عادت قرية لهري، بإقليم خنيفرة، صباح يوم الأربعاء 13 نونبر 2024، لتعيش احتفالاتالذكرى 110 ل “معركة لهري”، في حضور المندوب السامي لقدماء المقاومين وجيش التحرير، مصطفى لكثيري، وعامل إقليم خنيفرة، محمد عادل إهوران، وعدد من الشخصيات العسكرية والأمنية، ومن المسؤولين والمنتخبين ورؤساء المصالح الخارجية، إلى جانب عدد من قدماء المقاومين وأرامل وذوي حقوق المتوفين منهم، حيث تمت زيارة المعلمة التذكارية المخلدة لهذه المعركة، قبل افتتاح مهرجان خطابي بالنشيد الوطني ولوحات غنائية وطنية من أداء تلميذات وتلاميذ مؤسسة الإبداع الأدبي والفني بقيادة ذ. يوسف رشيد.
وبفضاء بهيج مطلعه لوحات تشكيلية لتلاميذ المؤسسة المذكورة تتقدمهم ذة. فوزية مالكي، وهي تنبض بألوان الأرض والانتماء وبالفروسية والمقاومة، انطلق المهرجان بكلمة النائب الإقليمي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، تلاه رئيس المجلس الجماعي للهري، وبعده رئيس المجلس الإقليمي لخنيفرة، حيث استعرضوا جميعا ما تنطوي عليه المناسبة من دلالات وملاحم بطولية في التضحية والمواطنة ونكران للذات، ومن تذكير للأجيال بالمواقف البطولية لقدماء المقاومين والشهداء، وبالتضحيات التي قدموها بهذه الأرض، أرض لهري، في سبيل حرية البلاد، مع رفض كل التدخلات والأطماع الاستعمارية.
وبعد انطلاقه من مرحلة توغل الجيش الفرنسي في البلاد، واجتياحه السواحل المغربية والمناطق الشرقية والجنوبية، واحتلاله لمدينتي وجدة والدارالبيضاء سنة 1907، وتنسيق قبائل زيان مع قبائل زمور وزعير وتادلة وورديغة لمساندة قبائل الشاوية، تناول المندوب السامي ما خاضه موحى وحمو الزياني من معارك ما بين سنتي 1908 و1912، على هضاب تافوديت وأكوراي بكروان وزحيليكة، ثم معركة “قطب العبد” حيث استشهد أحد أبنائه الذي لا يتجاوز عمره 14 سنة، ومن ذلك إلى المرحلة التي تمكن فيها المستعمر من بسط سيطرته على مناطق الأطلس المتوسط، ومدينة خنيفرة التي شكلت له موقعا استراتيجيا يربط شمال المغرب بجنوبه.
وفي ذات السياق، استعرض المندوب السامي فترة تمكن القوات الاستعمارية من احتلال مدينة خنيفرة، يوم 12 يونيو 1914، بعد إدراكها لأهمية احتلال هذه المدينة، ووضعها نصب عينيها تكسير شوكة المقاومة بالأطلس المتوسط لخطورتها الكبيرة، وعلى إثرها قام موحى وحمو الزياني بتغيير استراتيجية مقاومته للمستعمر، مقابل اختياره الاعتصام بالجبال المحيطة بخنيفرة، وشروعه في تنظيم صفوف رجاله وفق خطة جديدة، واستمرفي توجيههجماته وضرباته للقوات العسكرية الاستعمارية بخنيفرةمن“جبلأقلال”،مستغلاتوقفالإمداداتعنالجيوشالفرنسية، والتيكانتتأتيعبرمريرت منمكناسوعبر“تزروتموخبو”و”سيديبوعباد” منأبيالجعد.
ومن خلالها انتقل المندوب السامي، بمداخلته، إلى مرحلة لجوء موحى وحمو الزياني صوب قرية لهري، ومعركتها التي جرت تتويجا لسلسلة من الهجومات العسكرية الخاطفة لرجال المقاومة الزيانية ضد عساكر الاستعمار الذين كانوا يحاولون بكل الخطط تطويق المجال الزياني، إذ في 8 يونيو 1914، هاجم القائد موحى وحمو الزياني جيش “كلوديل” بواد إفران ودارت معركة عنيفة استعملت فيها الأسلحة البيضاء إلى جانب البنادق، مخلفة مقتل 4 جنود من بينهم ضابط و11 جريحا، وعلى الجبهة الشمالية الغربية، دارت معركة أخرى بنواحي مولاي بوعزة وأكلموس سعى من خلالها المقاومون إلى قطع الطريق على جيش العقيد “واستغن كروس”.
من هنا “أعدت القوات الاستعمارية مخططها للغارة على قرية لهري، في 13 نونبر 1914، بتجهيز كتيبة تضم قرابة ألفا وثلاثمائة (1300) من الجنود المعززين بالمدفعية، بقيادة الكولونيل “لافيردور” «René Philippe Laverdure»لتشتعل المنطقة بعد نزوح حشد من المقاومين إليها من عدة قبائل لا تقل عن إشيقرن وآيت احمد وآيت إسحاق وآيت سكوكو وامرابطن وآيت سخمان وآيت مكيلد وغيرها”، حيث تمكن المقاومون من تطويق زحف الجيوش الاستعمارية من كل جهة، باستخدام كل ما يجب من بنادق وأدوات وفؤوس وخناجر، كانت كافية لتسجيل أبشع هزيمة في تاريخ القوات الاستعمارية الفرنسية.
ووفق كلمة المندوب السامي، فقد قدرتخسائرالقواتالفرنسيةبحسب شهادةالقبطان“سعيدكنون”، وهو ضابط جزائري الأصل في صفوف قوات الاحتلال الفرنسية، بسقوط حوالي 700 جندي فرنسي، و33 ضابط، بمن فيهم لا فيردور، وفي فقدان 8 مدافع من نوع 75 و10، فضلا عن 65 رشاشا و700 بندقية وأحصنة وآليات حربية وغيرها”، ويتذكر ذات القبطان كيف كان المقاومون الزيانيون بمعركة لهري “يتقدمون للمعارك كأنهم يذهبون للحفلات”، إلى جانب تذكره ل “تبادل جثث القتلى بين القوات الفرنسية والمقاومين الزيانيين، فيما تم تبادل جثة الكولونيل لافيردير، وخمسة ضباط، مقابل زوجتي موحى وحمو الزياني”.
وبعد تذكيره بمساهمات المرأة الزيانية في دعم حركة المقاومة الشعبية،أنهي المندوب السامي مداخلته بنهاية شخصية موحى وحمو الزياني الذي ظل يواجه المستعمر الأجنبي إلى حين استشهاده، صباح الأحد 27 مارس من عام 1921، بأزلاك نزمورت بجبل توجكالت، ودفن بتملاكت، ولأهمية معركة لهري في تاريخ المغرب المعاصر، أكد المندوب السامي أن مندوبيته أفردت كتابا ضمن “دفاتر الوثائق التاريخية للمقاومة والتحرير”، والذي يحمل عنوان “معركة لهري”، و”يضم 257 وثيقة حول المعركة وأطوارها، منتقاة جميعها من رصيد الأرشيف الذي تم استجلابه من أرشيف فانسن بفرنسا”، يضيف المندوب السامي.
كما ذكر المندوب السامي بحرص مؤسسته أيضا على إصدار مجموعة من المؤلفات التي تتناول بالدرس والتحليل جوانب من منطقة زيان، ذكر منها: كتاب “كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر” لمؤلفه أحمد المنصوري، وإصدار ثاني بعنوان: “الأعلام والمعالم الدينية ببلاد زيان، ودور زاوية آيت سيدي علي أمهاوش في مقاومة الاحتلال الفرنسي لخنيفرة” للباحث حدو رواح، ومؤلف ثالث موسوم ب: “السياسة الفرنسية بمنطقة آيت سكوكو خلال فترة الحماية الفرنسية” من إنجاز الدكتور إدريس أقبوش، ثم إصدار رابع من تأليف الدكتور جواد التباعي بعنوان: “آيت حركات أكلموس: مساهمة في دراسة تاريخ ومقاومة قبائل أزاغار إزيان خلال القرنين 19 و20 م”.
وفي سياق الإصدارات التاريخية المنشورة من طرف مندوبيته، لم يفت المندوب السامي التذكير بتخصيص العدد 40 من مجلة “الذاكرة الوطنية”، الصادر سنة 2022، لأشغال الندوة الفكرية التي احتضنتها مدينة خنيفرة، في موضوع: “منطقة زيان: المجال، التاريخ، والمجتمع”، وهي تنضاف إلى ندوتين سابقتين أولاهما نشرت سنة 1999 والثانية سنة 2007 في مؤلفين جامِعَيْن، الأول بعنوان: “المقاومة المسلحة والحركة الوطنية بالأطلس المتوسط 1907 -1956″، والثاني نقل أشغال ندوتين إحداهما موسومة ب: “التعليم والحركة الوطنية بالأطلس المتوسط خلال فترة الحماية”،
ذلك إلى جانب مجموعة من القصص الموجهة للناشئة والأطفال باللغتين العربية والفرنسية، بلغت في مجموعها 77 قصة منها 9 قصص تتناول جوانب من كفاح هذه الربوع المجاهدة، نذكر منها: قصة “موحى أوحمو الزياني، التحدي الكبير” لمؤلفها عبد الحكيم الهلالي، وقصة “موحى أوحمو، تتريت زيان” لمؤلفتها ريم زورال، وقصة “موحى أو حمو الزياني” لمؤلفتها أمينة برواضي، وقصة “معركة الهري 13 نونبر 1914م” لصاحبها الحسين بشوظ، وقصة “Moha Ouhamou Chef de zayan” لصاحبهتا ريم زروال، في إطار نشر وإشاعة المعرفة التاريخية بين الأجيال، وتعزيز صيانة الذاكرة التاريخية الوطنية والمحلية.
تم تتويج فعاليات الاحتفال بتكريم 8 أفراد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بينهم 3 متوفين وخمسة على قيد الحياة، حيث تم تقديم نبذة عن حياة كل واحد منهم، قبل تسليم تذكارات التكريم للأخيرين كما لذوي المتوفين منهم، فيما جرى تسليم غلاف مالي بقيمة 30 ألف درهم لدعم مشروع فلاحي يخص ابن مقاوم، في إطار التشغيل الذاتي والعمل المقاولاتي، فضلا عن تقسيم مبلغ مالي قدره 8 آلاف درهم لفائدة أرملتين، عبارة عن واجب عزاء، ثم توزيع إعانات مالية واجتماعية، بغلاف 84 ألف درهم، على 42 فردا من منتمين ومنتميات لأسرة المقاومة وجيش التحرير بالإقليم.