يخلد العالماليوم العالمي للماء، الذي يصادف 22 مارس من كل سنة، وذلك للتأمل في واحدة من أثمن موارد الحياة التي هي الماء، كما هي مناسبة سنوية تشرف عليها الأمم المتحدة منذ انبثاقها عن قمة ريو، لتذكير البشرية بأهمية المياه العذبة والدعوة إلى حسن تدبيرها بشكل مستدام، وفي كل عام، تُختار لهذا اليوم العالمي قضية محورية تعبّر عن التحديات البيئية والمجتمعية الراهنة المرتبطة بالماء، وتحث على اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهتها، وتدابير للتصدي للأزمة العالمية للمياه.
وبينما حمل هذه السنة 2025 موضوع “الحفاظ على الأنهار الجليدية”، إدراكا لما لهذه الكتل المتجمدة من أهمية قصوى في تغذية مصادر المياه العذبة، لم تكن السنة الماضية 2024 بمنأى عن التحديات، عندما رُفع فيها شعار “المياه من أجل السلام”، في رسالة رمزية قوية تربط بين الماء والأمن، وتُبرز كيف يمكن للماء أن يكون جسراً للتعاون بين الشعوب، مع اعتبار الموارد المائية العابرة للحدود تتطلب إدارة متوازنة، قائمة على الحوار والشراكة، من أجل بناء مستقبل مشترك أكثر استقراراً.
وفي هذا السياق، نظم “المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب – قطاع الماء”، بخنيفرة، صباح الجمعة 11 أبريل 2025، يوما إعلاميا وتحسيسيا، شكّل فرصة مهمة لعدد من الفعاليات المحلية، من مختلف المشارب والأطياف، للتعرف على منشأة حيوية تمثل شريان الحياة لإقليم خنيفرة والمناطق المجاورة، إذ تم تنظيم زيارة ميدانية لمختلف مرافق محطة معالجة وتحلية المياه بالمدينة، تمكن خلالها المدعوون من الاطلاع عن قرب على التقنيات المعتمدة في معالجة المياه، ومراحلها المعقدة والدقيقة.
الزوار والمدعوون تعرفوا على مسار معالجة المياه، ومنها أساسا مياه نهر أم الربيع، انطلاقاً من نقطة الجلب إلى غاية إيصالها إلى المستهلك، مرورا بمحطات متعددة تتخللها عمليات متقدمة تشمل المعالجة الأولية بالكلور للحد من تكاثر الطحالب، التخثير والتلبد لتجميع المواد العالقة، الترسيب لفصل الجزيئات الصلبة، ثم الترشيح والتعقيم النهائي قبل ضخ المياه في شبكة التوزيع، كما تم، على هامش الجولة، عرض معطيات دقيقة بلغة الأرقام تعكس حجم التحديات وكذا الأعمال المبذولة لضمان الأمن المائي بالإقليم.
ووسط أجواء من التفاعل والحوار، قدم كل من المدير الإقليمي للمكتب، م. عبد الله بايا، والمهندسين أحمد بلخير وجميلة مفروض، توضيحات مستفيضة حول دقة الإجراءات المتبعة، وضمان مطابقة المياه للمعايير الوطنية والدولية، رغم التحديات التي تفرضها الطبيعة المالحة لمياه نهر أم الربيع، مؤكدين أن عملية المراقبة تتم يوميا من طرف فريق يضم حوالي 20 إطارا ومهندسا وتقنيا، يعملون بشكل متواصل لضمان استمرارية التزود بالماء الشروب، بما في ذلك توالي سنوات الجفاف وظروف الضغط والاستهلاك المرتفع خلال فصل الصيف.
وبعد إنشاء محطة المعالجة والتحلية سنة 1987 بطاقة أولية لا تتجاوز 150 لترا في الثانية، اضطر المكتب، أمام تزايد الطلب، إلى توسيع تدخله في تسيير خدمات الماء بعدد من المراكز المجاورة، مع إشارة البيانات التقنية إلى أن المحطة بلغت في سنة 2023 مستوى طلب أقصى بلغ 345 لترا في الثانية، على أن يصل إلى 381 لترا في الثانية خلال السنة الجارية 2025، في أفق رفع القدرة الإنتاجية للمحطة إلى 450 لترا في الثانية، أي ما يعادل 38.800 متر مكعب يوميا بضمان تلبية حاجيات ساكنة تقدر بـ177 ألف نسمة.
ووقف الزوار على مشروع التوسعة الذي تم تنفيذه سنة 2013 بكلفة تجاوزت 260 مليون درهم، ضم إحداث وحدة لإزالة الملوحة بتقنية التناضح العكسي، ووفق التوضيحات، شملت التغطية مدينة خنيفرة وعددا من المراكز والقرى، ضمنها أكلموس، حد بوحسوسن، سيدي أحمد أمبارك، مولاي بوعزة، سبت أيت رحو، سيدي عمرو، كهف النسور، سيدي بوعباد، ومراكز لهري، تيغسالين، أيت إسحاق، واومنة، علاوة على حوالي 69 دواراً يتم تزويدها بالماء عبر النافورات العمومية، مع إعلان عن مشروع جديد لربط منطقتي أسول وأروكو بشبكة التوزيع.
وفي ذات السياق، كانت “الأبواب المفتوحة” فرصة للتحاور مع المؤسسة المائية حول ما يشغل الرأي العام، حيث تمت الإفادة مثلا بأن المعالجة تمر بمراحل دقيقة تبدأ بالتنقية التقليدية وتشمل حقن الكلور، التهوية، التخثير والتلبد، الترسيب، ثم الترشيح، بصبيب إجمالي يبلغ 535 لترا في الثانية، لتمر المياه بمرحلة إزالة الملوحة عبر نظام ترشيح دقيق لا يسمح إلا بمرور جزيئات الماء، بطاقة إنتاجية تبلغ 340 لترا في الثانية، لتجسد هذه الزيارة، بتفاصيلها ومضامينها، نموذجا لتعميق الوعي الجماعي بقيمة مادة خلق الله منها كل شيء حي.