دائرة إغرم بإقليم تارودانت : إكراهات عديدة تضاعف معاناة الساكنة وتدفع نحو التفكير في الهجرة الكلية بعد الجزئية

0

محمد مستاوي

إن كل من يرتبط بالعالم القروي بإقليم تارودانت، عموما، والقبائل المنتمية إلى دائرة ايغرم بوجه خاص، لن يستغرب لهجرة الساكنة كليا وجزئيا إلى هذه المدينة أو تلك، بسبب عدة عوامل مؤثرة منها: حرمان بعض الساكنة من أشجار الآباء والأجداد التي تعايشوا معها ورعوها منذ آلاف السنين – استفحال تمظهرات الرعي الجائر- هجمات الخنزير البري المتناسل – حرمان بعض الجماعات القروية من التعليم الإعدادي والتأهيلي ودور الطالب والطالبة – الخصاص في المجال الصحي.

النحيت .. معضلة الملك الغابوي

أقامت ساكنة جماعة النحيت، على سبيل المثال، دعوى قضائية ضد المستعمر الفرنسي سنة 1952، بشأن الملك الغابوي، وكلفت الساكنة المرحوم البشير بن العباس للترافع عنها، وبعد الحكم الابتدائي لصالح الساكنة تم إلقاء القبض على أعضاء اللجنة المكلفة من طرف السكان لمتابعة الملف والزج بهم في سجن عين مومن قصد منعهم من متابعة قضيتهم في محكمة الاستئناف بمراكش، مما جعل القضاء الفرنسي خصما وحكما حيث حكم لصالح المستعمر، وترك لساكنة النحيت %16 فقط من مجموع الاراضي، وبعد الاستقلال ظل الوضع على ما هو عليه، حيث تم حصر القرى بأحجار خاصة مثبتة تم تبييضها بدعوى تحديد الملك الغابوي، «تطبيقا لقوانين قديمة تركها الاستعمار الفرنسي، وهي غير صالحة لأنها لا تراعي أدنى شروط العيش لقرى جد متقاربة لا تملك الأسر فيها إلا فدادين وأشجار أركان جد قليلة، ولا تأخذ تلك القوانين تكاثر السكان والعمران بعين الاعتبار» تقول مصادر محلية. لافتة إلى أن «هذا المشكل كان سببا في الهجرة الكلية للعديد من الأسر»، كما يستشف من شكايات السكان ومطالبتهم من أجل إعادة النظر في مشكل الملك الغابوي في العالم القروي، علما بأنه لا مورد لهم غير قطع أرضية متوارثة منذ مئات السنين في وقت تتناسل الأسر أما البقع الأرضية البورية القليلة أصلا فلا تتزايد بل تتلاشى نتيجة التصحر وجرفها عند حلول الفيضانات. ونفس الشيء بالنسبة لشجيرات أركان، التي تحوزها الأسرة الواحدة منذ عشرات السنين واقتسمتها عشرات الأسر، من خلال إقامة القسمة كلما توفي رب الأسرة وترك أبناء، لكن الذي لا يتغير هو قانون المجال الغابوي القديم، دون استحضار التزايد الديمغرافي ولا مجاورة الدواوير لبعضها وتداخل «النتف الأرضية»، ما يجعل الساكنة تطالب بمراجعة القوانين القديمة وذلك تشجيعا للأسر على الاستقرار في دواويرها بدل حملها على الهجرة إلى هذه المدينة أوتلك وكذا إلى خارج الوطن

تداعيات الرعي الجائر وهجمات الخنزير

بعد استبشار ساكنة قبائل دائرة ايغرم كغيرها من قبائل جهة سوس ماسة، بتهاطل أمطار الخير وبعد الحرث، اخضرت الحقول بأنواع النباتات المزروعة وغير المزروعة، لكن الساكنة تفاجأت بعشرات الشاحنات الكبيرة للرعاة الرحل تحمل مئات الأغنام والماعز، التي تلتهم الأخضر واليابس ويرفض أصحابها الابتعاد عن الفدادين المزروعة، ومنهم من أتى بشاحنات محملة بالجمال. بعض هؤلاء الرعاة لايترددون في استعمال العنف ضد كل معترض على هجمات قطعانهم ، كما حدث، على سبيل المثال لا الحصر للسيد إبراهيم الوالي بقرية ازوران، حيث أراد إبعادهم من فدادينه المزروعة فكان الجواب إصابته من أحد الرعاة بحجرة كبيرة في رأسه أسالت الدماء على وجهه تناقلتها المواقع التواصلية؟ أكثر من هذا لا يتركون قطرة ماء في المطافئ التي تعتبر خزانات مائية للساكنة القروية صيفا وشتاء ولا يتركون نبتة من النباتات، دون اكتراث بتدخلات السلطة المحلية، من مقدمين وشيوخ وقياد المناطق المعنية؟
يعاني السكان، أيضا، من هجمات الخنزير البري المتناسل في مناطق جهة سوس ماسة، لدرجة بات يتواجد على مقربة من الدواوير حيث لا يترك للفلاح الصغير ما يستعين به على مصاريف الحياة اليومية، ومن ثم تعد هجمات الخنزير البري من الأسباب المساهمة في الهجرة الكلية بعد الجزئية.

عن إكراهات التعليم الصحة …

منذ 2015 وساكنة الجماعات الثلاث: والقاضي، النحيت، تيسفان تطالب ببناء إعدادية بجماعة والقاضي وبدار الطالب والطالبة، وللتذكير فقد تم توقيع شراكة بين رؤساء الجماعات الثلاث المشار إليها وبين اللجنة السداسية لمتابعة الملف، أضف إلى ذلك توفير الوعاء العقاري من طرف أحد أبناء المنطقة، والذي تبلغ مساحته هكتارين حفظها وسلمها لمديرية التعليم بتارودانت الممثل لوزارة التربية والتكوين، وجرت اجتماعات في المديرية وفي الأكاديمية وفي العمالة وتلقت اللجنة السداسية وعودا، لكن الساكنة مازالت تنتظر بناء إعدادية ودار الطالب والطالبة.
وللتذكير فإن الساكنة تقوم بجمع المنح سنويا لتمكين تلميذات جماعة النحيت خاصة من متابعة دراستهن الإعدادية والثانوية في ايت ملول وتارودانت، لكن إلى متى؟ فالمهاجرون مسؤولون عن إعالة أسرهم في المدينة ومن تركوهم في القرى؟
وفي المجال الصحي نذكر بكون دائرة إيغرم بإقليم تارودانت تشرف على ست عشرة جماعة قروية وبلدية واحدة لا تتوفر على أي مستشفى مجهز لاستقبال المرضى في ظروف لائقة، والمستوصفات لا تتوفر على التجهيزات الكافية ولا على الأطباء، ومنذ أكثر من عشرين سنة تم إشعار السكان بأن دائرة ايغرم ستتوفر على مستشفى يتوفر على جميع التخصصات، لكن تظل المنطقة تعيش على الوعود المتناسلة في وقت لا تتوفر غالبية الساكنة على إمكانيات التنقل إلى مدينة تارودانت حيث مستشفى المختار السوسي «المشرف» بدوره على 89 جماعة ضمنها سبع بلديات؟