خنيفرة تحتضن فعاليات “مهرجان ألوان كناوة” على إيقاع طقوس عريقة وجلسة سوسيولوجية

0
  • أحمد بيضي

عاش جمهور مدينة خنيفرة، على مدى أيام 1، 2 و3 يوليوز 2022، على إيقاع فعاليات الدورة الأولى ل “مهرجان ألوان كناوة”، وبينما تخللت هذه التظاهرة الفنية الثقافية جلسة علمية حول “سوسيولوجية الفن: الفن الكناوي نموذجا”، استمتع الجمهور بعروض ماتعة تمكنت من جمع عشاق التراث الكناوي بالمتعطشين له، سيما بعد سنوات من توقف كل ما هو جميل بسبب تفشي جائحة “كوفيد 19” عبر أرجاء البلاد والعالم، وقد تفاعل الجمهور الخنيفري مع اللون الكناوي المغربي، الإفريقي الصوفي العريق الذي فات لمنظمة اليونيسكو، أن أدرجته، سنة 2019، ببوغوتا، ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية.

وجاء تنظيم هذه التظاهرة الفنية بعد التئام خمس جمعيات في تنسيقية تضم جمعية هوب، جمعية أطالس، جمعية ملتقى الطفولة والشباب، جمعية أيادينا للتكافل الاجتماعي والتنمية وجمعية اليد في اليد للأعمال الاجتماعية الثقافية، والتي أصرت على تنزيل فكرتها على أرض الواقع رغم اصطدامها بجفاف الدعم الذي طرقت بشأنه عدة مجالس منتخبة، حسب مصدر من المنظمين، كما أن انطلاق فعاليات المهرجان سبقه اجتماع رسمي وحيد بباشوية المدينة جمع عدد من ممثلي السلطة المحلية والأمنية، تمت فيه مناقشة جدول  برنامج المهرجان وسبل تأمينه وإنجاحه، خصوصا ما يتعلق بسهرة مفتوحة بساحة أزلو.

وتميز المهرجان بمشاركة الباحث الدكتور حوسى أزارو بورقة تحت عنوان “سوسيولوجيا الفن: كناوة نموذجا”، استهلها بمقدمة حول أشكال وظواهر الفنون، وسياقها الاجتماعي والثقافي والسياسي، و”ما تحمله من قيم رمزية وجمالية، ومن خطابات ورسائل تتعدى الآلات والرقصات والكلمات، ومدى حاجة بعضها للفهم والتحليل والتأويل بدل إصدار الأحكام القيمة”، فيما قام المتدخل بإخضاع موضوع ورقته لعدة مقاربات سوسيولوجية منها وثقافية وجمالية وبرجماتية، قبل توغله سوسيولوجياً في تشخيص العلاقة القائمة بين المبدع وإبداعاته الفنية، والبحث في البعد الجمالي والثقافي في المنتوج الفني والبحث في الوظائف الاجتماعية والاقتصادية للفن.

وفي ذات السياق، تناول د. أزارو موقع الفن في التراث اللامادي (تقاليد وتعبيرات شفوية، الطقوس والموسيقى، الممارسات الاجتماعية والثقافية والفنية والإيكولوجية، الأساطير والحكايات والعالم العجائبي، التعاويذ والترانيم والتبريكات، الرقص الشعبي)، ليدخل لنموذج الفن الكناوي باعتبارهيحيل على البعد التصوفي في الثقافة، والاحتفالي الذي تحكمه طقوس وممارسات”، متحدثا عن الطرق الصوفية بالمغرب – خاصة الشعبية منها، ليوقف عند “تمكن طقوس كناوة من تجاوز حدود الجسد نحو “الروحي”، وحدود الزمن التاريخي نحو الزمن السيكولوجي، وتجاوز الحضور الفيزيقي نحو الانغماس في اللامادي واللا مرئي”.

وخلالها توقف د. أزارو عند مصدر اسم الكناوي، وموقع “كناوة” من داخل حقل الممارسة الصوفية بالمغرب؟، وما يميز كناوة المدن ( طقوس التملك، الدردبة)، عن كناوة المناطق الأمازيغية، وكيف تعد طائفتهم من أكبر وأهم الطوائف الصوفية الشعبية في المغرب (العيساوية، الحمدوشية، الدرقاوية، التيجانية، الناصرية، البوتشيشية، الهداوية…)، كما لم يفت المتدخل الإبحار بالحضور في الأبعاد التاريخية للفن الكناوي ومدى “اتخاذ التصوف الشعبي الكناوي، بطبيعته العلاجية والسيكولوجية الفنية، من الليلة الكناوية، صيغة نزول أو هبوط متدرج يخضع لإيقاعات الموسيقى ولحركات الجسد المملوك في الجذبة أو الدردبة”.

وقد انطلقت فعاليات “مهرجان ألوان كناوة”، من غرفة التجارة والصناعة والخدمات، بكلمة افتتاحية لمدير المهرجان، يونس حديم، ثم بورشة، في اليوم الموالي، للتعريف بالفن الكناوي لفائدة الأطفال، ليكون الجمهور، في مساء ذات اليوم، على موعد مع سهرة فنية بساحة أزلو، بخنيفرة، شارك فيها عدد من “معلمي” الفن الكناوي، هم حسن حموصة، يونس كويو، عبد الصمد لاصي، عبد الله الملالي، ياسين، حمزة، زكرياء علالي، يوسف المكاوي، التامبوكتي، حيث استمتع الجمهور، الذي غصت به الساحة، بعروض من إيقاعات وأهازيج “الهجهوج” الكناوية العريقة التي ساهمت عميقا في إثراء التنوع الثقافي والإبداع البشري بإقليم كخنيفرة.

وقبل اختتام فعاليات المهرجان، تم تنظيم أمسية فنية بالقاعة الكبرى لغرفة التجارة والصناعة والخدمات، تفاعل فيها الجمهور الحاضر بقوة مع “المعلمين” المشاركين الذين أكدوا، حرصهم على استدامة تراثهم العريق، وعلى صون عظمة ثقافتهم الشعبية، في بعديها الفني والروحي، وبعد ذلك تقدم المنظمون، بينهم المدير الفني للمهرجان، خالد حديم، لتوزيع شهادات المشاركة على المشاركين، وباقي المساهمين في تنظيم التظاهرة الفنية، بينما جرى تتويج المهرجان بتكريم رائد الفن الكناوي، المعلم حسن حموصة، ليسدل الستار على الدورة الأولى من “مهرجان ألوان كناوة” الذي يطمح منظموه إلى جعله مستقبلا من أبرز التظاهرات الفنية والثقافية بالمدينة.