انتخاب الحبيب المالكي رئيساً ل “مؤسسة مهرجان السينما الافريقية” بخريبكة، خلفا للراحل نورالدين الصايل

0
  • أحمد بيضي

جرى، يومه الجمعة 16 يوليوز 2021، الإعلان رسميا عن انتخاب الدكتور الحبيب المالكي رئيسا ل “مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية”، في خريبكة، وذلك خلفا للراحل نور الدين الصايل الذي اختطفته جائحة كورونا، يوم 16 دجنبر 2020، حيث أكد الدكتور المالكي بالمناسبة “أنه ليس سهلا أن يشغل المرءُ موقعا سينمائيا  في المغرب بعد أن شغَلَهُ الفقيد العزيز نور الدين الصايل، الناقد السينمائي الكبير الذي فقده المغرب الثقافي” و”الذي بصم الحقل السينمائي في المغرب بتفكيره وخطابه النقدي والنظري، بمبادراته الوطنية والكونية، بجرأته الجمالية والفلسفية والتعبيرية، وبكل روحه وكيانه وأفقه الإنساني الرحب”.

ولم يفت الدكتور المالكي الإشارة لما وصفه ب “تقاطع خطواته مع خطوات الفقيد نور الدين الصايل، في منتصف الستينيات”، قائلا “كُنْتُ يومها من الشغوفين بالثقافة السينمائية، وبمتابعة وقراءة المجلاّت السينمائية الفرنسية، بل وكان طموحي في مرحلة من مراحل تكويني أن أتابع دراساتي العليا في السينما، وكان هناك حُلْم يداعبني في بداياتي الأولى بأن أصبح ذات يوم مخرجا سينمائيا”، معتبرا الفقيد رجلا صادقاً في اختياراته، منتصراً لقيم التحديث والدّمقرطة والعقلانية والتنوير، حريصا على زرع أُسُس الثقافة السينمائية في التربة المغربية بما هي ثقافة تؤسس للمستقبل، وتُوسِعُ المتخيَّل، وتجدد البنيات الذهنية والسوسيوثقافية في المغرب المعاصر”.

وفي كلمته، شدد الدكتور المالكي على صون ذاكرة الراحل نور الدين الصايل، والتي وصفها ب “الذاكرة الخِصبة”، و”الفكرة الحية” التي استنبتها في سنة 1977 عندما كان رئيساً للجامعة الوطنية للأندية السينمائية في المغرب التي أسسها سنة 1973، وظل يتحمَّل مسؤولية رئاستها إلى سنة 1983″، حيث ظلت “الفكرة رياديّةً بامتياز، قوية وجديدة ومُلهِمة”، وها هو مهرجان السينما الأفريقية في خريبݣة، يضيف الدكتور المالكي، “أصبح من أهم وأقدم المهرجانات السينمائية في القارة الأفريقية، التي تهتم بالسينما الأفريقية تحديدًا، شأنَ مهرجان فيسباكوFESPACO   في واغادوغو- بُورْكينا فاسو، ومهرجان مدينة الأُقْصُر في مصر على سبيل المثال”.

وبعد استعراضه لقيمة المهرجان، كأوّل وأقدم مهرجان سينمائي تم تأسيسُه في المغرب، اعتبره “قيمة أساسية في تاريخنا الثقافي الوطني”، بعدما صار “يُشَكّل موعدًا أساسيًّا في أجندة السينمائيين الأفارقة والمهتمين بصناعة السينما في قارّتنا السمراء”، لم يفت الدكتور المالكي استعراض جوانب من حياة هذا المهرجان منذ أن “بدأ صغيرًا بفكرةٍ كبيرة، وعَانَى في بداياته من ضعف ومحدودية الإمكانيات المادية نظرًا للمنظور السائد آنذاك إلى الجامعة الوطنية للأندية السينمائية باعتبارها إحدى الجمعيات الثقافية التقدمية والديمقراطية بما يعنيه ذلك من رمزية ودلالات مخصوصة في تلك المراحل التأسيسية”.

وفي ذات السياق، انتقل الدكتور المالكي إلى المرحلة التي “تأسست فيها (جمعية مهرجان السينما الأفريقية في خريبݣة) قبل أن تتحولَ في وقت لاحق إلى (مؤسسة خاصة بالمهرجان)، وكَبُر المهرجان من دورة إلى أخرى، ووفَّر له المرحوم  سي نور الدين إمكانيات وامتدادات إضافية، خصوصًا بعد أن أصبح يتحمل مسؤولية إِدارة المركز السينمائي المغربي”، حيث دعا الحبيب المالكي عموم الفاعلين، كلٌّ من موقعه، إلى “صون الفكرة والإرث، والرصيد والقيمة المضافة، والرأسمال الرمزي الثقافي والحضاري الذي تركه نور الدين الصايل للحركة الثقافية المغربية، ولنا جميعا”، يضيف الدكتور الحبيب المالكي.

