بعد سنوات من الجمود والتوتر الذي طبع العلاقة بين مجلس جهة بني ملال-خنيفرة وإقليم خنيفرة، لا سيما في ظل المرحلة التي كان فيها العامل السابق محمد فطاح على رأس عمالة الإقليم، وما صاحبها من صراعات إعلامية وسياسية واستقطابات حادة، شهد مقر عمالة خنيفرة، يوم الاثنين 7 يوليوز 2025، احتضان أشغال الدورة العادية لشهر يوليوز لمجلس الجهة، في لحظة سياسية وتنموية رآها كثيرون مؤشرا على عودة الدفء لعلاقة الإقليم بالمجلس.
تعليقات بالإقليم المضيف
الدورة التي ترأسها رئيس مجلس الجهة، عادل بركات، جرت بحضور والي الجهة، وعرفت مشاركة ممثلي أقاليم الجهة، وأعضاء المجلس، وعدد من المسؤولين الجهويين، إلى جانب الشركاء المهنيين وفاعلين ترابيين وإعلاميين، وقد تميزت هذه المحطة بالمصادقة، بإجماع الأعضاء، على 27 اتفاقية شراكة تندرج ضمن برنامج التنمية الجهوية 2022-2027، وتغطي مجالات متعددة حيوية، كالماء والطاقة، والتطهير، والتأهيل العمراني، والسياحة، والنقل، إلى جانب اتفاقيات ذات بعد اقتصادي واجتماعي واستثماري.
غير أن انتظارات سكان إقليم خنيفرة التي كانت معلقة على هذه الدورة، اصطدمت بواقع الأرقام، حيث أثارت حصة الإقليم من هذه الاتفاقيات الكثير من ردود الفعل، فيما جاءت تقديرات لأحد المنتخبين تشير إلى أن نصيب الإقليم لم يتجاوز نسبة 2 % من مجموع البرامج المصادق عليها، وهو ما خلق موجة تعليقات محلية واسعة، إذ في الوقت الذي اعتبر البعض اختيار خنيفرة لاحتضان هذه الدورة مبشرا باستفادتها من مشاريع كبيرة، جاءت التعليقات محملة بخيبة الأمل، وواصفة الإقليم بـ “محطة الضيافة والاجتماعات” لا أكثر.
المشاريع المصادق عليها والتي همت إقليم خنيفرة تضمنت إعادة دراسة اتفاقيات حول إحداث منصة لتثمين وتسويق المنتوجات المجالية بمركز بن خليل بآيت إسحاق، وتمويل برنامج ترميم النسيج العمراني العتيق بمدينة خنيفرة، وبناء مستودعات لحفظ وتبريد اللحوم بجماعات آيت إسحاق، مريرت، القباب، سيدي لامين وأجلموس، فضلا عن مشاريع تهم نزع ملكية عقارات لبناء ثلاثة سدود تلية بكل من أجلموس، حد بوحسوسن والحمام بمولاي بوعزة، إلى جانب مشروع لإعادة استعمال المياه العادمة لمريرت في سقي المساحات الخضراء.
آمال وانتظارات مؤجلة
غير أن هذه الاتفاقيات المعنية بالمشاريع، في نظر كثيرين، لا ترقى إلى تطلعات وانتظارات ساكنة الإقليم، التي ما زالت تنتظر إطلاق أوراش كبرى على غرار إحداث نواة جامعية، وإنشاء منطقة صناعية لتحفيز فرص التشغيل وتحسين الرواج الاقتصادي، وقاعة للمسرح، ومندوبية إقليمية للسياحة وأخرى للثقافة، ومشاريع لتثنية المحاور الطرقية الحيوية، من بينها طريق خنيفرة – أبي الجعد، علاوة على تحسين البنية التحتية بالعالم القروي والمناطق الجبلية من التي تعاني التهميش والعزلة.
الأسئلة نفسها طالت مصير مشاريع طال انتظارها، كالمركز السوسيو-ثقافي والرياضي بأجدير، الذي كان من المرتقب أن يمتد على مساحة 13 هكتارا، بكلفة تناهز 40 مليون درهم، ويخدم شريحة واسعة من الفاعلين الثقافيين والرياضيين والحرفيين، فضلا عن مشروع وحدة تثمين الصوف بمريرت الذي كان سيقام على مساحة 5000 متر مربع، باستثمار قدره 28 مليون درهم، وكان من شأنه النهوض بأوضاع النساء النساجات، علاوة على مشاريع وأسئلة ما تزال عالقة وعنوانا لتفاوتات مجالية مقلقة.
