منذ أن اهتزت منطقة أغبالو إسردان بإقليم ميدلت، يوم الاثنين 16 يونيو 2025، على وقع “انتحار مشبوه”، لا تزال هذه القضية تثير الكثير من الأسئلة والشكوك، بعد العثور على جثة قاصر (محمد ب.)، يبلغ من العمر 15 سنة، مشنوقًا قرب قناة مائية بدوار أيت زعرور، ويتعلق الأمر بقاصر يشتغل راعيا للغنم كوالده لدى شخص بالمنطقة، كان قد اختفى عن الأنظار بعد أن عاد قطيع الماشية بمفرده إلى منزل المشغل، لتبدأ رحلة البحث عنه وتنتهي بجثة هامدة معلقة بحبل، في مشهد هز مشاعر الساكنة.
الواقعة، التي وصفت منذ اللحظة الأولى بأنها “انتحار مفترض”، لم تقنع الرأي العام المحلي، ولا أسرة الضحية، ولا حتى فئات واسعة من المتتبعين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث برز هاشتاغ “كلنا محمد” ليقود موجة تضامن إلكتروني غاضبة، أجمعت كلها على استبعاد فرضية الانتحار، وتلميح صريح إلى احتمال وجود شبهة جنائية وراء الوفاة، وما زاد من تأجيج الشكوك هو الحديث عن أدوات “مشبوهة” استعملت في الحادث، من قبيل الحبل والأعواد التي كانت الجثة معلقة بها وتضاربت بشأنها عدة تكهنات وإشارات مقصودة.
تحركات عناصر الدرك الملكي التي حلت بعين المكان، سواء من سرية ميدلت أو من مركز بومية، ورغم تحركاتها في كل الواجهات، لم تهدئ من قلق الساكنة، إذ لا يزال الغموض يلف مجريات التحقيق، وسط صمت رسمي لم يفك بعد طلاسم الحادث، بينما الجثة نقلت بعد وقت غير قصير إلى مستودع الأموات في انتظار نتائج التشريح الطبي بالرشيدية، الذي قد يشكل نقطة مفصلية في كشف الحقيقة، ما إذا كان الأمر “يتعلق بانتحار فعلي أم بجريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد”.
الصدمة التي خلفها المشهد كانت عميقة، خصوصا في صفوف عائلة الضحية، التي لم تجد حتى الآن جوابا يفسر ما جرى، بينما الأم الثكلى، المنكسرة أمام قهر الفقدان، ما زالت تطالب بإنصاف فلذة كبدها، في نداء مؤلم يصل صداه إلى كل ضمير حي: “دم ولدي أمانة في عنق كل من صمت، أو تستر، أو تقاعس”، تلاها نداء اجتاح منصات التواصل الاجتماعي بشكل واسع، مع صورة مروعة له وهو معلق دون حياة، وحول القضية إلى ملف رأي عام تجاوز الحدود المحلية إلى الوطنية.
في خضم هذه التطورات، لم تتأخر الهيئات المدنية في الخروج بمواقف صريحة، ومنها الشبيبة الاتحادية بالمنطقة التي بادرت إلى إصدار بيان عبرت فيه عن “قلقها العميق من ملابسات الوفاة المشبوهة”، واعتبرت الصمت المحيط بالقضية “غير مبرر”، داعية إلى “فتح تحقيق عاجل ونزيه”، مع التأكيد على ضرورة “ترتيب المسؤوليات وعدم طمس معالم الحقيقة”، مع التشديد على أن الواقعة تتطلب تعاملاً جادا من النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرشيدية وكل الجهات المختصة، بما يليق بخطورة الموقف وتطلعات المجتمع المحلي للعدالة.
ومع استمرار انتشار نداءات مفتوحة موجهة إلى الجهات القضائية والأمنية، تتصاعد المخاوف من محاولات محتملة لـ “تزييف الوقائع” و”التلاعب بالتقارير” بغرض إغلاق الملف، في وقت تصر فيه الأصوات المطالبة بالحق على ضرورة كشف الحقيقة كاملة، من أجل إنصاف الضحية وأسرته، حيث لا تزال القضية مفتوحة على كل الاحتمالات، والأنظار مشدودة نحو نتائج التشريح والتقارير الأمنية، عساها تميط اللثام عن واحد من أكثر الملفات غموضا وإثارة في المنطقة، وتجعل من “محمد” رمزا جديدا لا يطالب بأكثر من كرامة وعدالة وحق في الحياة.