خنيفرة تستضيف “قدماء خريجي ثانوية طارق بن زياد” لتشخيص رهانات وتحديات التنمية المستدامة محليا وجهويا

0
أحمد بيضي
تحت شعار “التنمية المستدامة الجهوية والمحلية: آفاق وتحديات”، احتضنت مدينة خنيفرة، يوم السبت 21 يونيو 2025، يوما دراسيا، نظمته “جمعية أميافا للتنمية المستدامة لقدماء خريجي ثانوية طارق بن زياد بآزرو”، بشراكة مع المجلس الإقليمي لخنيفرة، وبحضور متميز شمل عامل الإقليم، ورئيسي المجلسين الإقليمي والجماعي، وممثلي السلطات المحلية، ومسؤولين إداريين ومنتخبين، إلى جانب خبراء وفاعلين جمعويين، وأكاديميين، ومهتمين بقضايا التنمية الترابية والمجالية، حيث جاء هذا اليوم الدراسي ليعيد تشخيص رهان التنمية المستدامة، انطلاقًا من القاعدة المجالية باعتبارها البوابة الفعلية لأي تحول تنموي حقيقي.
في الكلمة الافتتاحية، رحب رئيس الجمعية، إدريس مسكي، بالحضور، مشيرا إلى أن هذا اللقاء ليس مجرد مناسبة أكاديمية أو خطابية، بل محطة للتفكير الجاد والمسؤول في ما يمكن أن تقدمه جهة بني ملال خنيفرة عموما، وإقليم خنيفرة على وجه الخصوص، في مسار تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، واعتبر أن التنمية المستدامة، رغم كونها قضية كونية تتصدر الأجندات العالمية، إلا أن تجلياتها الحقيقية تبدأ من الواقع المحلي، حيث تظهر التحديات وتتجلى فرص الفعل والتأثير، ما يفرض دينامية متنامية داخل المجتمع المدني المحلي لأجل المساهمة في التفكير الجماعي وصياغة بدائل تستجيب للواقع المحلي وتسير في انسجام مع التوجهات الوطنية والدولية.
ومن خلال ذات كلمته الافتتاحية، أكد المتحدث، إدريس مسكي، ضمن كلمته، على ضرورة اعتماد مقاربات تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجال، مستعرضا الإمكانيات التي يزخر بها إقليم خنيفرة من غابات، وثروات مائية، وتنوع طبيعي يمكن أن يشكل قاعدة صلبة لتنمية شاملة تراعي الإنسان والبيئة معا، مستعرضا مجموعة من المقترحات العملية والمشاريع الممكنة، من بينها تطوير السياحة الإيكولوجية المستدامة، وتحسين البنية التحتية بالعالم القروي، والتربية البيئية، وتشجيع التكوين في مجالات الزراعة المستدامة والطاقات المتجددة، مع التركيز على دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
من جهته، شارك الخبير في الاقتصاد القروي والتنمية الدولية، المهندس الحبيب بن الصحراوي، بمداخلة علمية دقيقة تناول فيها تطور مفهوم التنمية المستدامة عبر محطاته الدولية الكبرى، من قمة ستوكهولم سنة 1972، وتقرير “مستقبلنا المشترك” سنة 1987، إلى قمة ريو 1992 وأجندة 21، وصولا إلى أهداف التنمية المستدامة 2030 التي تبنتها الأمم المتحدة، والمتضمنة لـ17 هدفا و169 غاية تغطي أبعادا بيئية، اقتصادية، اجتماعية، وثقافية، وأوضح أن 65 بالمائة من هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا من خلال العمل على المستوى المحلي، مما يفرض اعتماد مقاربة ترابية مندمجة.
وأشار إلى أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب جملة من الشروط البنيوية، أبرزها توفير إطار قانوني ومؤسساتي واضح، تمويل كاف، تأهيل الموارد البشرية، وتنسيق فعال بين المتدخلين، إلى جانب إشراك المواطن كمحور لكل عملية تنموية، كما دعا إلى الانتقال من التنظير إلى الفعل، وإلى اعتماد الشفافية وتعبئة التمويلات العمومية والخاصة، وتكييف الأهداف الأممية مع الواقع المحلي في كل جهة، فيما أعرب عن قلقه من تباطؤ التقدم في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة على المستوى العالمي، حيث لا تتجاوز نسبة التقدم الإيجابي 17 بالمائة، مما يحتم اتخاذ قرارات جريئة وسياسات مندمجة.
وفي مداخلة ثانية، عاد إدريس مسكي ليقارب موضوع الجهوية المتقدمة، متتبعا تطورها منذ إدراجها لأول مرة كفكرة في دستور 1971، وصولا إلى تكريسها كورش استراتيجي في دستور 2011، الذي منح الجهات استقلالية مالية وشخصية اعتبارية، موضحا أن التجربة الجهوية، رغم ما سجلته من إنجازات على مستوى تفعيل المجالس الجهوية وتوقيع عقود البرامج، لا تزال تواجه تحديات واقعية، مثل تأخر نقل الاختصاصات، ضعف التمويل الذاتي للجهات، تعثر صدور بعض النصوص التنظيمية، غياب التنسيق، وندرة الكفاءات المتخصصة على المستوى الترابي، داعيا إلى إصلاحات هيكلية شجاعة تعيد الاعتبار للجهوية كمحرك للتنمية الترابية والاقتصادية.
أما د. محمد ياسين، الباحث، الفاعل المدني ورئيس “مؤسسة روح أجدير الأطلس”، فقد أثرت مداخلته النقاش بإضاءات نقدية تناولت المفارقات التي تعيشها جهة بني ملال خنيفرة، حيث تسجل هذه الجهة، رغم غناها الطبيعي الكبير، مؤشرات مقلقة على مستوى الفقر، البطالة، ضعف البنيات التحتية، وغياب الربط الطرقي والهوائي، خاصة في إقليم خنيفرة، وزاد ياسين فأكد أن التنمية المحلية المستدامة لن تتحقق إلا عبر تصور يستوعب خصوصيات الإقليم الجغرافية والاجتماعية والبيئية، ويضع الإنسان في مركز الاهتمام، داعيا إلى تخطيط مندمج يستند إلى تشخيص واقعي دقيق، ويرتكز على تثمين التراث البيئي والثقافي.
وامتدادا لمداخلته، وجه د. ياسين نقدا صريحا لوضعية ضعف التنسيق بين الفاعلين المحليين والجهويين، مسجلا اختلالات واضحة على مستوى الحكامة الجهوية، مما يعيق أي تصور متكامل للتنمية، وشدد على ضرورة تحويل إقليم خنيفرة إلى نموذج وطني رائد في التنمية البيئية والثقافية، من خلال الاستثمار في السياحة المستدامة، وتمكين النساء، وتحقيق توازن منصف بين الإنسان والبيئة، مع اعتماد بدائل إبداعية تتجاوب مع واقع التحولات المناخية، والهجرة القروية، وندرة الموارد، كما دعا إلى بلورة رؤية استراتيجية شاملة تعتمد مقاربة للتسويق الترابي تثمن ما يزخر به من رصيد تاريخي، وغنى ثقافي، ومؤهلات طبيعية وسياحية وبيئية.
من جهتها، أكدت ذة. زينب بنرحمون، أن التنمية لا يمكن اختزالها في مؤشرات كمية أو مخططات تقنية، بل هي مشروع حضاري شامل يستوعب البعد الثقافي الذي يجب أن يحتل موقعا مركزيا في كل تصور تنموي، وأوضحت أن العلاقة بين المجالين القروي والحضري يجب أن تبنى على التكامل، لا التناقض، داعية إلى إدماج الثقافة، التراث، البيئة، والهوية ضمن الرؤية التنموية، بينما شددت على هشاشة الوضع البيئي بجهة بني ملال خنيفرة، حيث تتقاطع مظاهر الفقر، الأمية، ضعف البنيات، ما يستوجب مقاربات مرنة قادرة على التكيف، والانخراط في استراتيجيات وطنية للسيادة الغذائية، العدالة المجالية، وتحقيق حكامة ترابية شاملة، يكون فيها الإنسان محورا أساسيا.
وقد شهد اللقاء تفاعلا حيويا، حيث فُتح باب النقاش أمام الحضور، الذين طرحوا تساؤلات عميقة، وتقدموا باقتراحات نوعية أغنت الحوار، وسط تجاوب من المحاضرين الذين أبدوا انفتاحا كبيرا على التفاعل وتبادل وجهات النظر، في مشهد جسد روح المواطنة والتفكير الجماعي في مستقبل تنموي عادل ومنصف، حيث لم يكن هذا اليوم الدراسي مجرد محطة أكاديمية، بل لحظة تأمل جماعي ومسؤول، عكست الحاجة الملحة لإعادة التفكير في النموذج التنموي الجهوي، من خلال مقاربات قائمة على التمكين، الشفافية، وتثمين خصوصيات المجال، لجعل التنمية المستدامة واقعًا ملموسًا ينطلق من خنيفرة، ويتجاوز حدود الجغرافيا ليصنع الفارق على مستوى الوطن ككل.
واختتم هذا اليوم الدراسي بتنظيم زيارة ميدانية موجهة، قادت الوفد الحاضر إلى مجموعة من المواقع ذات القيمة السياحية والإيكولوجية العالية بإقليم خنيفرة، شملت مناطق أروكو، أجدير، وأكلمام أزكزا، التي تعد من أبرز المعالم الطبيعية والغابوية التي تختزن إمكانات تنموية واعدة، وقد شكلت الزيارة مناسبة للوقوف عن كثب على ما تزخر به هذه الفضاءات من تنوع بيولوجي وجاذبية طبيعية وثقافية، ما يفتح آفاقا حقيقية لبناء مشاريع سياحية مستدامة ومتوازنة، كما أتاحت الجولة للمشاركين فرصة تأمل ميداني لواقع المجال، وقياس حجم ما يمكن أن ينجز لو تم توظيف هذه الموارد في إطار رؤية تنموية مندمجة، تنطلق من تثمين الرصيد الطبيعي والبيئي.
error: