لقاء تكويني بخنيفرة يؤكد دور المربية في بناء الطفل ويراهن على “علم نفس مغربي”

0
  • خنيفرة: أنوار بريس
في مبادرة تروم الارتقاء بالممارسات التربوية وتعزيز كفاءات مربيات التعليم الأولي، نظمت “مجموعة واحتي الصغيرة” بخنيفرة، يوم السبت 28 يونيو 2025، يوما تكوينيا احتضنه “المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين” بالمدينة، وأطره الفاعل التربوي محمد كطيوي، بحضور عدد نوعي من المربيات العاملات بمؤسسات التعليم الأولي، وقد شكل اللقاء فرصة لفتح نقاش معمق حول مختلف الأبعاد النفسية والمعرفية والسلوكية التي تهم مرحلة ما قبل التمدرس، باعتبارها مرحلة تأسيسية في بناء شخصية الطفل.
انطلق المؤطر من معاينته للتغيرات والمستجدات التي يعرفها قطاع التعليم الأولي في ضوء التوجيهات الجديدة للمنهاج التربوي الوطني، مؤكدا أن الفعل التربوي في هذه المرحلة الحساسة يتطلب فهما دقيقا لحاجيات الطفل النفسية والعاطفية والمعرفية، وإذ ذكر المؤطر بعدد من الأبحاث والدراسات النفسية والتربوية ذات الصلة بنمو الطفل، فقد شدد على ضرورة التحرر من النظريات المستوردة الجاهزة، والدعوة إلى اعتماد ما سماه بـ “علم النفس المغربي”، المنطلق من خصوصيات السياق المجتمعي والثقافي.
وقد تمحور اللقاء، منذ بدايته، حول أهمية دور المربية كفاعل مركزي في الحياة اليومية للطفل، انطلاقا من القاعدة القائلة إن “لا أحد أدرى بشعاب أي مجال إلا أهله”، حيث حرص المؤطر على إبراز اللحظات الأولى للطفل في الروض، موضحا “أن بكاءه لا يعني بالضرورة رفضه، بل يمثل بداية عملية الاندماج والبحث عن الأمان وسط بيئة جديدة”، ما يستوجب من المربية “وعيا خاصا بطرق التفاعل مع الطفل، واحتواء قلقه واستيعاب حركيته”، واستعرض، بالموازاة مع ذلك، عددا من الأساليب التربوية التي تساعد الطفل على اكتشاف ذاته ومحيطه.
وشدد كطيوي على أن المربيات وحدهن، بما يمتلكن من صبر وخبرة يومية، “قادرات على تحمل حركية الطفل بكل ما تحمله من انفعالات عقلية وسلوكية وعاطفية”، مشيرا إلى أن الكثير من هذه الانفعالات لا تُفهم إلا من داخل الممارسة الميدانية، وفي هذا الإطار، عرج النقاش على “إشكالية غياب الفضاءات المؤهلة لاستيعاب الأطفال وتقبل حيويتهم”، مع بروز تساؤلات حقيقية حول “كيفية نقل الطفل من بيئة يشعر فيها بالمطاردة أو التأديب إلى بيئة تحتضنه وتؤمن له شروط التفاهم والتعاطف والتفهم”.
كما توقف اللقاء عند ممارسات مجتمعية خاطئة تؤثر على علاقة الطفل بالمربية، من قبيل لجوء بعض الأمهات إلى “تخويف أبنائهن بها، مما يضع المربية في موقع من يحتاج إلى تبرير ذاته أمام الطفل، وإقناعه بأنها ليست مصدر خوف أو عقاب، بل رمز للأمان والرعاية والثقة”، وهو ما يستدعي ضرورة “تحسيس الأسر، خاصة الأمهات، بالدور التربوي الكبير الذي تضطلع به المربيات”، وأهمية إرساء علاقة تكاملية بين الأسرة والروض، لبناء شخصية طفل متوازنة نفسياً واجتماعيا.
وانتقل المؤطر إلى مناقشة العلاقة بين الحنان الأمومي والأمان الروضي، معتبرا أن “الجمع بين هذين البعدين ضروري لبناء إنسان قادر على الثقة في نفسه وفي الآخر، وعلى مقاومة الصدمات والمحن دون أن يسقط في براثن الحقد والعنف والكذب والسلوك السلبي”،. وارتكز النقاش على ضرورة بناء مناعة نفسية لدى الطفل منذ المراحل الأولى، وتوفير مناخ تربوي يحفّز على الانفتاح والثقة والتفاعل وفق خلاصات دراسات علمية أكدت أن تكوين الإنسان يبدأ فعلياً منذ سن ما قبل الست سنوات.
وفي المحور المعرفي من التكوين، تم التطرق إلى مفهوم الفضول المعرفي وحب الاستطلاع لدى الطفل، باعتباره أساسا في تكوين شخصيته، حيث أجمعت المناقشة على “احترام أسئلته المتكررة ومساعدته على اكتشاف العالم، من خلال تقديم أجوبة صريحة وبسيطة ومقنعة، دون تهميش أو تهرب”، واعتبار مبادرة الطفل إلى السؤال أو الفعل هي “مؤشرات إيجابية على نموه المعرفي، تتطلب من المربية تشجيعا واحتراما، بغرض تمكينه من أدوات التعبير والتواصل الفعال الخالي من التردد أو الخجل”.
ومن الجوانب التي أغناها اللقاء التكويني، التوقف عند الحكاية والأقصوصة كأداتين تربويتين فنيتين في متناول المربية، إذ تم التعريف بهما كأشكال أدبية “قادرة على إمتاع الطفل وتثقيفه في الآن ذاته، لما تحتويه من عناصر التشويق والغرابة والعجائبية والشخصيات المتنوعة، سواء كانت واقعية أو خيالية”، فيما تم التطرق أيضا إلى الأثر الإيجابي لهذه الحكايات على نفسية الطفل، وعلى قدرته على التركيز، وتوسيع مخيلته، وتكوين لغته، وترسيخ القيم الإيجابية في سلوكه ونموه.
ولأجل التوضيح التطبيقي، استعرض المؤطر قصة “سبعة فئران مختلفة الألوان”، التي تروي لقاء كل فأر بجزء من شيء ما دون أن يدرك الحقيقة الكاملة، ليصل الجميع في النهاية إلى أن ما شاهده كل واحد منهم كان جزء من كائن واحد هو الفيل”، وقد اعتُمدت هذه القصة كنموذج تطبيقي لتدريب المربيات على تقنيات السرد والحكي، واستعمال الحركات والألوان والرمزية التربوية من أجل إيصال الرسائل التعليمية بشكل فني وسلس، وبما يسهم في تطوير الممارسة اليومية داخل فصول الرياض.
وفي الجزء الأخير من التكوين، تم الانفتاح على الجانب التنشيطي والتربوي، من خلال أداء جماعي لمجموعة من الأناشيد التعليمية، أبرزها نشيد عن أهمية الإنصات ودوره في ترقية السلوك، وآخر عن السلامة الطرقية واحترام قانون السير، في ربط بين السلوك المدني والتربية الأولية، كما تم تخصيص لحظة تعريفية بمجموعة “واحتي الصغيرة”، وبأهدافها الرامية إلى النهوض بمناهج التعليم الأولي، قبل اختتام هذا اليوم التكويني بتوزيع الشهادات على المشاركات، في جو يطبعه الاعتراف بجهود المربيات، وتقدير لمسؤولياتهن التربوية.
error: