إحتجاجات الفنيدق تعيد ملف الإقتصاد الحدودي إلى الواجهة وهذا ما كشف عنه المجلس الإقتصادي والإجتماعي

0

التازي أنوار

أعادت إحتجاجات مدينة الفنيدق مساء الجمعة، وخروج عشرات المواطنين إلى الشارع، إحتجاجا على الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية التي يعيشونها بسبب إغلاق معبر سبتة المحتلة وخاصة خلال جائحة كورونا، النقاش مجددا حول الإقتصاد الحدودي و الذي يعتمد بشكل كبير على المنتوجات والسلع التي تدخل إلى المنطقة، وتوفر فرص شغل للعديد من المواطنين، أمام ضعف البدائل الإقتصادية المتوفرة.

ويرى المراقبون، أن إغلاق المعابر في وجه التهريب المعيشي الذي تعيش عليه المدن الحدودية “وجدة، ومرتيل وفنيدق و المضيق و الناظور…” زاد في منسوب الإحتقان الإجتماعي، خاصة و أن العديد من الأسر كانت تمتهن التجارة الغير مهيكلة، بالاضافة الى الإغلاق العام لمواجهة تفشي وباء كورونا، كلها عوامل ترخي بظلالها على على المواطنين الذين أصبحوا في حالة بطالة.

و أكد المتتبعون، على أن التصدي لظاهرة التهريب المعيشي التي أصبحت مهنة للعديد من الأسر، و تنتشر بمدن الشمال بالمملكة، من شأنه حماية المنتوج الوطني، و المقاولات الوطنية المهيكلة. لكن لابد من توفير وسائل إقتصادية بديلة للمواطنين ومحاربة الهشاشة بهذه المناطق، وذلك بإشراك مختلف الفاعلين من حكومة و جماعات ترابية والقطاع الخاص، تحول دون إرتفاع الإحتقان الإجتماعي و الإقتصادي.

وفي هذا الصدد، كان المجلس الإقتصادي و الإحتماعي، في تقرير سابق له، قد أكد على مسؤولية الدولة في توفير بدائل اقتصادية جديدة تساهم في توفير الشغل وتحقيق التنمية بهذه المناطق الحدودية. مشيرا إلى أن، هذا التحول ينطوي على تحديات كبيرة، حيث إن التداعيات متعـددة و تمتد إلى المجالات الإقتصادية و الإجتماعية والبشرية و السياسية والأمنية، وغيرها.

و أكد المجلس الاقتصادي و الإجتماعي و البيئي،على أن الوضعية عند المعابر الحدودية بين المغرب والثغرين المحتلين سبتة ومليلية، شهدت في المدة الأخيرة تطورات متسارعة مصحوبة بنقاش عمومي حـول الجوانب الإنسانية والإقتصادية والإجتماعية و السياسية لهذه الإشكالية. 

و أوضح التقرير، أن قرار المغرب بإغلاق معبري سبتة ومليلية الـذي اتخذته السلطات المغربية في سنة 2020 ، ّيؤشر علـى حصول تحول حقيقي في السياسة التـي اعتـاد المغرب على نهجها لعدة عقود، وقـد كانـت هـذه السياسة تقوم، في أحسن الأحوال، على تنظيم تدفق ممتهني التهريـب المعيشـي، وعلـى التخفيف إلـى حـد مـا مـن قسـاوة ظـروف عملهـم، أو إيجاد حلـول مخففـة فـي محاولـة لتحديـد مجالات التسـويق فـي المـدن الحدوديـة.

وكشف المصدر ذاته، أن هذه الوضعية المرتبطة بتجارة التهريب، أدت إلـى إقامـة  منظومـة خـارج القانون حول الثغرين المحتلين وعلى طول سلسلة القيمة و هو محيط تطبعـه علاقة الخوف و الخضوع و الإحساس بالظلم، والتي تطورت فيها جميع أنواع خرق القانونّ و الشطط في اسـتعمال السلطة و الرشوة و الإثراء غيـر المشروع، بسبب دائـرة الإرتشاء و مختلف أنـواع الاتجار غيرْ القانونـي. وقـد أفضـى هـذا الوضع إلى نشر ثقافـة انعدام ثقة الساكنة فـي السلطات. حسب المجلس.

و أوضح المجلس، أن السـلطات المغربيـة  كانت تسـعى، قبـل إغلاق المعبريـن، إلـى تحقيـق هـدف مـزدوج، مـن جهـة، كان ينبغـي علـى السـلطات العموميـة تجنـب أي توتـر اجتماعـي، بالنظـر إلـى عـدم وجـود فـرص شـغل كافيـة فـي المناطـق المحاذيـة لسـبتة ومليليـة، و مـن جهـة أخـرى، فـإن التعايـش فـي هـذه المناطـق، بيـن التهريـب والسـلطات العموميـة، كان يسـمح للدولـة بإبقـاءِ هـذه الأنشـطة باديـة للعيـان و خاضعـة للمراقبـة.

و حسب معطيات رسمية، قدر حجم تدفق السلع المهربة بسبتة و مليلة حوالي 15 و 20 مليار درهم في السنة، وتهم بشكل أساسي المواد الغذائية و الملابس و إطارات العجلات و السيارات، و مستحضرات التجميل و الأجهزة الإلكترونية و  الكحول، و بالتالــي فــإن المســتفيد الأول مــن التهريــب هــم المنتجــون الإســبان، الذيــن يوجهــون منتجاتهــم بكيفيـة غيــر قانونيــة إلــى المغــرب عبــر ســبتة و مليليــة، ناهيــك عــن تداعياتهــا علــى الأنشــطة الأخــرى المرتبطــة بهــا فــي المحتلتين.

 و جاء في تقرير المجلس، “يعتبر النسيج الإقتصادي للمقاولات الوطنية، مـن بيـن الفاعليـن الذيـن يعانـون كذلـك بشـكل كبيـر مـن نشاط التهريب عبر سبتة ومليلية، ولاسيما قطاعات الصناعة والمواد الغذائية والنسيج والألبسة، كما تأثرت مالية الدولة إذ فاقت الخسائر الضريبية ما بين 4 و 5 مليارات درهم خلال سنة 2018، بالاضافة إلى مخاطر صحية كبيرة عند إستهلاك تلك المواد المهربة.”

وخلص المصدر نفسه، إلى أن الإغلاق الأحـادي الجانـب مؤخـرا لنقطتي العبور لسبتة و مليلية المحتلتين من قبل المغرب، وكذلك منع الحركة التجارية عبر ميناء باب مليلية سنة 2018، واستبداله منذ ذلك بميناء بني نصار كلها تدابير ضرورية من شأنها أن تكون ناجعة على المدى القصير لوقف المواد المهربة.

وشدد، على أن هـذه التدابيـر تبقـى، بالأحـرى، تدابيـر تعالـج الأعـراض لكـن لا تنصـب علـى الأسـباب العميقـة التـي سـمحت بانتشــار تجــارة التهريــب، و باقــي الأنشــطة الأخــرى غيــر المشــروعة، فــي المناطــق المحيطــة بســبتة ومليليــة. و أضاف، “مــن المؤكد، بطبيعــة الحال، أن أحـد الأســباب الرئيســية لهــذه الوضعيــة هــو القصــور الحاصل علــى مســتوى التنميــة الإقتصاديــة و الإجتماعيــة الذي راكمتــه هــذه المناطــق طيلــة عقــود، والــذي لــم يســمح بخلــق أنشــطة وفــرص كافيــة لفائدة الساكنة المحلية.”

و أوصى المجلـس باعتمـاد ثـلاث مجموعـات مـن التوصيـات، ذات الصلـة بالمشـاكل الناجمـة عن إغلاق المعبرين الحدوديين. فالمجموعـة الأولى مـن هـذه التوصيـات ذات طبيعـة عرضانيـة تتعلـق بنمـط الحكامـة. ذلـك أن هـذه الأخيـرة تعتبر شرطا لازما لنجاح أي استراتيجية في هذه المنطاق لإستعادة الثقة.
و ترتبط المجوعة الثانيـة، بالتدابيـر علـى المـدى القصيـر، حيـث تهـدف إلـى خلـق فـرص للأشخاص الذيـن فقـدوا عملهـم، سـواء كتجـار أو كممتهنيــن للتهريــب المعيشــي، بعــد إغلاق نقــاط العبــور.
أمــا المجموعـة الثالثـة مــن التدابيــر فترتبــط بالمــدى المتوسـط  و الطويل، و تسـعى إلـى النهـوض بالتنميـة فـي هـذه المناطـق، مـن خلال اقتـراح مسـالك اسـتراتيجية تهـدف إلـى الحـد مـن الفـوارق علـى مسـتوى التنميـة الإجتماعيـة و الإقتصاديـة مـع الجـار الإسباني، وتوفيـر الشـروط اللازمة لتحسـين جاذبيـة هـذه المنطقـة.