حمادي بومسيس، أول برلماني بخنيفرة يظل لصيقا بالعمل السياسي إلى يوم رحيله عن عمر 124 سنة

0
  • المصطفى زيان (°)

حمادي بومسيس رجل سياسة لم يغير لونه منذ أن ولج الميدان رغم محاولات الاستقطاب الحزبي، ظل واقفا كشجر الأرز، ووفيا لمبادئه، بقدر وفائه لجلبابه وعمامته الأمازيغيتين، ولقوة آرائه الموغلة في التجربة والحكمة، إلى أن وافته المنية مؤخرا بخنيفرة، وتحديدا خلال مساء الأربعاء 8 شتنبر 2022، عن عمر يناهز 124 سنة. 

حمادي بومسيس (1898/2022 م) من قبيلة آيت عمو عيسى، بإقليم خنيفرة، إحدى قبائل زيان بالأطلس المتوسط وحلف أيت أومالو الذي قاوم الاستعمار خلف القائد موحى وحمو الزياني، وكافح طيلة زمن التهدئة الى عهد الاستقلال..

الأمغار “حمادي بومسيس” أحد كبار “أمغارات” الجبل الأمازيغي، وهو بذلك شاهد على عصر، كان مرجعا لفهم أرشيف أحداث شريط زمني يقدر بقرنين من الزمن؛ كان له شأن عهد الحماية كشخصية مقاومة وسياسة، مزيج بين الإنسانية والحكمة وفن الخطابة باللغة الأمازيغية.. كما يعد أول برلماني بإقليم خنيفرة عن حزب الاستقلال عقب انتصاره على منافسه الشهير “المحجوبي أحرضان”.

 حدث فوز حمادي بومسيس يحفظ لنا دروسا انتخابية عبر وقائع قصة طريفة وثقها الباحث الإنجليزي جون واتربوري في كتابه ‘‘أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية بالمغرب’’ ص 142. 

حدث أن رشح أحرضان نفسه للانتخابات التشريعية سنة 1963 في دائرة خنيفرة، معقل كنفدرالية قبائل زيان العاصمة الرمزية للأطلس المتوسط.. كان أحرضان يومئذ كاتبا عاما في صفوف حزب الحركة الشعبية ووزيرا للدفاع.. ينتمي إلى قبيلة أعمارة، الواقعة بين كنفدراليتي زيان وزمور القويتين، فاعتبر أن دوره السياسي سيغطي على انتمائه القبلي المعادي لقبائل زيان..

بالموازاة مع قوة حزب أحرضان سيخلق حزب علال الفاسي المفاجأة بأن رشح الزياني المذكور المسمى “حمادي بومسيس” ليبنى حملة انتخابية على أساس قبلي..

مع اقترب موعد الانتخابات أدرك أحرضان وضعه المحرج في جغرافيا ترجح حظوظ منافسه، فلا شهرة تنفع ولا مكانة تشفع، فلجأ أحرضان الى حيلة الدين عبر لغة “رمي العار” كخطة سياسية ذات بعد ديني وإكراه عرفي يصعب الفكاك منه في المعتقد، ولضمان التزام خصوم ليسوا في نفس  المقام.. لجأ إلى وسيلة “العار” بتقديمه ذبيحة على عتبة منزل حمادي بومسيس متوسلا راغبا إياه من أجل دعوة أتباعه للتصويت لأحرضان..

من تلقى العار عليه الاستجابة لمن دعاه.. بومسيس أدرك استصغار حزب الحركة لمرشح الاستقلال كما تفطن لورطة العار التي تورط فيها دون إرادته.. كان يتقن  دقائق  لعبة العار فكان جواب بومسيس بصدق لا يشفى ولا يجيب لطموح الخصوم ولا يلغي منطق القبيلة والعار..

قطع بومسيس وعدا على أنه سيبقى مرشحا وسيصوت شخصيا على أحرضان ولا سلطة له على باقي المصوتين، ‘‘أما إذا أراد أحرضان أصوات الاستقلاليين فعليه أن يقدم ذبيحته على عتبة كل واحد منهم، يوم الاقتراع صوت بومسيس وفاء لالتزام العار لصالح خصمه الذي انهزم’’  وتفوق بومسيس.

من خلال الحدث تبين أن القبيلة ‘‘تلبس لونا سياسيا’’ لاعتبارات مختلفة على غرار ما أوضحه ‘‘جاك بريك في كتابه البنية الاجتماعية’’ كما أن هزيمة أحرضان رغم مكانته توضح كيف تتماسك القبيلة خلف قائدها و خطورة خروج المرشح عن حدود قبيلته.

حمادي بومسيس، كأحد رجال المقاومة شارك في المسيرة الخضراء، برلماني، وعضوا بجماعة موحى وحمو الزياني، ثم في التقسيم الجديد عضو بجماعة اكلمام أزيزا، تحسب له أعماله الخيرية لفائدة ساكنة الجبل، صان حقوق القبيلة وفظ النزاعات بالطرق السلمية.. تمكن من استرجاع أراض، من هيمنة الإقطاع، تعد بمئات الهكتارات لقبيلة آيت عمو عيسى بالأزغار، كما شارك في نضالات قبائل زيان لاسترجاع عقاراتها التاريخية بخنيفرة.

(°) فاعل مدني