السياحة الجبلية والتنمية القروية بالأطلس الكبير الشرقي: مواطن النجاح وإكراهات مساعدة على الإخفاق

0
  • لحسن آيت الفقيه (°)

أريد لجبال الأطلس الكبير الشرقي ومحيطها أن ترتدي لباس تخلف التنمية رغم توافر بعض الإمكانيات الممكن توظيفها في السياحة، في الحال أو في المآل. ولا بأس من التسليم بضعف قوة الموارد الطبيعية جميعها والاقتصار على تزكية أهمية عنصر السياحة في التنمية، إذ لا يجادل فيه أحد، لكونه عنصرا مهما، وعاملا واعدا في التنمية القروية بالمحيط الجبلي. ورغم ذلك وجب تسجيل بعض الإكراهات.

ولئن كان الثلج مكونا طبيعيا وعنصرا سياحيا قادرا على إنعاش السياحة الداخلية، إلا أن فصل الشتاء يرادف فصل الشتاء بالمناطق الجبلية الحصار والانعزال عن العالم. ومرد ذلك إلى هشاشة البنية التحتية السياحية، في حال توافرها، مما يحتم على سكان المنطقة الانغلاق والتقوقع.

وإذا استنطقنا التاريخ نلفى أن القبائل التي أريد لها أن تستوطن الجبل، إما طوعا أو كرها، مدعوة لتكتسب ثقافة الحصار وتقتنع بثقافة الانغلاق وتجعلها ركنا أساسيا في نسقها الثقافي الذي يتجلى في مظاهر متعددة كأزياء النساء، والمعمار، وفي ثقافة الدفن، وثقافة الخوف، وفي الطقوس الاحتفالية ذات الصلة بالخصوبة أو ذات الصلة بالجنائز كالمآتم على سبيل المثال. ومن إيجابيات الانغلاق الحفاظ على الأنساق الثقافية ذات مرجعيات قديمة، مما يمكّن من الاستفادة من الرصيد القيمي وتوظيفه في التنمية المجالية. ويمكن توظيف الأنساق الثقافية التي يدمرها وقع الانفتاح، من بعدُ، في كشف أزمة العدالة المجالية.

نعم، لقد ظل السكان يدبرون أمرهم بأيديهم وفق العرف في المجال الاجتماعي، ووفق التقليد والتعود في المجال الشخصي، يواجهون البرد والثلج والحصار، فتراهم يستعدون لمواجهة عنف الطبيعة ابتداء من الاعتدال الخرفي الذي يوافق 10 من شهر شتنبر بالتقويم الجولياني، أي: التقويم الفلاحي بمفهوم سكان البوادي المغربية، فيشترون مدخرات الحبوب والشحوم، ويجمعون حطب التدفئة. ولأن ثلة منهم أنصاف الرحل، فهم ينزلون بخيامهم إلى السفوح المشمسة لقضاء فصل الشتاء، كالانكسار الأطلسي الجنوبي وهوامش الواحات، وبساط الحمادات بالنسبة لسكان جبال الأطلس الكبير الشرقي. ويعد الترحال الموسمي وجها من أوجه المقاومة لدى سكان الجبال.

وبعد فترة من الانغلاق نشأت رياح التحولات تهب على الجبال المغربية، بعد أن شهدت فصولا من المقاومة نحو معركة جبل مصطريد سنة 1931 ومعركة أيت يعقوب سنة 1929، ومعركة بادو سنة 1933، فضلا عن المقاومة الفردية للبطل زايد واحمد أمخداش، وظلت المقاومة قائمة نشيطة حتى غُلبت القبائل على أمرها في سنة 1936 وركنت إلى أوامر المستعمر.  هنالك تأسست بالجبال القيادات التقليدية العشائرية، وانتهى بها عصر «السيبا»، ودخلت بلاد المخزن تحت الحماية الفرنسية، ورغم ذلك، تمتعت قليلا بإعمال العرف، والحفاظ على نسق القيم والتعود وكل ما تقتضيه التقاليد الشفاهية.

وما عدا ذلك لم تستفد الجبال المغربية من أي شيء. وظلت الجبال، منذ فجر الاستقلال إلى عشية يومه، تركن إلى هوامشها، تحت وقع ثقافة الخوف، بفعل أهول سنوات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي كان عصيان القائد عدي وبيهي نايت رهو أحد سياقتها سنة 1958. وبعد أمد غير بعيد بني معتقل تازممارت سنة 1973، واحتضنت قيادة كرامة معتقلا سريا ابتداء من سنة 1982.

