مستشفى الدراق يصرخ : في الحاجة الملحة لتخصيص دعم الجماعات الترابية لمستشفى الدراق

0


عبد المنعم محسيني

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي عشية هذا اليوم شريط فيديو بخمسة وثلاثين ثانية أنجزته امرأة يوثق لوضعية غرفة للمرضى بالمستشفى الإقليمي بالدراق.
وإلى حدود هذه الساعة لم يتم تكذيب هذا الفيديو من طرف المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة بإقليم بركان.
هذا الفيديو يبين بوضوح الوضعية المزرية للأسرة الطبية، أوساخ واندثار وصدأ ونوافذ مكسرة……. وضعية لا تفترض حتى في المؤسسات السجنية التي من المفروض أن تكون هي الأخرى صائنة للكرامة الإنسانية.
هذا الوضع المزري يفرض علينا كفاعلين سياسيين وباحثين في علم القانون، التساؤل حول مؤشرات لقياس مدى التزام الدولة بجميع مرافقها الإدارية ومؤسساتها العمومية إلى بالتزامها بواجبها الدستوري بضرورة العمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة من أجل تيسير استفادة المواطنات والمواطنين إلى العلاج والعناية الصحية؛ إذ تنص مقتضيات الفصل 31 من دستور المملكة المغربية على ما يلي:
” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة من الحق في:
1-العلاج والعناية الصحية؛
2-الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من طرف الدولة؛
3- الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛4- التنشئة على التشبث بالهوية المغربية والروابط الوطنية الراسخة……..” وغيرها من الحقوق الأساسية الواردة في هذا النص.
والتزاما بحرفية النص الدستوري وتراتبية قواعده، يتضح أن دستور المملكة المغربية لسنة 2011، أعطى للعلاج والعناية الصحية الأولوية والأسبقية حتى على الحق في التعليم والحق في التكوين المهني والحق في السكن اللائق؛ إذ جعل الحق في العلاج والعناية الصحية في الرتبة الأولى، وعيا منه في اعتقادنا المتواضع أنه بدون صحة سليمة لا يمكن بناء مجتمع متعلم ملتزم بواجباته الدستورية والقانونية…… فبدون علاج يصير التعليم والسكن اللائق عديمي الفائدة.
ورجوعا إلى شريط الفيديو المذكور والذي يوثق للوضعية المزرية والحاطة من كرامة الإنسان المريض، يجدر القول أن ما راج في هذا الشريط التوثيقي، مجرد نقطة سوداء في البحر الأسود للمستشفى الإقليمي لبركان، بحر أسود من كثرة العوائق البنيوية التي تحول دون تمكن المواطنات والمواطنين بإقليم بركان والبالغ عددهم 109 ألف نسمة، من الاستفادة وعلى قدم المساواة من حقهم الدستوري في العلاج والعناية الصحية.
ويمكن ذكر بعض العوائق على سبيل المثال لا الحصر كما يلي:
1- مستعجلات بطيئة:
تستلزم المستعجلات في جميع مناحي الحياة السرعة والدقة في التدخل؛ فالمستعجلات في مجال ممارسة الحق في التقاضي؛ تستلزم وفق مقتضيات الفصلين 149و 151 من قانون المسطرة المدنية التدخل بالبت في الطلبات الاستعجالية فورا ودون استدعاء الأطراف؛ وكما يقال بالبت على المقعد.
إذا كان الأمر كذلك عند الاستفادة، في حالة الاستعجال، من الحق في التقاضي، فإنه من المفروض أن تكون اليقظة أكثر حزما عند الاستفادة من الحق في الصحة والعناية الصحية في حالات الاستعجال؛ إذ يجب على أطباء المستعجلات التدخل بسرعة قصوى كما يجب توفير اللوازم والأدوية اللازمة لما في ذلك من خطر على الحق في الحياة.
غير أن هذا يظل غائبا ومنعدما في إقليم بركان، حيث توصف المستعجلات بالبطيئة بسبب وجود طبيب واحد وإلى جانبه طبيب متدرب وبعض الممرضات والممرضين، ناهيك على انعدام الأدوية واللوازم الطبية، حيث يطلب من المرضى شراءها كشرط للاستفادة من العلاج والعناية الصحية…… يكون المريض في حالة خطر ويطلب منه ذلك….. إنها السلحفاة الطبية وليس المستعجلات الصحية؛
