خنيفرة تحتفي ب “شهر التراث” بمعرض فوتوغرافي وندوة حول صناعة الزربية وفن النسيج بالأطلس المتوسط

0
  • أحمد بيضي

انخراطاً منه في فعاليات “شهر التراث”، المنظم تحت إشراف المديرية الجهوية للثقافة بجهة بني ملال خنيفرة، وتماشيا مع الخصوصيات والتعابير الثقافية للإقليم، نظم “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، عشية الجمعة 5 ماي 2023، ملتقى تراثيا افتتحت فعالياته بلوحة فولكلورية لمجموعة أورثي لأحيدوس، وتميزت بمعرض فوتوغرافي من فن الزرابي الأطلسية، قبل تتويجها بندوة فكرية حول فنون النسيج بالأطلس المتوسط (الزربية الأطلسية الأمازيغية)، وبشهادات حية لمبدعات في فنون النسيج، تتقدمهن فتيحة عمراني الفائزة بلقب “صنعة بلادي 2023″، والصانعة التقليدية مونة خطاري التي قرأت للحضور ملامح وأشكال الزربية الزيانية.

ورفع الستار على نسخة خنيفرة من “شهر التراث” بعدة كلمات، انطلاقا من كلمة المسؤول على المركز الثقافي المضيف، ذ. المصطفى فروقي، الذي وضع الحضور في دلالة ورمزية الحدث بوصفه فرصة لإبراز بعضا من الموروثات التراثية، لينتقل الجميع لبهو المركز حيث تقدم المدير الجهوي للثقافة، د. طالب بوي ماء العينين لعتيك، بمداخلة ثقافية ركز ضمنها على “سمو الكلمة في فضاء الواقع، ومدى أهمية البحث في أغوار التراث في ارتباطه بالهوية الثقافية بكل تجلياتها المغربية”، فيما تقدم رئيس بلدية المدينة، ذ. م. المصطفى بايا، بكلمة استهلها بالإشارة لما وصفه ب “الجهود المبذولة من جانب مجلسه في سبيل تأهيل الشأن الثقافي بالمدينة”.

ولم يفت رئيس البلدية التطرق لقرار مجلسه بخصوص إخراج “مشروع قاعة للمسرح إلى حيز الوجود”، داعيا الجميع إلى “الترافع بغاية تسريع ميلاد هذا المشروع”، ومذكرا ب “عدة اتفاقيات تهم مشاريع ثقافية أخرى”، ذلك قبل ممثلة غرفة الصناعة التقليدية، ذة. فوزية اسبيلي، التي تناولت في مجمل كلمتها موضوع قطاع النسيج باعتباره “جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي، وعلى رأسه فن الزربية”، حيث لم يفتها التوقف بحديثها عند هذا الموروث و”دور النساء في إبداعاته والحفاظ عليه من الاندثار، وكذا رموزه وألوانه التي تعكس الهوية المغربية والكثير من الأفكار”، كما حرصت المتحدثة على الدعوة إلى “تثمين هذا المنتوج وتسهيل تسويقه كتراث عالمي”.

وبعد ممثل مديرية الصناعة التقليدية، ذ. علا سراري، الذي استعرض من خلال كلمته “تاريخ الزربية المغربية وفنون الصناعة التقليدية بقبائل زيان، منذ الحماية الفرنسية”، تقدم رئيس مؤسسة روح أجدير الأطلس، ذ. محمد ياسين، بكلمة تطرق فيها للتراث وخصوصياته المجالية، مقابل تأكيده على “أن كل احتفاء بهذا التراث لا يعني حنينا للماضي بل هو إطلاله على المستقبل”، فيما شدد على أن “التراث يعتبر ذاكرتنا الثقافية بكل معالمها ومعانيها، وبالهوية الثقافية يمكننا كسب الرهانات”، وبينما ذكر بخطاب أجدير الذي جعل من الشأن الأمازيغي ملكا للجميع، ذكر بمبدعات فن الزرابي اللواتي “تمكن من نقل الإبداع المحلي والأمازيغي إلى كل بقاع العالم”.

