إضاءات بخنيفرة من أجل مجتمع غير متسامح مع العنف ضد النساء

0
  • أحمد بيضي

شكلت “إضاءات من أجل مجتمع غير متسامح مع العنف”، محور ندوة تفاعلية، بخنيفرة، نظمتها، عشية يوم الخميس 25 نونبر 2021، “جمعية أنير للتنمية النسوية والتكافل الاجتماعي”، بشراكة مع “اتحاد العمل النسائي”، والتي عرفت مشاركة ثلة من الفاعلات والفاعلين بعدة مجالات وميادين، القانونية منها والسياسية والتربوية والاجتماعية والصحية، وتميزت أشغالها بحضور نوعي ولافت من النساء والفتيات، ومن الفعاليات المدنية والمهتمة بقضايا النساء، التي ساهمت في نقاشاتها بالكثير من التصورات والمقترحات. 

ويندرج تنظيم هذه الندوة التفاعلية التي افتتحت بكلمة رئيسة الجمعية المنظمة، فتيحة حروش، في سياق “الحملة البرتقالية” المرتبطة باليوم العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة (25 نونبر)، والتي اختير لها هذا العام 16 يومًا على أن تختتم في العاشر من دجنبر، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ويقودها الأمين العام للأمم المتحدة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، منذ عام 2008، بهدف الحد من ظاهرة العنف الممارس ضد النساء والفتيات في أنحاء العالم، والدعوة الحقيقية لاتخاذ ما يمكن من الإجراءات لترسيخ الوعي العام بذلك وفتح فرص مناقشة التحديات والحلول.

وضمت الجلسة الأولى للندوة مشاركة ممثلة محكمة قضاء الأسرة، ذة. عزيزة بركات، في موضوع دور خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، ومسؤول خلية التكفل بضحايا العنف بالمركز الاستشفائي الإقليمي، محمد خمري، حول البرنامج الوطني للصحة للتكفل بهؤلاء الضحايا، ثم رئيسة جمعية إنصات، المناضلة سامية الأمراني، بمداخلة حول: أية حماية قانونية لمستمعات المجتمع المدني، في حين اختير لتسيير الجلسة الأولى المهتم بقضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي، عبدالهادي كيرو.

أما الجلسة الثانية، فضمت إلى جانب الباحث السوسيولوجي، د. حوسى أزارو، حول أهمية المقاربة التعليمية في مناهضة العنف ضد النساء، الجامعي والرئيس الجماعي، د. امحمد أقبلي، في موضوع دور المجالس المنتخبة في حماية وتمكين النساء، ثم الفاعل المدني، لحسن آيت المغروس، بورقة حول دور الإعلام في ترسيخ ثقافة حقوق المرأة ومناهضة العنف، وقد اختير لتسيير هذه الجلسة الفاعلة التربوية، المناضلة الحقوقية والنسائية، فاطمة أكنوز التي كان لحضورها قيمته المضافة بأشغال اللقاء.   

من جهتها ركزت ذة. عزيزة بركات على مختلف الجوانب المتعلقة بدور خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف في تنزيل القانون 103/13، وذلك انطلاقا من صدور مدونة الأسرة، حيث استعرضت ظروف وأهمية إحداث هذه الخلايا بمحاكم المملكة، ودورها في استقبال وإرشاد وتوجيه الضحايا، مع إبراز الشركاء والمتدخلين، من باب توفير العناية اللازمة لضمان الحماية القضائية لهؤلاء الضحايا على اختلاف أوضاعهم، وزجر كل أشكال المعاملات السيئة التي طالتهم وتطالهم عبر مساءلة ومعاقبة الفاعلين والمتورطين.

أما محمد خمري فاستعرض الوتيرة التي أخذ المركز الاستشفائي الإقليمي يستقبل بها ضحايا العنف، من النساء والأطفال، وكيف يجري احتضانهم، بناء على ما تنص عليه بروتوكولات إعلان مراكش والبرنامج الوطني للصحة وباقي الاتفاقيات التي تنص على إرساء الحقوق وإلغاء أشكال التمييز، على مستوى التكفل والعلاج، وإنجاز الملفات والشهادات الطبية، وتوجيه الضحايا صوب الأطباء المختصين والمعنيين بالحالات المسجلة، فيما ذكر بالدوريات الوزارية المعنية بالنساء والأطفال ضحايا العنف.

ومن خلال مداخلته، لم يفت المتدخل خمري الكشف عما يفيد ب “أن عددا من النساء يتهربن من التقدم بحالتهن أمام المحاكم، إذا لم يقتصر بعضهن على طلب الحصول على الشهادة الطبية فقط”، وكيف أن “جل النساء الضحايا يتخوفن من اعتقال أزواجهن، سيما منهم الآباء الذين يجمعهم بضحاياهم الأطفال والطفلات”، فيما شدد ذات المتدخل على ضرورة قيام مراكز القرار بإحداث قاعات خاصة بفحص الضحايا، وتجهيزها بما يجب من اللوازم الضرورية، مع العمل على تقريب خلايا التكفل من مصلحة المستعجلات.

وبدورها قامت المناضلة سامية الأمراني باستعمال الشاشة الضوئية في استعراض مختلف الجوانب المتعلقة بالحماية القانونية والاجتماعية للنساء والأطفال ضحايا العنف، وكذا دور الأطراف المتدخلة ومراكز الاستماع التابعة للجمعيات، دون أن يفوتها التطرق لما أسمته ب “الإبهام أو الخلط القائم بين مفهوم المستمِعة والمساعِدة الاجتماعية”، وعلاقة ذلك بمضمون دفتر التحملات المنظم للنصوص القانونية والعلاقات مع الجمعيات المهتمة، والمعنية بالاتفاقيات المبرمة مع وزارة التضامن والأسرة.

وفي ذات السياق، تناولت الأمراني، بالشرح والتوضيح، مختلف المواد الأساسية المتعلقة بالجمعيات على مستوى ما يهم عملية الاستماع والتوجيه والإرشاد والمساعدة الاجتماعية، إلى جانب قراءة مستفيضة في دفتر التحملات المنجز من طرف وزارة التضامن والأسرة، وقانون الشغل بالنسبة للمستخدمات والمستخدمين، بينما استعرضت نماذج من شهادات استقتها جمعية إنصات من عدة نساء ضحايا العنف، والاكراهات التي اصطدمن بها، فيما أشارت إلى أن 57 بالمائة من النساء يجهلن قانون 103/13، وفق إحصاء استنتجته إحدى الباحثات.

وبعد ذلك افتتح د. حوسى أزارو الجلسة الثانية بتأكيده أن موضوع الندوة “كبير وحاسم جدا”، وتساؤله حول معنى تركيز المجتمع على النساء؟، وكيف نتحدث عن ارتباط النساء بشتى المجالات؟، ونبحث في علاقة الجنس بالنوع؟، قبل أن يقوم المتدخل ذاته بتفكيك مجموعة من الأسئلة عن “كيفية إعادة المجتمع المغربي بالقطع مع ثقافة التطوع والإحسان مقابل تفعيل المأسسة والتدخل الواجب لبناء هذا المجتمع بالطريقة التي نشتغل عليها” بعد تحقيق التكامل في مهام وقدرات المتدخلين والفاعلين الرئيسيين.

كما استخلص د. أزارو مداخلته في الحديث عن “العنف المرتبط بالتعسف المادي (جسديا واقتصاديا وجنسيا)، وعن فعل المساس بإنسانية الإنسان (الحط من قيمته الاجتماعية المدنية والسياسية وغيرها)، ثم العنف العائلي والاستخدام السيء للسلطة داخل العائلة”، مع تحليله لسؤال: هل العنف أساسي أم تحويلي؟، فضلا عن تطرقه للمقاربات التي ينبغي بها معالجة “ما يعمل على شرعنة العنف وتبريره باسم الفحولة والرجولة والثقافة السائدة”، وذلك بانطلاقه مما كشفت عنه وزارة التخطيط من احصائيات.

وبعد تطرقه للأسباب الاجتماعية للعنف، ومنها الثقافة الشعبية الرائجة حول صورة وقيمة المرأة، لم يفت د. أزارو مناقشة الشعار: لا تسامح مع العنف ضد المرأة، بالقول: هل نقول لا تسامح أم نقول لا هدنة مع العنف، أم لا تواطؤ مع العنف؟، ذلك حتى يمكن الحد من الانكسارات داخل المجتمع”، و”لماذا بالتالي كلما ازدادت ثقافة المرأة ازداد عنف الرجل واحتقاره لها؟”، كما رأى المتدخل أن “أنماط التجديد ما تزال تتآكل داخل بنية الوضع الثقافي الراهن”، كما أن التمييز ما يزال يمس بالبعد الاجتماعي للمرأة ويرميها بالشيطنة.

أما د. امحمد أقبلي فانطلق من القانون 103/13 الذي “نوقش ما فيه الكفاية من الجانب القانوني”، حسب قوله، ومن دور الجماعات الترابية في مناهضة العنف ضد النساء، بعدما أضحى الموضوع يهم عموم المهتمين والباحثين، سواء في الصحة والتعليم والقضاء، أو علم الاجتماع وغيره، فيما أكد المتدخل أن “مجموعة من الأعمال التي تقام هنا وهناك تنقصها سياسات عمومية حقيقية يمكنها الحد من ظاهرة العنف الممارس ضد المرأة”، مع تساؤله حول معنى حذف كلمة المساواة من اسم الوزارة.

وارتباطا بذلك، ركز د. أقبلي على موضوع “السياسات العمومية التي يمكن بها مسايرة وتقوية الدولة الاجتماعية”، قبل تطرقه لحال الإقليم الذي تنقصه مراكز للاستماع وإيواء النساء والأطفال ضحايا العنف، وكيف أن المجالس المنتخبة تفتقر لاختصاصات مشتركة في ما يتعلق بمقاربة النوع الاجتماعي، وللدعم الكافي للجمعيات المناهضة للعنف ضد النساء، علما، يضيف المتدخل، أن دور المرأة هو قبل كل شيء المحدد لعدد من الالتزامات المرتبطة أساسا بحياة الأسرة، وقد بات من الضروري رصد مختلف الأبعاد المحددة لهذا الجانب.

وبخصوص الفاعل المدني، لحسن آيت المغروس، فاختار المشاركة بموضوع صورة المرأة في الإعلام، معتمدا في مستهل ورقته ببعض مؤلفات بيير بورديو، وبمفهوم ثورة الفكر والثقافة، من خلال القول “بوجود نوع من التواطؤ في الإنتاج وإعادة الإنتاج في نفس الثقافة والتكوين والتربية والتنشئة الاجتماعية”، مع سؤال: “كيف يمكن أن نخلق مجتمعا من دون عنف؟، وهل المدرسة تقوم بدور المساواة بين الجنسين؟”، قبل تركيز المتدخل على صورة المرأة في الإعلام البصري وواقع تقديمها بالمنطق الغربي الذي لا يرى فيها سوى بضاعة وجسد.

كما تطرق المتدخل لجانب الإشهار التلفزي الذي ما يزال يقدم المرأة المغربية في أي مشهد يتعلق فقط بالطبخ والتنظيف واللباس، عكس الشكل الذي يمرر به صورة المرأة الغربية، بمواصفات جمالية وبوقار مميز، يسمح بتسويق المنتوج موضوع الإشهار، وبعد تناوله لصورة المرأة في الأفلام والمسلسلات، لم يفت آيت المغروس الدعوة إلى “تغيير بنية التفكير لأجل تغيير صورة المرأة”، وإلى ضرورة قيام هذه المرأة بتقديم نفسها كما تريد هي وليس كما يريده الإعلام، أو الاستمرار في تكريس العنف ضدها واتجاه بنات جنسها.