كما يثير الشارع المحلي بإقليم خنيفرة تساؤلات حقيقية بشأن تأخر مشاريع مرتبطة بتأهيل شارع محمد الخامس، وطريق بوزقور، والمسبح الأولمبي، ومشروع حماية مريرت من الفيضانات، ومعالجة أزمة “ملوحة ورداءة” الماء الشروب، ناهيك عن الغياب التام لأي مشروع يتعلق بإحداث مركز للأنكولوجيا لتشخيص وعلاج داء السرطان، ورغم ما حملته الدورة من مؤشرات على تصفية أجواء التوتر السابقة، فإن الحصيلة المعلنة لم تسلم من النقد، سيما في ظل ما اعتبر غيابا لمقترحات متكاملة من قبل المنتخبين وممثلي الإقليم داخل مجلس الجهة.
تصريحات على الهامش
ومن بين ما عبر عنه رئيس مجلس الجهة، في تصريحه الإعلامي، إشارته إلى أن المجلس منفتح على استقبال مقترحات فعلية من خنيفرة، تبنى على دراسات تقنية، وتصاغ على شكل اتفاقيات قابلة للتنفيذ، وفق قواعد الحكامة والترتيب المعتمد مع باقي الأقاليم، وهو تصريح رأى فيه البعض تلميحا إلى غياب المبادرة من داخل الإقليم، فيما اعتبره آخرون تبريرا غير مقنع، يلقي بالمسؤولية على الممثلين السياسيين المحليين دون أن يقدم بدائل تعيد للإقليم موقعه في خارطة الجهة وتستجيب لتطلعاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفي ذات المناسبة، أكد رئيس الجهة، عادل بركات، في تصريحات له أيضا أن غالبية المشاريع التنموية المبرمجة بالجهة تحظى بتمويل مباشر من مجلس الجهة، مبرزا أن “خنيفرة، باعتبارها قلب الأمازيغ، تستحق كل أوجه التنمية والاهتمام”، وأضاف أن “الجهة لم تعد كما كانت قبل عشر سنوات، بل قطعت أشواطا مهمة في مختلف المجالات، رغم التحديات الكبرى، وعلى رأسها تداعيات الجفاف الذي يثقل كاهل النشاط الفلاحي، الذي يشكل 90 بالمائة من النشاط الاقتصادي للجهة“.
وأوضح بركات، “ابن الجبل”، كما قال، أن “حوالي 60 ألف يد عاملة تشتغل حاليا على مستوى تراب الجهة، ما يعكس دينامية ملحوظة في سوق الشغل المحلي”، وأكد في السياق ذاته أن “طموحات مجلس الجهة من الضروري أن تتناسب مع حجم الميزانية المرصودة”، مشيرا إلى أن “المعيار الحقيقي هو في احترام خصوصية كل إقليم وحرية اختياره لما يناسبه من اتفاقيات”، ومذكرا في الآن ذاته بمشروع الطريق السيار المنتظر بين بني ملال وفاس، مرورا بخنيفرة، كأحد المشاريع الكبرى التي تعول عليها الجهة في المستقبل القريب.
اتفاقيات الدورة العادية
وفي سياق أشغال الدورة المنعقدة بخنيفرة، افتتح المجلس أشغاله بالمصادقة على مشروع انخراط جهة بني ملال-خنيفرة في منظمة “الجهات المتحدة (ORU-FOGAR)، وهي منظمة دولية تعنى بالحكامة الترابية وتعزيز تبادل التجارب والخبرات بين الجهات، إلى جانب ذلك، صادق المجلس على جملة من الاتفاقيات التي شملت مجالات متعددة داخل وخارج إقليم خنيفرة، فبخصوص مشاريع الأقاليم الأخرى، تمت المصادقة على اتفاقيات لتأهيل مداخل مدينة الفقيه بن صالح وتحسين ربطها بالشبكة الطرقية الوطنية والجهوية.
