عبد السلام المساوي في نعي الحسين بوحبة “وداعا قيدوم الاتحاديين بوجدة

0

عبد السلام المساوي

في أكتوبر 1980 ، وأنا شاب بالكاد 25 عاما ، عينت أستاذا للفلسفة بثانوية وادي الذهب بوجدة ؛ معقل النضال التلاميذي وقاطرة الإضرابات التلاميذية بوجدة … تعرفت على رجل عظيم ، على الحسين بوحبة حارس عام ؛ أستاذي علمني الحكمة وعدم التهور ، كان يلجمني من الانقياد للحماس النضالي الزائد الذي حملته من ظهر المهراز وأنا طالب بفاس ….الحسين مناضل ، مناضل سياسي ونقابي …اتحادي أصيل….الحسين
الحسين بوحبة هبة وكاريزما …بشوش بابتسامة لا تخفي جديته وصرامته …صاحب نكتة وصاحب سخرية لاذعة ….كان عملاقا رضع الأنافة في معبد الشجعان ….
الحسين بوحبة أستاذ زرع فينا الشجاعة والكرامة ونزع منا الخوف والاستسلام ….أنت العنوان بالأمس واليوم وغدا ….
وداعا الحسين بوحبة ….وداعا أيها الرجل …وداعا أيها المناضل …رمز التعليم …ونعلم أيها الشهم أن الثمانينات بوجدة كانت زمن الشجعان …وكنت رائدا تناضل سياسيا ونقابيا لرفع الحصار عن الأساتذة ….
أعلم أنك قد اختفيت لكنك لم تمت…
المناضل الشرس….المروءة هي العنوان والشموخ سيد الميدان…
الآن ترحل ….فجأة ترحل ….هل تعبت ؟! أنت طلقت التعب يوم ولدت …أنت لم تشك التعب أبدا …ترحل وتترك أهلك ، إخوانك ، أصدقاءك …تائهبن حائرين …الصدمة كبيرة والفاجعة أكبر…
الرجال لا يموتون …العظماء لا يموتون…
نعم لم تمت ولكن ساهمت في اقتلاع الموت من وطننا …ساهمت في اسماع صوت الكلمة … الحرية والبناء …ساهمت في شق الطريق ، توضيح الرؤية وبناء المسار…
لما نطقت ..لما بدأت الكلام ؛ قلت ” لا ” …لا للاستغلال والمهانة…لا للذل والهوان …لا للقمع والاستبداد…لا للعار والخذلان …لا للنفاق والكتمان …لا للخيانة والنسيان …
قلت لا للموت …أمثالك لا يموتون …أحياء في التاريخ بل التاريخ حي بهم
ترحل بيولوجيا لتفرض حضورا أقوى …فأنت الحضور ، بالأمس واليوم وغدا …
وجودك كان له معنى …لم تأت إلى هذا العالم زائرا …لم تكن مؤقتا …بل أتيت فاعلا وخالدا …إنك شهم…انك مناضل… وطني اصيل …
أعلم انك اختفيت ولكنك لم تمت
هل نبكيك ؟! وهل البكاء قادر على إطفاء النار التي اشتعل لهيبها في كياننا لحظة علمنا بخبر رحيلك عنا ….لا …لن نبكيك لأنك لم تنته بل بدأت …كنت البداية دائما …ستستمر …ستخلد…ستستمر في كل من يؤمن بالمغرب بلدا حرا وناميا…ديموقراطيا وحداثيا…في كل من عرف انك كنت تزرع الكلمة وتزرع الجمال ….
اليوم يتعطل البكاء … لا نودعك ونبكيك ، بل نقدر ونعتبر الخسارة الكبرى التي لحقت الوطن ….
أعرف انك قد اختفيت ولكنك لم تمت
نعم لم ولن تموت …تغنيت بالحياة …تغنيت بالحرية وعلمتها لنا اغنية حلوة وجميلة …سنحلم ونحلم ..وطني وطن الجميع …وطن الكرامة والعدالة …
أعلم انك اختفيت لكنك لم تمت
مسار مكتوب بالشهامة وعزة النفس …. موشوم بالعزيمة القوية …موشوم بالصمود والصلابة…
أعلم أنك قد اختفيت لكنك لم تمت
