عين الدخلة ببنسليمان.. مؤهلات طبيعية وسياحية تغري الزائرين
على بعد 12 كلم عن مدينة بنسليمان، وبموقع جغرافي ينتصب بين العاصمة الادارية الرباط والعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، يستقطب المنتزه الطبيعي “عين الدخلة “، الذي يعد من أهم المتنزهات الطبيعية بالإقليم، فصل الربيع عدد كبيرا من الزوار من المدن المجاورة، والذي قد يصل خلال أيام السبت والأحد إلى ما يقارب عشرة ألف زائر .
فالمنتزه، الواقع بالنفوذ الترابي لجماعة عين تيزغة إقليم بنسليمان، تحول إلى قبلة ونقطة جذب سياحي لساكنة المنطقة والمناطق المحاذية، لا سيما الدار البيضاء والمحمدية والرباط والصخيرات وتمارة، حيث يشهد في كل موسم ربيع بالخصوص إقبالا كثيفا للزوار القادمين من هذه المدن.
وتشكل “عين الدخلة”، التي تمتد على مساحة تزيد عن ألفي هكتار، منتجعا مثاليا للباحثين عن الخضرة والجبال والمناطق الطبيعية العذراء، فضلا عن كونها موردا اقتصاديا هاما للسكان بالمنطقة، بعدما أصبحت من أكثر المناطق استقطابا للسياحة الداخلية على مستوى الإقليم، خاصة بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود خلال فصل الربيع.
تتعدد السبل، والهدف واحد، الوصول إلى هذا المنتزه الطبيعي العذري، فمرتادوه يأتون إما عبر رحلات سياحية بالحافلات، أو عبر سيارات خاصة، أو راجلين أو راكبين دراجات هوائية أو عربات مجرورة بالخيول والدواب، غايتهم الترفيه والتسلية.
وما أن تطأ أرجلهم المنتزه حتى يبدأوا في التسابق من أجل ولوج “غار العين” المتواجد في قمة أحد الجبال على ارتفاع يفوق 700 متر، أو ممارسة بعض الرياضات الجماعية أو الفردية كتسلق الجبال أو العدو، وبعضهم يفضل أن يمضي نهارا كاملا، يعيشون فيه “حياة البادية”، إذ يأكلون أكلات سكانها ويرقصون ويغنون ويلهون طوال اليوم.
وعلى طول الطريق المؤدي إلى المتنزه، تصطف نساء قرويات في خيام تقليدية صغيرة يعملن في بيع منتجاتهن التي غالبا ما تكون منتجات غذائية لها علاقة بفصل الربيع.
تقول “نعيمة”، واحدة من هؤلاء النسوة، وهي منهمكة في إعداد الفطائر “الملاوي”، لإحدى العائلات التي اتخذت خيمتها مكانا لقضاء اليوم، إن عددا من نساء المنطقة يحاربن واقع الهشاشة الذي ترزح تحته المرأة بالمنطقة، بمهن موسمية خصوصا خلال فصل الربيع، من أجل توفير مبلغ مالي يساعدهن على مغالبة واقع الفقر، ويساعد أزواجهن على مصاريف البيت.
وأضافت هذه المرأة، التي ما إن انتهت من إعداد وجبة الفطور لضيوفها، حتى شرعت في تحضير وجبة الغذاء التي كانت عبارة عن كسكس بالخضار نزولا عند رغبة ضيوفها، أنها تأمل في أن تعمل جماعة عين تيزغة بتنسيق مع باقي المصالح على تهيئة المنتجع ليكون في مستوى طموحات زواره، مؤكدة أن عددا من السياح الأجانب أضحوا مدمنين على زيارته.