إلى جانب تأهيل المنتجع السياحي “أسّاكا” بجماعة أيت واعرضى، وكذا تهيئة باحات الاستراحة المطلة على بحيرة بين الويدان بإقليم أزيلال، وهي مشاريع تندرج ضمن رؤية المجلس لتثمين المؤهلات الطبيعية وتحسين البنيات السياحية والترفيهية بالجهة، فيما تمت المصادقة على اتفاقية شراكة لإنجاز مشروع التطهير السائل لفائدة سبعة دواوير بجماعة سيدي حمادي التابعة لإقليم الفقيه بن صالح، الشركة العامرية، أولاد عطو السفلى، أولاد عطو العليا، الشركة الظهراوية، الدروة، التاكوني، وسيدي اخريص أولاد حمو.
كما صادق المجلس على اتفاقية شراكة تتعلق بتحديد شروط تمويل عمليات اقتناء أو نزع ملكية العقارات اللازمة لبناء عدد من السدود الصغرى والبحيرات التلية عبر تراب الجهة، تشمل سد كيكو بجماعة فم أودي، سد سيدي صالح بجماعة سمكت (إقليم بني ملال)، سد ثلاث نوعراب بجماعتي تنانت وواولى، سد سيدي علي بن إبراهيم بجماعة بني عياط (إقليم أزيلال)، سد آيت موسى بجماعة شكران، وسد آيت بوحمير بجماعتي المعادنة والبراكسة (إقليم خريبكة)، إلى جانب السدود الثلاثة التي تهم إقليم خنيفرة والتي سبق الإشارة إليها.
وتواصلت أشغال دورة مجلس الجهة بالمصادقة على مشروع اتفاقية لإنجاز أشغال الإنارة العمومية باستعمال الطاقة الشمسية لفائدة جماعات أفورار، بني عياط، تيموليلت، بين الويدان، أكودي الخير، تامدة نومرصيد، آيت امحمد، وامليل، في خطوة تروم تقليص كلفة الطاقة وتعزيز النجاعة الطاقية بالعالم القروي، فضلا عن المصادقة على اتفاقية تروم إحداث مركز للبحث والتطوير بإقليم الفقيه بن صالح، إلى جانب المصادقة على مشروع ملحق اتفاقية شراكة يربط بين مجلس جماعة تيزي نسلي (إقليم بني ملال) ومجلس الجهة.
وبينما تمت المصادقة على اتفاقية شراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع التواصل، تهدف إلى دعم الصحافة الجهوية وتقوية دورها في تأطير النقاش العمومي، وافق المجلس على ملحق جديد لاتفاقية سابقة يهم مشروع بناء الطرق بجماعة أحد بوموسى (إقليم الفقيه بن صالح)، فضلاً عن اتفاقية لتأهيل التجمعات السكنية بجماعة أولاد ناصر بالإقليم ذاته، واتفاقية أخرى تهم تأهيل المدينة العتيقة لمدينة الفقيه بن صالح وتهيئة الأحياء الناقصة التجهيز بها.
وفي مراجعة لمقررات سابقة، صادق المجلس على تعديل اتفاقية تعاون وُقعت لأول مرة في دورة يوليوز 2013، بشراكة مع عدد من الوزارات والمجمع الشريف للفوسفاط والسلطات الولائية، كما تمت إعادة المصادقة على اتفاقية إحداث مركب رياضي أولمبي ومنشآت سوسيو-تربوية بمنطقة أولاد عبدون بجماعة الكريفات، وعلى طلب قرض من صندوق التجهيز الجماعي، قصد تمويل مساهمته في البرنامج الاستثماري المتعلق بعقود التدبير المفوض للنقل الحضري بالحافلات، تنفيذاً للاتفاقية الإطار التي سبق توقيعها بمدينة طنجة.
واستجابة لمراسلة والي جهة بني ملال-خنيفرة، وعملا بالمادة 42 من القانون التنظيمي للجهات، وافق المجلس على إدراج نقطة إضافية تهم المصادقة على اتفاقية شراكة لإنجاز مشاريع ثقافية ورياضية بمدينة بني ملال، تشمل بناء المسرح الجهوي الكبير، المعهد الجهوي للموسيقى والكوريغرافيا، المسبح الأولمبي، والقاعة المغطاة، ما يعد نقلة نوعية على مستوى البنية التحتية الثقافية والرياضية للمدينة، كما صادق المجلس على الملحق رقم 1 لاتفاقية بناء وتجهيز كلية الطب والصيدلة ببني ملال، بشراكة مع جامعة السلطان مولاي سليمان.
