عبدالصمد، طفل القمر الذي اختار الفرشاة والصباغة لمواجهة بطش شمس جائرة

0

عبد الصمد، طفل ذو الخمسة عشرة ربيعا، من مراكش، نكاية في سطوة الشمس، اختاره القمر، بقدر ما ناصبته الشمس العداء، حتى صارت أشعتها تتربص به في كل مكان، بقدر ما استطاع الالتحام بضوء القمر، يستضيء في دواخله بضيائه حتى لا يأخذه الظلام إلى الموت والزوال.

هذا حال كل أطفال القمر، كم هو مؤلم، وفي نفس الوقت، هو مبهج، عندما تستوقفك حالة عبد الصمد، فعبد الصمد الذي خبأ القمر في دواخله، من نوره يبدع لوحة و يسرق من الشمس شعلتها، يسجنها في كل لوحة.

مؤلم حقا، عندما تكتشف أن عبد الصمد، لم يفلت من مسار حياة معطوبة وهو طفل، جارت عليه الشمس بقانونها غير العادل، فرضت عليه أن يعيش في هروب دائم، يهرب جلده كل نهار كي لا تلمسه أشعة هي لباقي الناس صديقة، من القسوة بمكان أن تقضي العمر كله وأنت في حجر صحي دائم، فرضته حالة طوارئ لا نهاية لها، لأن سيف الشمس الحارقة مسلط عليك، هذا حال أطفال القمر، عبد الصمد هو أحدهم، الطفل الذي لا يعيش إلا في كنف القمر .

حقا هي مبهجة حالة طفلنا، لا لشيء سوى لأنه تعلم من القمر أن ضياءه هو للسمر، هو للتغني بالحياة وقهر الظلمة،  نعم، القمر واحد في السماء، لكنه ليس وحيدا لأن النجوم تزينه حتى ولو كان الغيم قد حجب عنا منظره..

عبد الصمد ، اختار أن يمتح من نور القمر بداخله، يبدع لوحة يكون هو قمرها المشع، وتكون لوحاته هي النجوم التي تزين وجوده، إنه الفتى الذي اكتشف لنفسه منذ سن مبكرة أن الفرشاة والصباغة هي عدته للدفاع عن حقه في الحياة، لمواجهة بطش شمس جائرة، في لوحاته يعتقل الشمس في فسحتها ومنظرها الطبيعي، و كأنه يجردها من كل مقومات الفتك التي تهدد أمثاله، طاقة خلاقة ومبدعة، لا تلتفت إلى أمثالها إلا بعد فوات الأوان.

عبد الصمد وجد لنفسه مبرر وجود و مقاومة، في البيت، يسانده والداه، على الاقل هما على فهم بمتطلباته، من حسن حظه أنهما وفرا له ما يمكنه من أن ينحت بيديه تعبيرات تعطي لحياته معنى، لكن مع ذلك فهو أعزل، أعزل لأننا لا نلتفت لكل هذا الفيض الكامن في جسده الهش، فهو يحتاج إلينا  لدعمه و رعايته، تعوزه عناية خاصة، فضاءات تمنحه الأمان، تطبيب محفز لكل طاقته الإبداعية .. فهل من مستجيب ؟

+ عبداللطيف نجيب (كاتب وفنان مسرحي)