوطني، بمشاركة أطفال الجمعية المنظمة للحفل، تردد صداه في أرجاء القاعة بأصوات موحدة تصر بقوة على أن الانتماء لهذا الوطن لا يقاس بسلامة الجسد بل بسلامة الروح والمواطنة.
وفي كلمتها الترحيبية، عبرت رئيسة الجمعية، نهيلة دودو، عن اعتزازها بهذا الموسم الذي توج بتقدم ملموس في برامج الجمعية وخدماتها، موجهة شكرها الخالص لكل من دعم وساند، من سلطات وشركاء وأسر، ومنوهة بثقة الآباء والأمهات الذين وضعوا أبناءهم في حضن الجمعية، كما استعرضت الخدمات المتنوعة التي تقدمها الجمعية، لفائدة الأطفال من ذوي التوحد، وهي خدمات تشمل الدعم التربوي والنفسي والتأهيلي والتوعوي، مسترسلة في تأكيد استعداد الجمعية لمواصلة مشوارها بتصميم أكبر في الموسم المقبل.
وتميز الحفل بتطوع الفاعل المدني، سليمان بوستة، لتولي تنشيط وتسيير الفقرات على طريقته المتألقة والمفعمة بالحيوية، أبدع في خلق جو تواصلي دافئ، ولم يفوت الفرصة ليحيي الأمهات على صبرهن ونضالهن، ويثمن مجهودات الجمعية التي تشتغل من قلب العمل الإنساني، مؤكدا أن “الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في غياب الإرادة والعزيمة”، مناديا على الشاب رضا مفتاح، الذي كسر حواجز الجسد من خلال إبداعاته التشكيلية باستخدام قدميه، إلى جانب حضوره الفعال في المجتمع المدني والكشفية وتشجيع فريقه الرياضي المحلي.
وبينما أخذ من هذا الشاب واحدا من النماذج التي تجاوزت الإعاقة، لم يغفل سليمان بوستة بالتالي الاعتراف بمجهودات أحد أبرز المتخصصين في المجال، حيث جرى الاتصال الهاتفي بالأخصائي النفسي الحركي، طارق محامي، وإشراكه في جزء من الحفل تنويها بما قدمه من رعاية وتكوين ودعم نفسي وعلمي لفائدة الأطفال ذوي التوحد بخنيفرة، في مسار رافقته فيه الجمعية على مدى سنوات، دون أن يفوت الحضور ومكونات “جمعية رفيق” التصفيق بحرارة للمعني بالأمر الذي كان قد غادر المدينة.
وفي لحظة مفعمة بالرسائل والطموحات الإنسانية، قامت الفاعلة الجمعوية، رشيدة مرزوق، بعرض شريط توثيقي على الشاشة الضوئية، استعرضت من خلاله أبرز محطات عمل الجمعية خلال الموسم السنوي، بما شمله من ندوات علمية، ودورات تكوينية، ولقاءات تحسيسية توعوية، وموائد مستديرة، إلى جانب أنشطة دينية وتربوية، ومساهمات فنية وثقافية وبيئية، وكذا انخراطات وشراكات مثمرة عكست الحركية الميدانية والترافع المستمر الذي تنهجه الجمعية دفاعا عن كرامة الفئة المستهدفة.
وتوالت بعد ذلك الفقرات المبرمجة، من بينها عرض مسرحي تعبيري مشترك أبدع فيه أطفال الجمعية إلى جانب أطفال مدرسة آمالو، جسدوا من خلاله، بلغة الجسد والمشاعر النبيلة، معنى التوحد، ووجهوا نداء دافئا للأسر والمجتمع بضرورة القبول والاحتضان، بعيدا عن الإقصاء والتقصير، كما أدى الأطفال أغنية جماعية مؤثرة لامست قلوب الحاضرين، تلاها تدخل صادق من طفلين (بلال وخولة) عبرا ببراءة وعفوية عن تجربتهما مع التوحد، ليمنحا للمشهد بعدا أعاد طرح الأسئلة حول موقع هذه الفئة في المجتمع وسبل مواكبتها.
وفي حضور الرياضة، أضاءت عروض من فنون “التايكواندو” أجواء الحفل، بقيادة المدرب أحمد رشدي الذي استعرض، في كلمة له، دور هذه الرياضة في تعزيز الثقة بالنفس والتعبير الجسدي، وجعلها أداة إدماج وتمكين، وليس مجرد منافسة بدنية، ليقوم فريق من تلامذته بعروض من الفنون القتالية، بالإضافة إلى عروض حركية شملت تقنيات استعراضية في تكسير الألواح والآجورمن باب إبراز المهارات في مشاهد ممتعة للجمهور، دون أن يفوت الفريق إشراك بعض الأطفال من ذوي التوحد.
