
بأكادير معرض تشكيلي فوتوغرافي مشترك بين الفنانين المغربي الإمام دجيمي والفرنسي سيرج فيلي
.عبداللطيف الكامل
احتضنت قاعة رواق حديقة أولهاو بحي تالبرجت بمدينة أكَادير،منذ يوم الجمعة 23 ماي 2025،معرضا تشكيليا وفوتوغرافيا مشتركا بين الفنانين المتميزين المغربي الإمام دجيمي والفرنسي سيرج فيلي،مزج فنيا بين لوحات تشيكلية وصورفوتوغرافية تعكس لونين متقاربين في التيمة والرؤية والنظرة إلى الطبيعة والتراث والمعماروالثقافة.
وهكذا عبرت اللوحات الفنية المعروضة عن نظرتين مختلفين للأشياء والمحسوسات والموضوعات لكنها التقت معا في تيمة واحدة وهي أن ما ميز المغرب هو تعدد ثقافته وتراثه ومعماره وتنوع هويته البصرية المتجذرة في التاريخ.
فمثلا الفنان الإمام دجيمي نحت عمله التشكيلي من تراث مغربي أصيل ومن ثقافة صحراوية التي استلهم منها رؤيته الفنية المصاغة في لوحاته الموشومة بإرث النقوش الصخرية الصحراوية،حيث استطاع عبرها أن ينسج جسراً فنيا يجمع بين إبداعه التشكيلي وبين الموروث الثقافي الصحراوي المتجذر في التاريخ المغربي المعبّرطبعا عن حقب زمنية عاشها الإنسان المغربي في صحرائه الجنوبية.
كما توحي خطوط وملامح وعلامات ورموزلوحات الإمام دجيمي عن ولعه وشغفه بإرث النقوش الصخرية باعتبارها تعبيرات فنية أولى للإنسان تجد لها اليوم مكانا في الإبداع التشكيلي المعاصر،لكونها ذاكرة تاريخية من جهة وحضارة مغربية من جهة ثانية،ومن ثمة حاول الفنان تضمينها في كل رسوماته المبثوثة في لوحاته إحياء منه لهذه العلامات والرموز القديمة المرتبطة بالأرض(الصحراء المغربية)والموثقة على حياة وتواجد الإنسان هناك.
ولهذه الأسباب يقف الزائر لهذا المعرض منبهرا ومندهشا للأعمال الفنية وللوحات المعروضة ذات التيمة الواحدة النقوش الصخرية بالصحراء التي وثقت لحيوانات كثيرة كانت قد عاشت هناك منذ آلاف السنين ما يبرهن على وجود حياة في الصحراء قبل أن تحولها عوامل التعرية إلى كتبان رملية ومناطق جافة.
لكن ورغم ذلك جعلت الإنسان يتأقلم مع هذه المتغيرات ويعيش عن هذه الأرض بدليل وجود هذه النقوش الصخرية التي ترسخ اليوم في الأذهان فكرة تواجد الحياة والماء والمرعى والعشب بشكل طبيعي قبل تحول هذه الأرض إلى صحراء المتميزة بنوعية كتبانها الرملية الجميلة ونباتاها النادرة(الطلح نموذجا) وحيوانتها(الإبل) وطقسها الجاف…
فلوحات الإمام اكتست أهمية لكونها استطاعت الحفاظ على هذه النقوش والرسوم عن الحيوانات التي انقرض جلها وبالتالي فهي بمثابة وثيقة فنية عن الماضي بدليل أن
الفنان دجيمي قال في كلمته بمناسبة افتتاح المعرض التشكيلي والفوتوغرافي المشترك بينه وبين الفنان الفرنسي سيرج فيلي:”يكفي أن يكون المرء معتادًا على فكرة التاريخ كزمن ينبغي استحضاره باستمراروالتساؤل بشأنه بلا انقطاع،حتى يغمره الإحساس بالاكتفاء”
ومن ثمة صار الفن التشكيلي لدى دجيمي فتحًا وتحديًا في آن واحد لأنه بكل بساطة يمنح زوار المعرض رؤية لما هو مسكوت عنه بصريًا،بخصوص رموز توثق لماضٍ سحيق لم تفقد شيئًا من بريقها وهذا في حد ذاته مثال على الجرأة التقنية والتأملية في نسج خطوط وظلال وألوان.
وما تم عرضه من لوحات تشكيلية يأسر الزائرَ ويدفعه إلى طرح أسئلة مرتبطة بالتاريخ،وخاصة منه ذلك الجزء المرتبط بالماضي الذي بقي موشوما إلى الآن على شكل آثار مرسومة على صخوروجدران الكهوف.
فالانطباع الفوري يتولد بسرعة لدى الزوارمن النظرة الأولى لهذه الأعمال الفنية التي هي في العمق ثمرة انصهاركلي على شكل توحد صوفي روحي بين ذاتين بين وجدان الفنان وبين الرموز الغامضة التي ورثناها عن حضارة صحراء السّاحل الكبرى.
وهنا لابد من التأكيد على أن الفضل يرجع للإمام دجيمي في توثيق هذه الرموزفنيا وتشكيليا لكونه أعاد تشكيلها برؤيته الخاصة ليمنحها حياة أخرى ويخصص لها حيزا مهما في لوحاته المعروضة لصيانتها واحتضانها وجعلها تعيش في الزمن المعاصر والا لبقت حبيسة الصخور التي تتآكل يوما بعد يوم بسبب عوامل التعرية من جهة وتدخل الإنسان من جهة ثانية لكن المعرض جعلها تعيش حياة فنية ثانية.
لوحات الإمام دجيمي ابن الصحراء العاشق لرمالها وطقوسها،تأسرنا بسحر هذه الرموز المتضمنة لقصصً قديمة جدًا ضاربة في عمق التاريخ محتضنة لرقصات بين الإنسان والحيوان،ولطقوس واحتفالات تعود لزمن بعيد ولممالك كانت تعيش هناك في انسجام تام.
بينما اختارت لوحات وصور الفنان الفرنسي سيرج فيلي دجيمي،المعروضة توثيق لحظات زمنية ماضية للمغرب بطبيعته المتنوعة ولآثاره المعمارية الجذابة التي التقطها عدسته منذ أن حل بالمغرب في 1968،وهي لوحات تحمل تيمة واحدة تعبرعن ذاكرة وماضي المغرب،وتوثق لذاكرة المغاربة ونوعية عيشهم وطقوسهم وعاداتهم سواء بالمدن أوالقرى المغربية.
وهكذا تزاحمت صور رائعة في عين الزائر،وهي تؤثث فضاء المعرض،تم التقاطها بشكل احترافي عن المدن المغربية عن بناياتها العصرية والقديمة وعن أحيائها القديمة واسواقها الشعبية..صورتوثق لسنوات الماضي التقطها الفنان الفوتوغرافي الفرنسي،في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي.
وركزت اللوحات على عرض صورمختلفة للمعمار المغربي الأصيل الذي يشكل جوهر البلاد،وهي صورتؤرخ فنيا للمدن العتيقة وأزقتها الضيقة وواجهاتها المطلية بلون الطين والزخارف الهندسية التي التقطتها عدسته بكل من فاس،مكناس،صفرو،وليلي ،تارودانت…وغيرها من الأماكن التي أعيد النظر فيها لإبراز الغنى البصري للتراث المغربي فضلا عن إبرازما ميزالمناظرالطبيعية المغربية من قصبات طينية ووديان صحراوية.
وكما تستعرض الصور المعروضة مشاهد يومية من الحياة اليومية للمغاربة كالأسواق ومحلات الحرفيين والصناع التقليديين،وصورأخرى اهتمت بالإجساد والنظرات والتقاليد المغربية في اللباس والإحتفالات،فضلا عن الإحتفاء فنيا بنوع الأتربة والأحجار و الأقمشة التي تميزالحضارة المغربية الأصيلة….