وتميز الحدث بمعرض فوتوغرافي للإعلامي عز الدين كايز، عبارة عن 50 صورة فوتوغرافية في موضوع: “أشكال ورموز وزخارف الزربية المحلية”، دون أن يفوت العارض كايز التقدم بكلمة أبرز فيها دلالة اختياره موضوع معرضه الذي يأتي بمثابة “اعتراف بالصانعات التقليديات اللائي لعبن أدوارا طلائعية متعددة ليظل هذا الموروث الأمازيغي المغربي الأصيل حيا على مدى العصور والأزمنة”، كما أوضح ذات العارض “أن المعرض الذي هو ثمرة ثماني سنوات من التجميع، هدفه التوثيق وحماية بصماتها من القرصنة ومن مخططات السرقة التي تحاول بعض الأطراف المعادية لبلادنا من نسبها لها بشكل تضليلي”.

وعلى هامش الحدث انتقل الجميع لقاعة الندوات حيث جرى تنظيم ندوة علمية فكرية حول فنون النسيج المحلي بمشاركة الباحثين ذ. محمد أحوزار وذ. المصطفى فروقي، وتسيير ذ. محمد ياسين، والتي افتتحها ذ. محمد أحوزار بورقة في موضوع “دلالة وأبعاد الرموز والأشكال الهندسية للزربية الأطلسية”، استهلها بإشارته للنسيج الأمازيغي ك “عالم نسائي بامتياز”، وما تشكل حوله من أساطير، فيما أبرز المتدخل مدى “الاستثناء الذي عرفته قبائل زيان وإشقيرن، حيث لا يتخلف الرجال عن عملية النسج الى جانب المرأة، على عكس قبائل ايت امگيل وايت احند التي تظل المهمة من اختصاص النساء، ذلك قبل أن ينتقل المتدخل للحديث عن موقع النسيج في الشعر الأمازيغي

وفي ذات السياق، تطرق ذ. محمد أحوزار ل “تغنى الشعراء الأمازيغ بالنسيج”، فيما توقف بورقته القيمة عند ما تناوله الباحثون حول الرموز والأشكال المستعملة في صناعة النسيج الأمازيغي، و”الموروثة عن حضارات ما قبل التاريخ”، مبرزا أن هذه الصناعة تعد من “أقدم الحرف اليدوية”، فيما ركز أكثر على ما تمتلكه النساء الأمازيغيات من “مهارات كبيرة على مستوى الزخارف والرموز والألوان، التفاصيل والجزئيات الدقيقة، وكذا الخطوط والعناصر التشكيلية والهندسية المكونة لها”، ومن خلال ورقته، اختار ذ. محمد أحوزار التقدم بقراءات مستفيضة في أسماء وأشكال ورموز النسيج الأمازيغي الأطلسي، مع استعراضه لمجموعة من الصور.

أما ذ. المصطفى فروقي فاختار المشاركة بمداخلة حول “الأبعاد الثقافية والرمزية والزخارف ورسوم الزربية بالأطلس المتوسط”، حيث انطلق فيها من مقارنة توضيحية بين ما يعرف ب “الزربية الرباطية” والزربية الأمازيغية المعروفة بالأطلسين المتوسط والكبير والحوز، ومبرزا مدى “القيمة الإبداعية التي تشكلها الزربية الأمازيغية الأطلسية”، قبل أن يفتح فاصلا للعودة بالحضور إلى تاريخ الزربية إبان الاحتلال الفرنسي للمغرب، وتاريخ إنشاء المتاحف الأولى للزربية ما بين سنة 1915 و1916 ببعض المدن المغربية كفاس ومراكش، وإقدام السلطات الفرنسية على تنظيم معارض خاصة بهذا المنتوج المغربي بالديار الفرنسية من باب تعريف المواطن الأوروبي بها.

وارتباطا بالموضوع، تطرق ذ. فروقي للمقاولات الأوروبية التي قامت بفتح مجموعة من الأوراش بالمغرب بهدف إنتاج الزربية وتصديرها لأوروبا، رابطا تاريخ الزربية بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي للمغرب، فيما لم يفته الاعتماد على بعض الباحثين ممن تناولوا موضوع الزربية المغربية في أبحاثهم، كما تطرق بالتفصيل ل “مدى تأثر نسج الزربية بألوان الطبيعة والتراب، ولاختيار الصانع نسجها في فصل الخريف”، قبل أن ينتقل المتدخل للحديث عن “الأسماء التي أطلقت على الزخارف من خلال ما يرتبط بالحياة اليومية والمعتقدات والجسد والإنسان والحيوان”، فيما لم يفته التركيز على بعض الأشكال الهندسية  والرموز والمربعات والخطوط والزوايا في المنتوج.

وانطلاقا من تخصصه في البحث التراثي، استعرض ذ. فروقي “مدى محاكاة صانع (ة) الزرابي للأشياء وإعادة انتاجها في الرسوم، من خلال تداخل الترميز وعمق المسافة على مستوى تراكم الذهنية المحلية، بحسب المواقع الجغرافية للقبائل”، حيث أشار “للخلفيات المرافقة لعملية النسيج، بما فيها الفلسفية والسيميائية والسوسيولوجية، على اعتبار دخول الزربية في المعيش اليومي وفي رهانات التواصل بين المكونات المجتمعية للمجال، ومنه مجال الأطلس المتوسط خصوصا”، فيما شدد ذ. فروقي على أن “الزربية ليست تراثا غير مادي بل هي مكون من التراث المادي، ووثيقة هامة تحكي الكثير من الأشياء والعوالم، وتجمع في عالمها المتشعب بين الطقوس والمعتقدات والحكايات”.

وتواصلت أشغال الندوة بشهادات لمختصين في مجال النسيج، ومنهم فتيحة عمراني الحائزة على لقب صنعة بلادي 2023، والتي استهلت شهادتها ب “ما تزخر به ابداعات النسيج من مهارات تستحق منحها الأهمية القصوى من طرف عموم المتدخلين والمكونات المهتمة بالتراث”، داعية إلى “الاعتماد على التأطير والتكوين”، بينما تقدم المصطفى الحنبالي، نائب رئيس جمعية الإبداع لقرية الصناع التقليديين، بشهادة دعا فيها ل “التعريف أكثر بما يزخر به الإقليم من أنامل إبداعية، والعمل على الرقي بصناعة النسيج التي تعاني من صعوبات التسويق والمشاكل المترتبة عن الركود وتداعيات كورونا”، وداعيا المسؤولين إلى “إنقاذ الصناعات المهددة بالانقراض”.

وجرى تتويج أشغال الندوة بفتح باب المناقشة في وجه الحضور النوعي الذي شهدته القاعة، تم خلاله إغناء الندوة بالكثير من التصورات والآراء، من قبيل الدعوة للبحث عن مقاربات لترويج منتوج الزرابي ومواكبته وتثمينه، والعمل على قاعدة التكوين التقني والفني بغاية استمرار مشعل العناية بالتراث الثقافي، وعلى استحضار البعد النفسي في ثقافة النسيج، مع اعتبار الزربية تحفة فنية وليس بساطا أو فراشا فقط، مقابل دراسة باقي الأشياء المرتبطة بالنسيج مثل “الموزونة” و”الحنبل” و”الصوف” الذي يعد مادة أساسية، فيما لم يفت تدخلات أخرى الدعوة لربط ثقافة النسيج بباقي الحقول المعرفية لما لها من حمولة إنسانية وانتربولوجية وسيميائية.

وخلالها حملت تدخلات الحضور الدعوة لتوثيق معاني الحروف والرموز المشكلة للزرابي، مع تساؤل حول مدى تأثر صناعة الزربية المحلية بصراع الثقافات والحضارات؟، وهل القراءات المتداولة للرموز مجرد تأويلات حقيقية علمية أم فرضيات وتخمينات؟، بينما لم يفت أحد الباحثين في علم الاجتماع مناشدة الجميع ب “عدم وصف بعض صانعات الزرابي بالنساء الأميات، لكونهن غير أميات بالمفهوم السائد، بل هن مثقفات في مجالهن المرتبط بالنسيج وما يحمله من الرموز والأشكال الجمالية”، فيما تحدث متدخل آخر عن الصناعة الإبداعية التي كانت موضوع تفاخر وتنافس بين العائلات المغربية على طول وعرض البلاد.        

ويشار إلى أن “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، كان قد افتتح، مساء السبت 28 يناير 2023، برنامج “محاضرات الشهر” بلقاء مفتوح مع الباحث الدكتور جواد التباعي، في محاضرة تحت عنوان: “الصناعة التقليدية في بلاد زيان: العراقة وسبل التثمين”، سيما ما يتعلق بصناعتي الجلد والنسيج، وذلك انطلاقاً من أهمية التراث في تأكيد الهوية والإنسانية، وما يحتاجه هذا المجال من عناية وتثمين، باعتباره رمزاً مرتبطاً بالخصوصيات الثقافية التي لا يمكن إنكار مكانتها في إطار تعزيز الروابط ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، وفي استمرارية المجتمعات، وهو اللقاء الذي عرف حضورا نوعيا ومتفاعلا.