مثل نعيمة نساء أخريات منشغلات في إعداد أشهى الوجبات المغربية المحلية، مثل “سيكوك” الذي يتم إعداده من طحين القمح الخشن، المعد بطريقة خاصة، ويمزج باللبن والقليل من الملح، ويؤكل باردا، وأنواع من الفطائر التقليدية كـ “المسمن” و”البغرير” و “المخامر “، التي تقدم مع الشاي المعد بعدد كبير من الأعشاب العطرية ذات الرائحة القوية والمنعشة والمتواجدة بالغابة كالنعناع والزعتر وفليو ومانت ومرددوش وغيرها من النباتات، إضافة الى عرضهن للخبز المعد بالطرق التقليدية داخل أفران طينية.
ولأطفال المنطقة، أيضا، نصيبهم من العمل بالمنتجع، إذ يصطفون عند بوابة المنتجع ويعرضون خدماتهم عبر نقل الزوار وما يحملونه من أمتعة بالدواب عبر وادي المنتجع، مقابل بضعة دراهم، يحددها الزائر حسب إمكانياته، حيث يرفض الأطفال طلب ثمن معين، ويتركون ذلك لأريحية الزائر.
ومن الأشياء التي يتمتع بها زوار المنتجع الصعود إلى “كهف البارود” في قمة أحد الجبال بالمتنزه، وما أن يصلوا إليه حتى تسمع صرخاتهم منتشين ببلوغ قمة الجبل، هناك حيث يصير بمقدورهم تأمل أزيد من ألفي هكتار وهي المساحة التقديرية للمتنزه، فيما يفضل آخرون ممارسة بعض الرياضات الجماعية أو الفردية مثل تسلق الجبال بالحبال.
ولا يقتصر الترفيه والتسلية على التنزه في الطبيعة، وإنما يأخذ منحى آخر مع المجموعات الشبابية التي غالبا ما تأتي في رحلات منظمة، حيث يختلطون بأبناء المنطقة، ويبدعون في الغناء والرقص، لتجتمع حولهم حلقات من الزوار على إيقاعات وأغان شعبية محلية على طريقة “عبيدات الرمى”، وهي مجموعات رجالية لها خصائصها وإيقاعاتها المميزة في الغناء والرقص، والتي تعطي طابعا خاصا لفنها وسط الطبيعة عندما تمتزج أصواتهم وإيقاعاتهم بصدى جبال ” عين الدخلة”.
وعند العصر، وقبل مغيب الشمس تتحلق الأسر على أكواب الشاي المعد على الفحم، حيث يقدم مع الفطائر، إلى جانب بعض الأطباق التقليدية والمنتجات الطبيعية التي يقتني منها الزوار كميات كبيرة بسبب عدم توفرها في المدن، وحتى إن توفرت لا تكون بالطراوة والجودة نفسها.
والمتنزه، كذلك، هو قبلة للطلبة والباحثين، لما يتميز به من أهمية تاريخية، فقد سبق له أن استقبل مجموعة طلبة وباحثين مغاربة وأجانب، استقروا بالمنطقة لأزيد من أسبوعين، رصدوا خلالها عدة هياكل عظمية بشرية وعتادا قديما أيضا.
كما أن المنطقة مشهورة لدى طلبة الجيولوجيا وعلوم الحياة والأرض، بفضل مغارة “صخرة الشلح” و”كهف البارود” في الطرف الثاني من الوادي لأهميتهما التاريخية والعلمية.
ويقع متنزه “عين الدخلة” تحت نفوذ جماعة عين تيزغة أغنى جماعة قروية بإقليم بنسليمان، والتي خصها مسؤولو هذه الجماعة بعدة مشاريع سياحية من شأنها المساهمة في تغيير وجهة المنطقة.
وقد كان هذا المنتزه الطبيعي، وما يزال، من بين المناطق السياحية المهمة التي يعول على تنميتها وجعلها منتزها عصريا بمقومات طبيعية، يسهم في توفير مداخيل إضافية للجماعة ومناصب شغل مستدامة للساكنة.
وبمؤهلاته يستحق هذا المنتزه أن توفر له كل الإمكانيات المادية لتهيئته والنهوض به، واعتماد سياحة ثقافية وترفيهية منظمة، تتيح للسياح التعرف عن قرب على أنواع كثيرة من الأحجار والنباتات النادرة.