وإلى جانب المصادقة على اتفاقية مهيكلة تهدف إلى تهيئة الأحياء الناقصة التجهيز بالمدينة نفسها خلال الفترة 2025-2026، حظيت اتفاقية شراكة مع مؤسسة محمد الخامس للتضامن بالموافقة، تروم إنجاز برنامج للإدماج عبر الأنشطة الاقتصادية، وكذلك المصادقة على النظام الأساسي لتأسيس شركة خاصة بتدبير منطقة التسريع الصناعي بخريبكة، بشراكة استراتيجية مع فاعل اقتصادي صيني، في خطوة رصد لها طموح استثماري كبير يراهن على جعل الإقليم قطبا صناعيا إقليميا.
نقاشات في نقاط نظام
وفي لحظة بدت ديمقراطية بامتياز، حملت مداخلات عدد من المستشارين والمستشارات خلال أشغال الدورة العادية لمجلس جهة بني ملال-خنيفرة نبرة نقدية واضحة، حيث تحولت بعض النقاط إلى ما يشبه “نقاط نظام” تعكس تباينا في وجهات النظر والآراء واختلالات في تدبير الشأن الجهوي، فقد أثارت إحدى المتدخلات مسألة التمييز غير المبرر بين أعضاء المجلس، خاصة فيما يتعلق بتمثيلية الجهة في السفريات والمهام الرسمية، مطالبة بتوضيح المعايير المعتمدة في هذا الشأن.
ولم تخل النقاشات من التذكير بالهوة التنموية بين المناطق، حيث جرى التشديد على ضرورة تصحيح الاختلالات المجالية، ورفع الحيف عن الجماعات القروية المعزولة والمحرومة من البنيات التحتية الأساسية، واعتبرت إحدى المتدخلات شرط مساهمة الجماعات ب 30 بالمائة من كلفة المشاريع بمثابة “حجرة فالصباط”، بالنظر إلى أن عددا من هذه الجماعات تعاني من ضعف الموارد المالية، وفيما نوه البعض بأهمية مشروع مستودعات تخزين اللحوم الذي يهم جماعات خنيفرة، فقد جرى التنبيه إلى ضرورة استكمال المشروع بتوفير شاحنات لنقل اللحوم
كما أثير ملف السدود الثلاثة التي خصصت للإقليم، حيث اعتبر عدد من المستشارين أن الحصة الممنوحة لخنيفرة تبقى “ضعيفة جدا”، مع التفكير في مناطق أخرى تحتاج إلى سدود صغيرة وتلية، لا سيما أن إقليم خنيفرة، ورغم كونه يزود سد الحنصالي بالمياه، لا يستفيد بشكل مباشر من هذه الثروة، ما يستدعي التفكير في بناء سد جديد على وادي شبوكة، فيما طرحت تساؤلات حول غياب المقاربة الشمولية في ملف السدود، حيث ركزت بعض المداخلات على غياب النقاش المرتبط بإجراءات اقتناء العقارات المخصصة لبناء هذه المنشآت.
أما بخصوص الدعم المخصص للصحافة الجهوية، فقد طالب أحد المستشارين برفع عدد المقاولات الإعلامية المستفيدة من التمويل، وتباينت المواقف داخل القاعة حول بعض التدخلات التي رأى فيها البعض “رسائل سياسية لا موقع لها في جدول أعمال الدورة”، في حين حملت مداخلات أخرى انتقادات مباشرة لما وصف بانعدام العدالة المجالية، وغياب التنسيق الجدي من طرف بعض القطاعات الوزارية، خاصة وزارتي السياحة والفلاحة، مع مجلس الجهة، وعلى مشارف اختتام الدورة، ارتفعت حدة النقاش لتصل إلى ما يشبه “الهزات الساخنة”.
وقد سجل مستشارون استياءهم من “الإقصاء الصامت” لجهة بني ملال-خنيفرة من البرنامج السياحي الوطني الذي أعلنت عنه الوزارة الوصية، بالرغم من المؤهلات السياحية الكبيرة للجهة وأقاليمها، كما انتقدوا الغياب التام لوزارة الفلاحة عن أي تنسيق فعلي مع المجلس، في وقت ينتظر فيه من هذه الوزارة الاضطلاع بدور محوري في تحقيق التوازن المجالي ودعم الفلاحة الجبلية والقروية، بدل الانخراط، وفق تعبيرهم، في حسابات سياسية ضيقة تكرس منطق الولاءات الحزبية.