وتزامن بناء المعتقلات وفصولا من التعذيب والتنكيل بمواضع السونتات وبوزمو وإملشيل وأملاكو وأسول وأنركي… فظلت الجبال مسُودة، وما حصل أن انتزعت السيادة أملا في ضمان الاستقلالية في تدبير الثروات والدفاع عن الهوية الثقافية. وإذا استثنينا أزيلال ليس هناك أي عاصمة إقليمية ذات شأن بجبال الأطلس الكبير، مثلا.

ولأن تخلف التنمية مرتبط ارتباطا عضويا بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ظلت الجبال محاصرة مهمشة، فلا طرق ولا بنية سياحية إذا استثنيا قصد تسييح بؤس المنطقة وتخلفها في المناسبة التي تحمل، بالباطل، اسم موسم الخطوبة، موسم الإشاعات والخرافات. صحيح أن المجتمع المدني بذل جهدا وخير اسم الموسم ليكون اسم «موسم إملشيل»، لكن عمالة ميدلت المحدثة أرجعت القديم إلى قدمه وعاد «موسم الخطوبة» يخدم أجندة غامضة لا يعلم مرادها سوى المسؤولين بالإقليم.

دامت سياسة طمس الإمكانيات الثقافية واستمر التهميش على حالة بعد أن عمقته التحولات التي فرضها بعض الانفتاح على الجبل مع هبوب رياح الجهوية المتقدمة الذي رشح إقليم ميدلت حلقة هشة ضمن جهة درعة تافيلالت، وانكشفت العورة، فكان وجه الجبال ذا قسمات معبر عنها بالنقط أسفله:

السياحة الثقافية: تتوافر الجبال على إمكانيات هائلة للنهوض بالسياحة الثقافية لاكتسابها غنى في التراث الثقافي. لكن اقتصاد التراث الثقافي لايزال، للأسف، غير مفكر فيه.

السياحة الترفيهية: لئن كانت الجبال المغربية تتوافر على إمكانيات الترفيه الهائلة لجمال مناظرها يوم هطول الثلوج، فإن موسم الثلوج يجعل الجبال تعيش مأتما ومأساة. وعلى سبيل المثال لم تتوفق المديرية الإقليمية للتجهيز في فتح الطريق الإقليمية رقم 7319 بين أنفكو وإملشيل حتى مضت ثلاثة أيام من العزلة، ابتداء من يوم 25 من شهر شتنبر من العام 2020. ولحسن الحظ توفقت السلطات في إنقاذ ثلة من الأساتذة عالقين بجبال تادغمامت، في علو 2500 متر، مساء يوم الجمعة 27 من شهر نونبر.

البنية التحتية الطرقية: سلف لقبيلة «أيت عبدي» بإملشيل أن نظمت مسيرة احتجاحية شارك فيها 60 شخصا، قبل أن يستقبلهم عامل إقليم ميدلت مساء يوم السبت 05 من شهر مارس من العام 2016، وجرى إقناعهم بوعود لم يتحقق منها أي شيء، كنحو إرسال جرار كاسح للثلوج لفتح الطريق الفلاحية الرابطة بين تامزاغرت وبوزمو، وهي الطريق اللائقة لنقل الأعلاف إلى «أيت عبدي»، وجرار آخر حافر وجارف (D8) يمد الطريق إلى «أنركي». ومن ذلك أيضا إهمال إحداث طريق توافق مسلك الراجلين والدواب الرابط بين مركز إملشيل و«تامزاغرت» عبر ممر «تيزي ن وانو، مرورا بجبل «زايموزن»، ووصولا إلى تايدرت و«تامزاغرت».

الضعف الكبير في البنية التحتية لأن إقليم ميدلت بشكل خاص وجهة درعة تافيلالت بشكل خاص لم تستفد من أي مشروع بنية تحتية هيكلية خلال العقدين الأخيرين، وتقلصت بها فرص الاستثمار في جل المجالات.

هشاشة المنظومة البيئية التي تراءت في تدهور المراعي والمجال الغابوي، وتجلت في قساوة المناخ وضعف الموارد المائية. ومن الإكراهات عزلة المناطق الجبلية وتراجع دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، واستفحال ظاهرة الفقر.

افتقار المناطق الجبلية إلى مقر ثابت مأرب لآليات كاسحة للثلوج مما يجعل سكان المناطق يستنجدون كلما هطلت الثلوج.