2- العطب الدائم والمقنع لجهاز السكانير:
يشتكي المرضى من تذرع دائم بكون جهاز السكانير به عطب ولا يمكن تشغيله وإنجاز الفحوصات والتشخيصات بواسطته؛ وأن المواعيد تعطى لأجل يصل إلى سنة واحدة؛ في حين يكون مشغلا لمن له محسوبية…..وحسب النقاش الدائر فإن ذلك يكون فقط من أجل دفع المرضى للجوء إلى القطاع الخاص؛ نفس الشيء يقال عن قسم التحاليل الطبية.
3- المصلحة الموجعة الولادة:
نساؤنا في أنين ووجع دائم تسمع أصواتهم وبكاؤهم من الفضاءات القريبة وذلك بسبب غياب شبه كلي كميا ونوعيا للخدمات العلاجية لتوليد النساء؛ بسبب وجود طبيب وطبيبة يتناوبون على المصلحة نهارا وليلا مع ممرضات بعدد غير كاف؛ إلى درجة أنه بسبب هذا الوضع يظطر أزواجهن رغم الفقر اللجوء إلى المصحات الخاصة….. إنه العذاب الأبوي منذ الولادة!!!!.
أمام هذا الوضع المزري، يطرح التساؤل حول مدى قيام السلطات العمومية المحلية المختصة، بالتزامها الدستوري الذي يوجب عليها العمل على تعبئة الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين بإقليم بركان من الحق في العلاج والعناية الصحية؛ فماذا عبأت المندوبية الإقليمية وجماعات الإقليم والمجلس الإقليمي من وسائل متاحة لأجرأة الحق في العلاج والعناية الصحية؟ وخصوصا أنه بالنسبة للجماعات الترابية نصت مقتضيات قوانينها التنظيمية على إمكانية إبرامها شراكات مع وزارة الصحة، للتكفل بجزء من صلاحياتها؟
هل الأسبقية لدعم الجمعيات الفاعلة في قطاع الصحة أم الجمعيات الفاعلة في الرياضة والترفيه؟ سؤال يجد أساسه من سؤال الأولية للحق في الصحة أو الحق في الترفيه والرياضة؟
ما يعاب على الجماعات الترابية والمجلس الإقليمي ببركان، أنه عوض تعبئة الوسائل المتاحة للعلاج والعناية الصحية فإنها تعبئها لجمعيات ترفيهية ورياضية؛ وكأن الدستور أعطى الأولوية للرياضة والترفيه على حساب الحق في العلاج والعناية الصحية.
ففي الآونة الأخيرة، وافقت أجهزة المجلس البلدي ببركان على تخصيص منحة 300 مليون سنتيم للجمعيات الرياضية، منها 150 مليون لفريق نهضة بركان والباقي يوزع على باقي الجمعيات الرياضية.
نعم فريقنا البرتقالي نال كأسين ويستحق الدعم والتشجيع للإشعاع العالمي لهذا الإقليم، ونال على إثرهما جوائز مالية تصل لعشرين مليون درهم؛ وهو بذلك أضحى غير محتاج لهذه المنحة العمومية من الجماعة.
ففي الوقت الذي تؤدى فيه أجور مرتفعة للطاقم التقني واللاعبين والمدربين، يحرم المواطنات والمواطنين من الحق الدستوري في العلاج والعناية الصحية؛ فأيهما أجدر وأحق بالدعم والإعانة المالية من الجماعة الترابية ببركان؛ المستشفى الدراق حتى يتمكن من تلبية طلبات العلاج للمواطنين خاصة الفقراء منهم، أم فريق نهضة بركان من أجل دفع تعويضات للاعبين .
نفس الشيء يقال عن مهرجانات الركادة التي يدعمها المجلس الإقليمي، تاركا في ذلك أهم حق دستوري للمواطنين والمواطنات في الاستفادة من العلاج والعناية الصحية، الرقص بدل التخفيف من معانات المرضى!!!!!
منحة 300 مليون سنتيم من الواجب على الجماعة تخصيصها للمستشفى قصد شراء لوازم وأدوية طبية، تنزيلا للتزامها الدستوري بتعبئة الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين من حقهم الدستوري في العلاج والعناية الصحية، بدل تخصيصها لجمعيات ترفيهية ورياضية.

عضو المكتب السياسي بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية