التراويح في مسجد الفضيلة بوجدة

0

عبد السلام المساوي
ننتظر رمضان لنتقرب الى الله للدعاء والسؤال . فالدعاء عبادة عظيمة ، وهمومنا في هذه الدنيا كثيرة ، وليس لنا الا الله نقف عند أبوابه المفتوحة في هذا الشهر الفضيل .
دوما ، كان دعاء الخطيب بعد صلاة الجمعة أحب اللحظات الى قلبي ، أما أغلاها واشدها تأثيرا في نفسي ونفوس المسلمين فما يلي صلاتي التراويح والتجهد من أدعية ترفع الى الله في عمق الليل ، ترافقها دموع المتضرعين ” دون الجهر بالقول ” . الخطيب يدعو عنا ولنا ، وللمسلمين جميعا ، فنتمتم ” أمين ” واثقين لكرم الله وقربه من الذاكرين السائلين .والشهر الفضيل في هذه السنة ، المؤمنون والمؤمنات الذين يؤدون صلاة التراويح في مسجد الفضيلة بساحة باب سيدي عبد الوهاب يدعون الله صادقين مخلصين: اللهم ارحم عبادك …ونقول جميعا اللهم أمين .
تختلف الصلاة عن العمل من حيث الفضاء والتجربة والمضمون والأهداف ، كما تختلف من حيث فلسفة كل منهما في علاقته بمنظومات القيم والثقافات المختلفة . ففي المرجعية الدينية الإسلامية ؛ الصلاة وقوف للعبد بين يدي ربه ، وهو وقوف فردي وان تم مع الجماعة ، حيث يؤدي كل واحد ” دينه ” الذي عليه للخالق ، ويحاسب عليه لوحده ، ثم “ينتشر في الأرض ” كما يدعو الى ذلك القرآن الكريم ، فرفض الاسلام للرهبانية والتبتل والانقطاع عن الدنيا جعله يعتبر لحظة الصلاة لحظة خاصة بين يدي الله ، يليها مباشرة ” الانتشار في الأرض ” أي الذهاب للعمل وطلب ” الرزق ” . والعمل آنذاك في الواقع القبلي بجزيرة العرب ، كان عبارة عن مهن حرة ولم يكن بمرتب شهري أو أسبوعي ، أو منظما وفق تقسيم زمني محدد في وظائف عمومية ، نظرا لانعدام الدولة بمعناها العصري الحديث في ذلك التاريخ ، ولهذا كان الأمر واضحا : على الانسان عندما ينادى الى الصلاة أن ” يذر البيع ” أي يترك التجارة وأن يلتحق بالمصلين في المسجد ، وهو أمر موجه إلى كل واحد من الناس الأفراد المؤمنين المسلمين بالطبع ، وقرار ترك البيع والذهاب الى المسجد فورا هو أمر متروك الى ضمير الفرد المسلم وارادته وليس لأية سلطة أخرى تجعله ينضبط لقرار سلطوي دنيوي .
مناسبة الحديث عن هذا الربط بين الصلاة والتجارة بني أساسا لاستقطاب المؤمنين – تجار أسواق باب سيدي عبد الوهاب الذين فرحوا ببناء هذا المسجد العظيم والجميل لأنه يجسد بالنسبة إليهم مسجد القرب ، مسجد ييسر لهم أداء واجبهم الديني ويمكنهم من ربح تجارتهم .
بعد تدشينه من طرف صاحب الجلالة أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله ، يوم الجمعة 21 يوليوز 2013 ، مسجد الفضيلة عرف في الجمعة الثانية بعد تدشينه اقبالا كبيرا من طرف المصلين الذين انشرحت صدورهم لهذه المعلمة الدينية الجديدة بمدينة وجدة . وكان الإمام الذي أعتلى المنبر في هذه الجمعة هو الفقيه مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي الذي بين الأبعاد النبيلة والأهداف الفاضلة التي رامها بناء هذا المسجد ، كما محور خطبته على المساجد ودورها في بناء الأمة ، ووقف عند المساجد بفضاءات تجارية ، والأهمية التي تلعبها في حياة التجار والمستهلكين على السواء ، واستشهد على ذلك بالدور الذي لعبه مسجد القرويين بفاس الذي شيد وسط دكاكين الحرفيين المنتشرين في المدينة القديمة .
ساحة باب سيدي عبد الوهاب تمثل القلب النابض لمدينة وجدة وتتمتع بمكانة خاصة وبحمولة تاريخية وثقافة غنية لا سيما من حيث التراث الشفوي . وبعد انجاز برنامج اعادة تهيئة باب سيدي عبد الوهاب ، تمت اعادة الاعتبار لهذه الساحة التاريخية بجميع المقاييس الحضرية والحضارية حيث أنجز البرنامج طبقا لمواصفات تليق بالمكان وتراعي الطابع الأصيل المغربي والمحلي مع الأخذ بعين الاعتبار العناصر الأساسية وهي ترميم الأسوار التاريخية ، ابراز البعد التاريخي للساحة ، تحسين ظروف السير والجولان ، اعادة تأهيل الأسواق ، احياء الثقافة الشعبية …
ومما أعطى لهذه الساحة نكهة خاصة ميزتها عن غيرها من الساحات الشهيرة بمراكش ومكناس …كونها احتضنت مسجدا كبيرا وعظيما هو مسجد الفضيلة ، الذي أضفى على هذا المكان ذي الأبعاد الحضارية والتاريخية بعدا دينيا وروحيا انسجاما مع المعالم التاريخية الإسلامية واستجابة لنداءات ساكنة وجدة المتشبعة بالاسلام عقيدة وشريعة .
مسجد الفضيلة الذي دخل في اطار برنامج تهيئة باب سيدي عبد الوهاب شيد على مساحة 2948 متر مربع مغطاة ، ويشتمل على قاعتين للصلاة ؛ وحدة للرجال وأخرى للنساء ، ومسكنين للإمام والمؤذن ، فضلا عن فضاءات راقية للوضوء .
تبلغ الطاقة الاستيعابية للمسجد 1600 مصلي . هذا المسجد أنجز وفق المعايير المغربية الأصيلة ، لهذا كان جديرا أن يحمل اسم ” الفضيلة ” ، وهو الاسم الذي اختاره صاحب الجلالة ، وهو تشريف ينضاف الى تشريفات أخرى يخص بها جلالته هذه المدينة وأهاليها .
ربنا ان وقوفنا بين يديك في هذا الشهر الفضيل في مسجد الفضيلة هو أقصى سعادتنا …اللهم الطف بنا وارحمنا .