ـ إذا نبشنا في الذاكرة، فقد حدث في سنة 2007 أن أهلكت الثلوج والأمطار الطوفانية الحرث، وأضرت بالنسل. فالخسارة، لم تقتصر فقط على انجراف التربة وتعرية السفوح الجبلية، وردم المقعرات بالأوحال، وحصار المدارس ونسفها بل امتدت لتعري أيضا أزمة العدالة المجالية، وسياسة الميز الجغرافي المعتمدة، وقتها، بإقليم الرشيدية منذ نصف قرن من الزمان. وفي الأسبوع الأول من شهر يناير من العام 2007 قتل البرد 31 طفلا بمنطقة «أنفكو» التابعة لإقليم خنيفرة، وقتها، قبل إحداث إقليم ميدلت. وفي يوم 18 أبريل من العام ذاته، نسفت الرياح أربع حجرات دراسية بالمدرسة المركز لمجموعة مدارس الأمير مولاي عبد الله بإملشيل.

  • في بحر شهر يناير من سنة 2012، اشتد البرد بإقليم ميدلت واستمر نزول الصقيع، فكانت المنطقة في حاجة إلى بعض المساعدات، وبالفعل استفادت بعض المواقع العمرانية: أقانوانين، و«إيمي نتاقات نايت علي السو»، و«أيت عبدي»، و«أيت عمرو»، من بعض المساعدات، وهي في أمس الحاجة إليها لمواجهة قساوة الطبيعة، بعض الوقت. ولقد وزعت المساعدات بشكل انتقائي، ولم يستفد التجمع القروي تلمي من تلك المساعدات، علما أن تلمي لا تبعد عن «أيت عمرو بأنفكو» إلا بسبع كيلومترات فقط. وهي أكثر برودة وثلجا من المناطق المستفيدة. ومن سوء حظها أنها تمتد في منطقة جرداء لا غابة فيها ولا نبات. ولقد استثنيت المنطقة بناء على المقاربة الأمنية، تقارير الاستعلامات، ليس إلا.
  • من المؤهلات التي استقرت عليها لملاحظة التنوع الطبيعي الكبير والمؤهلات السياحية المهمة والمؤهلات الفلاحية ذات الصلة بالمنتوجات الفلاحية المحلية والمؤهلات المنجمية. وتتميز المنطقة الجبلية بتراث معماري فريد من نوعه ومتميز يتجلى تميزه في القصور والقصبات وبالمنطقة مشاهدة طبيعية ملائمة للصناعة السينمائية.
  • انتشار التبرك بالمزارات الطبيعية، والبشرية، حامات «إمغي» التي تحمل اسم حامات «مولاي علي الشريف»، وحامات «إغير» التي تحمل اسم «حامات مولاي هاشم»، وبحيرة تيزليت»، وعين «تيفكيرة»، فتأهلت ثقافيا لترقى إلى مواضع سياحية مهمة.
  • ذيوع الطرقية وانتظامها في زوايا ذات شأن، فكان تأسيس الزاوية العياشية سنة 1635 ميلادية، وجددت الزاوية الوكيلية نهجها وحصلت على براءة التأسيس من لدن السلطان عبد الله بن إسماعيل سنة 1758 ميلادية، وزاوية تلمي،ولم المنطقة الجبلية عن مؤثرات الزوايا، الزاوية الدلائية، وزوايا مدغرة، وزوايا حوض گير.

ومحصل القول، إنه لغياب عدالة مجالية، سيظل الجبل فضاء لإقامة مأتم جماعي مناسباتي، يحل في فصل الشتاء من سنة. وقبل ذلك، فقد كان الجبل منذ استقلال المغرب فضاء لتسييح البؤس كتنظيم ما يسمى موسم الخطوبة بإملشيل، عقابا للجبل الذي بات يحتضن مواضع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وأريد للجبل اليوم أن يظل ملاذا للجمعيات النسائية التي ترصد زواج القاصرات سؤلا في تلميع وجهها الحقوقي.

ولقد حان الوقت للترافع على العدالة المجالية أملا في طي ملف الحصار في الفصل البارد وذلك بشق الطرق وتوسيعها وتعبيدها وإقامة بنية سياحية لائقة، وجعل الجبال تداني السهول في الإمكانيات التنموية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (°) مدون وباحث في التراث الثقافي، من أعماله “الرموز الدفينة بين القبورية والمزارات الطبيعية”، “حفريات في المجالية والهوية الثقافية بمحيط قرية تازمامارت”، “قيم السلم القبلي والعلاقات الوظيفية بجبال الأطلس الكبير الشرقي”….