وتوقف اللقاء في فقرة التكريمات، تم فيها توزيع عدد من التذكارات والشهادات على مجموعة من الفاعلين والأشخاص والشركاء ممن ساهموا في مساندة مسار الجمعية وحقوق الطفل، من أطر ومؤطرات ومتخصصين ومسؤولي التربية الدامجة، وأعضاء في المجتمع المدني، اعترافا بدورهم الحيوي في دعم حقوق الطفل وإنجاح موسم الجمعية، فيما لم يخل الحفل من لحظات تأسف إزاء غياب بعض المسؤولين والمنتخبين الذين وجهت إليهم الدعوة، انطلاقا من أن دعم ذوي التوحد يعد واجبا اجتماعيا وإنسانيا ينبغي أن يتقاسمه الجميع.
ميلاد رفيق ورسائلها
يذكر أن “جمعية رفيق لذوي اضطراب التوحد” تأسست سنة 2020 بخنيفرة، بمبادرة من مجموعة من أولياء أمور الأطفال المصابين بالتوحد، جاءت كرد فعل على فراغ مؤسساتي في الإقليم، ورغبة في تأسيس فضاء احتضان حقيقي، يوفر للأطفال الرعاية النفسية والتربوية، ويدافع عن حقوقهم في التعليم والكرامة، ومنذ نشأتها، اختارت الجمعية العمل الميداني الفاعل، من ذلك تنظيم ورشات، تقديم دعم نفسي فردي وجماعي، تقويم النطق، تقوية القدرات الحركية والمعرفية، مواكبة الأسر، بناء شراكات، وتوسيع الوعي المجتمعي بالتوحد.
في أفق الاختتام
وكانت جمعية رفيق قد اختتمت موسمها السنوي بحصيلة غنية من الأنشطة المتنوعة، التي عكست انخراطها المتواصل في الدينامية المجتمعية والترافع الميداني من أجل إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة، فعلى مدى الأسابيع الأخيرة مثلا، شاركت الجمعية في اللقاء التشاوري الذي نظمته “جمعية جسور ملتقى النساء المغربيات” حول إصلاح مدونة الأسرة، والذي احتضنه مركز تأهيل وإدماج الأشخاص المعاقين بالقباب، بحضور عدد من الفاعلين في المجتمع المدني.
وفي إطار شراكتها مع مندوبية التعاون الوطني، ساهمت الجمعية في نشاط فني للرسم على الجداريات بالملعب البلدي، كان بمثابة مساحة للتعبير البصري عن التقبل والاندماج، كما شاركت في المسابقة الخاصة بالطبخ التي نظمتها جمعية “دارنا” واحتضنتها جمعية “تغزى أطلس للتنمية”، ضمن الحملة الوطنية لإذكاء الوعي حول الإعاقة التي أطلقتها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، بهدف تمكين المشاركين من إبراز قدراتهم في فن الطبخ، وتعزيز استقلاليتهم كخطوة نحو الاندماج المجتمعي.
وانخراطا منها في التوعية والتحسيس، نظمت جمعية رفيق لقاء تواصليا تحسيسيا ب “مدرسة متشيفسان” لفائدة أمهات الأطفال في وضعية إعاقة، ركز على أهمية التشخيص المبكر وسبل الدعم الأسري، بمشاركة أطر متخصصة من قبيل سعيد أعبا، ونهيلة دودو، وكنزة فكار، وخديجة أزلماط، كما عرفت الفترة تنظيم الدورة التكوينية الثالثة الموجهة للأسر، بتأطير الخبيرين ربيع مرغنيس وكنزة فكار، وبدعم من مندوبية التعاون الوطني، والتي سعت إلى تنمية المهارات الأسرية في التعاطي مع احتياجات الأطفال.
وتوجت الجمعية أنشطتها بتنظيم احتفال خاص بمناسبة اليوم العالمي للأم، حيث تم تكريم أمهات المركز عرفانا بأدوارهن الأساسية في تنشئة الأطفال واحتضانهم. وتمحورت فقرات هذا اللقاء التوعوي حول إذكاء الوعي لدى الأمهات بكيفية توفير بيئة أسرية داعمة وآمنة، وتعزيز الثقة بالنفس وتقدير الذات لديهن، إضافة إلى موضوع إدماج الأطفال في المجتمع بروح من التقبل والوعي، كما تم تخصيص حصة من سلسلة التكوينات لمناقشة موضوع المراهقة، استهدفت الأمهات وأطر الجمعية.