وارتباطا بالموضوع، لم يفت الدكتور المالكي اعتبار السياق الراهن، السياسي والثقافي والاجتماعي، ب “السياق الذي لا يمكنه إلا أن يعطي لفكرة المهرجان وللمهرجان ذاته وظائف جديدة من المنتظر أن ينهض بها، خصوصا بعد قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بعودة بلادنا إلى الاتحاد الإفريقي ؛ هذه العودة التي أرادها جلالة الملك قوية بالأفكار، بالمبادرات، بالمقترحات، بالمشاريع، وبالتوجهات الجريئة التي تقتحم الفضاء الإفريقي، وتعيد مدَّ الجسور وتجديد العلاقات، وبناء صداقات مثمرة في الثقافة والفكر والاقتصاد بل وفي مختلف الآفاق الاستراتيجية والجيوسياسية والإنسانية”.

ولاشك أن المكانة الحضارية والثقافية والإبداعية، والسينمائية، بالخصوص للقارة السمراء، يضيف الدكتور المالكي، “تظل دائما في حاجة إلى مثل هذا المهرجان، وفي حاجة إلى جميع المبادرات الثقافية الكبرى في كُلِّ مجالات التعبير الفني، فالقارة الأفريقية قارة لِلمُتَخَيَّل (L’imaginaire) بامتياز، المُتَخَيَّل الفنّي والأدبي والفكري والفلسفي والجَمَالي”، مؤكدا أنه “رغم الإجحاف وعدم الاعتبار الغَرْبي أحيانا، فقد حازت قارتُنا عدة جوائز عالمية بما فيها جوائز نوبل في الآداب، وجوائز نوبل للسلام، وجوائز عالمية في السينما وفي الفنون أيضاً”، كما تتوفر القارة على رصيد من كبار الشخصيات الإِنسانية التي لها مكانة دولية وصِيت كوني.

ومن خلال ذات كلمته، أشار الدكتور المالكي إلى “أن وظائف ورهانات المهرجان اليوم، ومهام مؤسسة المهرجان أصبحت كبيرةً وجسيمة، ولابد من تضافُر كُلِّ الجهود الرَّسْمية والشعبية للمُضيِّ قُدُمًا في هذا التحدي الثقافي والرمزي والفني الكبير. فالحقل السينمائي الوطني في المغرب في حاجة حقيقية إلى مهرجانات متعددة لتعميق وإِشاعَةِ الوعي السينمائي. وبالتالي، فكل مهرجان يُنَظَّم في المغرب سواء كان يهتم بالسينما العالمية أو بالسينما العربية أو بالسينما الأفريقية أو بالسينما المتوسطية أو بِسينِما المُؤَلِّف أو سينما الهجرة أو بالفيلم الوثائقي أو بالفيلم التربوي، أو غير ذلك يتكامل بالضرورة مع آفاق السينما الوطنية ويدعم صناعتنا السينمائية المغربية بالتأكيد”.

الدكتور المالكي، رأى أن الروح الجماعية التي توحّدنا اليوم، ستجعله يقتسم المسؤولية الوطنية الجسيمة التي تقلدها، وذلك ب “بالانفتاح على كافة الكفاءات الوطنية في المغرب وخارجه، فضلًا عن أصدقائنا من القارة الأفريقية ومن خارجها، وطبعا الانفتاح على الكفاءات الخيِّرة في خريبݣة، المدينة والإقليم، وفي الجهة”، مستحضرا بالتالي المكانة الاستراتيجية والاقتصادية للقارة الأفريقية، راهنًا ومستقبلا، وما تؤكده أهمّ الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، من “أَن بُعْدَ النظر لدى صاحب الجلالة مَهَّدَ لعودة المغرب سِياسيًّا إلى المُنْتَظَم الأفريقي بخطوات وقرارات اقتصادية جريئة جدًّا جعلت من المملكة المغربية اليوم ثاني أكبر مستثمر في القارة”.

وإلى جانب دعوته لمضاعفة الجهود بالعودة إِلى الفضاء الأفريقي، وبالمزيد من الحضور الاقتصادي والسياسي والثقافي والرياضي …. وغيره، قال الدكتور المالكي ب “أن هذا التوجه هو الذي “سيُعَمِّق ارتباطنا بمهرجان السينما الإفريقية في خريبكة، ويحفزنا على البحث عن المزيد من الإمكانيات المادية والأدبية، وتجسير العلاقات مع مختلف المهرجانات والمؤسسات والفعاليات الوطنية والأجنبية التي تقتسم معنا هذا الشغف بالسينما الإفريقية، وبالفن السابع عموما باعتباره فنّاً حداثيا يعمق الوعي العام، ويغذي الفكر والوجدان، ويعمّم القيم الإنسانية الرفيعة”، يضيف المالكي في ذات كلمته.

وفي ختام كلمته، أعرب الدكتور المالكي عن أمله في “وجود كلّ الدعم من السلطات الجهوية والإقليمية والمحلية، والسلطات المنتخبة، ومؤسسات المجتمع المدني الحية، فضلا عن أسرة السينمائيين المغاربة الذين يقدّرون قيمة هذا المهرجان ومؤسسته وأطره المؤسِّسَة والفاعلة بإخلاص وصدق ونزاهة”، وعلى رأسهم أعضاء الجمعية الذين اقترحوا عليه تحمل هذه المسؤولية التي اعتبرها بغير السهلة، و”لم يكن أمامه سوى الامتثال لنداء مدينة خريبكة ومهرجانها الدولي ونُخبها الثقافية والسينمائية والتربوية”، حسب قوله، حتى يمكن مواصلة رسالةَ الفقيد نور الدين الصايل، وهذا هو منتهى الوفاء لشخصه ولأفقه.