تاريخ غني وحي ….مسار شاق وعسير …وطني ومواطن…مناضل ديموقراطي في سنوات الجمر والرصاص…كلمة واحدة في حقك أيها النبيل وأصير ملقحا ضد كل نزلات الخيانة والانحراف…فالرجل أنت والصدق فيك …والنبل ولد معك…إنك وطني مخلص …إنك اتحادي أصيل…
اعلم انك قد اختفيت لكنك لم تمت
“ما هموني غير رجال إلا ضاعوا ….” لا ثم مليون لا ، الرجال لا يضيعون …الرجال لا يموتون …
وأخيرا ترحل ، ترحل عنا ، ترحل فجأة …لن نبكيك …فانت علمتنا الأمل والتفاؤل….علمتنا كيف نحيا …علمتنا الصمود والكبرياء لنعيش ” منتصبي القامة مرفوعي الهامة “…
نم مطمئنا يا الحسين، المغرب ينمو ويتقدم مستلهما قيم الوطنيين والمخلصين …المغرب بخير بفضل نضالاتكم وتضحياتكم ..ووردة وجدة تزهر…
لقد حدث ما كان حتما سيحدث …وما كان مأمولا أن يتأخر حدوثه…حدث اليوم ، أن جسم الحسين بوحبة ، أفرغ آخر ما استطاع من نفس ، ليسلم أنفاس الإنسان العزيز لفضاءات التاريخ الرحبة والعطرة بأريج انبعاث النيات المخصبة لمشاتل ، تولد الشمس في مستقبل التاريخ….
أعلم أنك قد اختفيت لكنك لم تمت …
الوطن يبكي …
الكلمة تبكي…
التعليم يبكي…
الأساتذة يبكون عزيزهم …يبكون حبيبهم …يبكون رجلا رضع المروءة والكرامة في معبد الشجعان …
كان كريما ومات كريما…كان نظيفا ومات نظيفا…..
كان ابن الشرق …أصيلا متأصلا…
السلام عليك يوم ولدت …والسلام عليك يوم رحلت …والسلام عليك يوم تبعث حيا نظييفا…
ومات الحسين بوحبة …وتيتمت المروءة وتيتم الوفاء…
كنت معنا دومًا وستظل معنا دائمًا.
لن نتركك تغادر، فأنت في بؤرة وجودنا.
لا أريد أن أتذكر،
لأنني لا أريد أن أنسى
ولا أريد أن أنسى
لأن الوجود أبقى
حتى في الغياب.
الحسين صنو وجود متعدد
وجود في الأعماق
وجود في الأماكن
وجود في الساحات
الضيقة والفسيحة
الحسين المبادرات التي كثيرًا ما أثارت فضول تساؤلات عميقة
هو وحده يملك كيمياء الربط بين الكلمة والنضال…
كما يراه
كما يتمناه
كما يعمل من أجله
بكل وقواه
وبين تلك المبادرات
الكثيرة في لحظات
حساسة من نضالنا
المشترك
لن أقول وداعًا الحسين
لأنك لا تودع
أنت ترحب دومًا
أنت لا تودع أبدًا
أنت باق هنا بوحبة
أنت في بؤرة وجودنا
جميعًا
في قلب كل رفيق
في قلب كل صديق
وفي قلب كل حبيب
أنت باق الحسين
كبيرًا
كما كنت كبيرًا
شهما كما كنت
مخلصًا كما كنت
ولم تبرح
أنت هنا
وأنت اليوم لم تفعل إلا أن حلقت إلى مثواك في البراري المزهرة لذاكرة الوطن ، وهي التي تصون ، برفق وفرح ، حيوات أمثالك من مولدي التدفق في المجرى العظيم للأمل في أوصال وطن يقاوم الارتداد ويراوغ المطبات …ويمضي بهدوء وثبات وبعزم نحو الامتلاء بالكرامة لمواطنيه…
الحسين بوحبة ممتد في المشترك المديد والعميق بيننا…
الحسين بوحبة..سيحفظ لك الوطن أنك كنت من أبنائه الأوفياء له ، وقد بذلت من أجل تقدمه الكثير من الجهد بكفاءة نضالية …لذلك لن تذهب بعيدا تحت التراب ، لأنك ستذهب بعيدا فوق التراب …
الحسين بوحبة…ذكراك ستزهر وتولد أبدا نفحات الأمل في التقدم نحو حلمك بالوطن الزاخر بالكرامة لمواطنيه…