تاوريرت تنزف من جديد … والجميع يتفرج

0

سيدة تدخل المستشفى الإقليمي بتاوريرت بحثا عن رعاية طبية مستحقة، فتخرج منه جثة هامدة، لماذا لأن طبيب الإنعاش غير موجود ليس بسبب ظرف طارئ ولا حادث استثنائي، بل نتيجة إهمال مزمن رغم التحذيرات والنداءات المتكررة مرة أخرى تزهق روح بسبب غياب ابسط مقومات الرعاية الصحية لأن المسؤولين قرروا أن العلاج رفاهية لا تستحقها هذه المدينة.

كم مرة دق ناقوس الخطر كم مرة نبهنا، وصرخنا. وطالبنا؟ بل حتى من داخل قبة البرلمان، رفع النائب عمر أعنان عن حزب الاتحاد الاشتراكي السؤال مباشرة لوزير الصحة، ورغم ذلك، لا شيء تغير، وكأن أرواح الناس مجرد تفاصيل هامشية في أجندة المسؤولين، وكان تاوريرت مدينة من الدرجة الثانية، لا تستحق طبيبا ينقذ من يموت أمام عتبات المستشفى.

من المسؤول عن هذه الوفاة؟ هل تتحملها وزارة الصحة التي تشرف على توزيع الأطر الطبية، لكنها رأت أن هذا المستشفى لا يستحق طبيب إنعاش، أم المديرية الجهوية للصحة التي لم تحرك ساكنا رغم علمها بالخطر المحدق بالمرضى، أم المديرية الإقليمية للصحة، التي لم يعين بها مدير إقليمي إلى الآن، وكأن القطاع الصحي يمكنه أن يسير بلا قيادة ولا محاسبة، وأين اختفت جمعيات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ؟ لماذا صمت الجميع ؟

أما الحكومة التي تصف نفسها بـ الاجتماعية»، فهل يقتصر مفهومها للعدالة الاجتماعية على الخطابات الإعلامية بينما واقع المستشفيات يكشف أن صحة المواطن ليست حتى ضمن اهتماماتها، ما جدوى الشعارات إن كان من يدخل المستشفى لا يخرج منه إلا ميتا؟

إلى متى سيستمر هذا العبث؟ كم من روح يجب أن تزهق حتى يتحرك المسؤولون؟ كم من كارثة يجب أن تقع قبل أن يدركوا أنهم يديرون الصحة بمنطق الموت لا بمنطق الإنقاذ ؟أي عذر يمكن أن يُقدّم اليوم؟ من يملك الجرأة ليواجه هذه المدينة المنكوبة ويخبرها أن مستشفاها لا يستحق طبيب إنعاش؟

هذا ليس مجرد إهمال، إنه تواطؤ واضح ضد الحق في الحياة، عندما تصبح الأرواح مجرد أرقام، وعندما يترك المواطن المصيره دون أبسط حقوقه، فهذا يعني شيئًا واحدا. المسؤولون اختاروا الصمت.

لن نقبل أن تتحول تاوريرت إلى مقبرة للصمت الرسمي، ولن نسمح بأن تصبح هذه الوفاة مجرد رقم في سجل الإهمال. المسؤولية واضحة، والسكوت عنها خيانة، نطالب اليوم وليس غدا، بتحقيق فوري بمحاسبة صارمة، بتعيين طبيب إنعاش فورا، وبوضع حد لهذا النزيف القاتل قبل أن يتحول إلى قاعدة لا استثناء.

error: